أخبار مصر

في ذكرى نصر أكتوبر.. السادات يطوع الفن والرياضة لخدمة خطة الخداع الاستراتيجي للحرب

ملحمة سيبقى أثرها لمئات السنوات، قادها الجيش المصري والرئيس محمد أنور السادات، ووقف بجانبها الشعب المصري لدعمها، حتى حققت مصر النصر على عدوتها إسرائيل واستردت كل شبر من أراضيها، وأثبتت في 6 ساعات فقط عبرت خلالها القناة، أن “ما أُخذ بالقوة لن يسترد إلا بالقوة”.

تكمن عظمة حرب أكتوبر المجيدة في أنها نجحت من جميع الجوانب، حيث وضع الرئيس الأسبق السادات خطة للحرب متكاملة الأركان، ليس فقط عسكريا وسياسيا، لكن أيضا فنيا وصحيا واجتماعيا، متمثلة في خطة أسماها بـ”خطة الخداع الاستراتيجي”، التي بدأت في شهر يوليو لعام 1972، واستمرت حتى يوم الحرب في 6 أكتوبر لعام 1973م.

وفي هذا الملف، نرصد الأخبار التي نشرت في جريدة “الأخبار” لشهر سبتمبر لعام 1973م، التي تبين الآن بشكل واضح خطة السادات الاستراتيجية الناجحة التي كانت سببا رئيسيا للانتصار.

• الحياة الفنية والرياضية في مصر قبل الحرب بأيام

حفلات يومية لكبار المغنيين، وأفلام عربية وأجنبية تملأ قاعات السينما، أما الدوري المصري ففي أفضل حالاته، عاد أخيرا ليلعب لأول مرة بعد النكسة، بعد توقف وتعثر دام لما يقرب من 6 سنوات، ليشاء القدر أن يعود في عام الحرب، وأن يتم إذاعة بيان النصر من داخل الاستاد.

هذه كانت أجواء البلاد التي تستعد للحرب خلال أيام قليلة، حيث استطاعت حكومة السادات أن تطوّع الفن والرياضة لخدمة خطة الخداع الاستراتيجي لحرب أكتوبر المجيدة، وذلك بالدفع بالعديد من الأفلام التجارية والكوميدية، واشتعال المنافسة الرياضية بين الفرق، لينشغل الشعب المصري، ويرى العالم من خلال الإعلام والرياضة، أن هذه البلد تريد لعب الكرة، والضحك على الأفلام، ولا تفكر في الحرب أبدا.

وفيما يلي، نرصد ماذا كان يشاهد المصريون؟ ومن كان متصدر الدوري المصري آنذاك؟ وذلك من خلال استعراض أخبار شهر سبتمبر لعام 1973م، بالأعداد الصادرة عن جريدة “الأخبار”.

• الحياة الفنية.. ضحك ولعب وحب

تصدرت إعلانات حفلات المطربة الكبيرة شادية صفحات جريدة “الأخبار” في شهر سبتمبر لعام 1973م، حيث كانت تقدم حفلاتها بدار سينما “ريفولي” تحت رعاية وزير الصناعة شخصيا، آنذاك، المهندس إبراهيم سالم، وكان يغني الفنان الشاب وقتها هاني شاكر بجانبها في الحفل.

حدائق “باريزيانا” بالهرم، كانت من أكبر الأماكن التي يتم ترشيحها للسهر، حيث كانت تقدم أفضل فقرات الترفيه، وكان يحيي حفلاتها الفرقة الماسية بقيادة أحمد فؤاد حسن، ويقوم بالغناء على مسرحها المطرب الكبير محرم فؤاد، بجانب المطرب الشعبي شفيق جلال، والمونولوجيست سيد الملاح.

وقد كانت الفرقة الماسية هي نجمة حقبة السبعينات، فلم تقتصر حفلاتها في حدائق “باريزيانا” فقط، بل قدمت أكثر من حفل خلال شهر سبتمبر لعام 1973م أيضا، منهم حفل مع المطربة الكبيرة فايزة أحمد بأوبرج الأهرام، وحفل آخر على مسرح أم كلثوم مع المطربة شهرزاد.

الراقصة الأولى، لقب نراه في أكثر من إعلان نشرته جريدة “الأخبار”، لحث الناس على التوجه للسهرات الحافلة التي تضم أفضل الراقصات بمصر، على رأسهن، سهير زكي، ونجوى فؤاد، وصفية حلمي، وزيزي عبده، وسونيا أحمد، ونادية فؤاد، وميرفت ياسر، وندى، وقد تنوعت أماكن السهرات بين حدائق باريزيانا، كازينو جرانادا، وكازينو البجعة.

جمالهن ساحر، قوتهن خارقة، وكيدهن عظيم، هذا هو الإعلان عن الفيلم الأجنبي “نساء شرسات”، الذي عرض في سينما راديو مطلع شهر سبتمبر لعام 1973م، ونشرته جريدة “الأخبار” على صفحاتها.

بينما كان يعرض في للأسبوع الـ11 بسينما ديانا وبارادي بحلوان، فيلم “شيء من الحب”، الذي يعتبر واحدا من الأفلام التجارية، وهو بطولة نور الشريف، وعادل إمام، وسهير رمزي، وعُرض في السينمات 6 أغسطس لعام 1973م، أي قبل حرب أكتوبر المجيدة بشهرين فقط.

بسينما ميامي وريو وروكسي، كان يعرض فيلم الشحات، وهو بطولة محمود مرسي، ونيللي، وأحمد مظهر، وشويكار، ومريم فخر الدين، وعلى مسرح أم كلثوم كان يقدم عزت العلايلي بالاشتراك مع نجوى فؤاد برعاية وزارة الثقافة، العرض المسرحي “عريس وعروسة”، الذي كان من تأليف الكاتب بهجت قمر.

تحت عنوان “أين تذهب هذا المساء؟”، خصصت “الأخبار” نصف صفحة لتخبر المواطنين أين يمكنهم السهر لاقتناص بعض الضحكات خلال مشاهدة العروض المسرحية والترفيهية المبهجة، التي نذكر منها عرض فرقة كاريوكا المسرحية، الذي كان يقدم مسرحية “نيام نيام”، التي كانت من بطولة فريد شوقي، وتحية كاريوكا، وتأليف وإخراج فايز حلاوة، وكانت تعرض على مسرح ميامي الصيفي.

في حين كانت تغني شريفة فاضل، بينما ترقص سهير زكي على مسرح كازينو الأريزونا بشارع الهرم، أما مسرح الزمالك فكان يستضيف فرقة الكوميدي المصرية التي تقدم النجم فؤاد المهندس وزوجته شويكار، بجانب محمد عوض وزيزي البدراوي في العرض المسرحي “هالو دوللي”.

تربع فيلم “خللي بالك من زوزو” للنجمة سعاد حسني والفنان حسين فهمي والفنانة تحية كاريوكا، على عرش الأفلام المصرية في ذلك الوقت، ففي شهر سبتمبر لعام 1973م، احتفلت الأفكار باليوبيل الذهبي للفيلم، لبقاؤه في دور العرض لمدة أكثر من 50 أسبوعا، وقد قيل إن هذا الفيلم كان من أكثر الأفلام التي انشغل بها الشعب المصري في هذه الفترة.

تألقت فرقة ثلاثي أضواء المسرح في تقديم مسرحية “جوليو ورومييت” على مسرح نجيب الريحاني، بينما كان يعرض الفنان أمين الهنيدي مسرحيته “سبع ولا ضبع” بالمسرح القومي بكامب شيزار.

بالرغم من أن تاريخ عرض مسرحية “مدرسة المشاغبين” هو 24 أكتوبر لعام 1973م، أي بعد حرب أكتوبر المجيدة بـ18 يوما فقط، إلا أن إعلان عرضها بمسرح كونا بالأزاريطة نشر في عدد جريدة “الأخبار” الصادر بتاريخ 7 سبتمبر لعام 1973م، فهل تم تسجيل موعد عرض المسرحية عن قصد؟.

كانت تنشر جريدة “الأخبار” طوال الشهر بابا بعنوان “أخبار الناس”، ينشر أهم أخبار الفنانين، منها استعداد المطربة عفاف راضي للقيام ببطولة فيلم جديد أمام الفنان محمود يس، الفيلم الذي سيضم 10 أغاني سيقوم بتلحينها مجموعة من أهم ملحني مصر، على رأسهم محمد عبدالوهاب، وبليغ حمدي، وقد قالت “الأخبار” عن الفيلم إنه سيكون أول فيلم استعراضي حقيقي يتم إنتاجه في مصر، وهو الفيلم الذي تأخر إنتاجه بعد ذلك بسبب قيام الحرب، ليعرض أخيرا بشاشة السينما عام 1976م تحت عنوان “مولد يا دنيا”.

• الحياة الرياضية.. الدوري ليس فقط للأهلي والزمالك

نافس الإسماعيلي بطل كينيا في كأس أندية إفريقيا لعام 1973م، وقد تمكنت بعثة الإسماعيلي من تحقيق التعادل مع فريق “وبروريز” الكيني بقيادة كابتن علي أبو جريشة، وعادوا إلى مصر قادمين من نيروبي، آملين في اقتناص 3 نقاط بعد هزيمة الفريق الكيني في مباراته التي ستقام على أرض مصر في 14 سبتمبر لعام 1973م، أي قبل حرب أكتوبر بـ3 أسابيع فقط.

أما في الدوري المصري، فقد لعبت الفرق المصرية الكرة بضراوة، بعد فقدانهم لفرصة اللعب في الدوري منذ النكسة في عام 1967م، فقد هزم الزمالك منتخب السويس، بحسب وصف جريدة “الأخبار”، بينما هزم الإسماعيلي القنال، في حين هزم الأهلي طنطا.

لكن وصفت “الأخبار” مباراة الزمالك والمحلة على أنها “أقوى مباريات الدوري المصري”، وقد كانت تذاكر مباريات الدوري المصري التي كانت تلعب في الـ4:30 عصرا، تتراوح بين 20 و50 و125 قرشا.

ظل الدوري يلعب بحماس، وواصل غزل المحلة تصدر ترتيب أندية الدوري الممتاز متفوقًا على الأهلي والزمالك والإسماعيلي -حامل اللقب آنذاك- حتى جاءت المباراة الحاسمة أمام البلاستيك حينما كان الزمالك يحتاج لنقطة وحيدة، بينما يحتاج المحلاوية للفوز.

وفي المباراة الفاصلة، ازدحمت شوارع القاهرة بالمحلاوية القادمين من الدلتا على متن القطارات لمؤازرة غزل المحلة في مباراة تحقيق المعجزة، وتحركوا سيرًا على الأقدام من محطة رمسيس وحتى ملعب مباراة البلاستيك، في ملحمة لم تشهدها كرة القدم المصرية من قبل سوى خلال فوز الإسماعيلي ببطولة إفريقيا أمام الإنجلبير في 1967.

حقق غزل المحلة الفوز المنتظر، وأغلقت جماهير المحلة شوارع المحروسة احتفالاً بالإنجاز التاريخي، الذي رسم البسمة على وجوههم رغم قسوة سنوات الانكسار تحضيرًا للحرب المجيدة.

احتل غزل المحلة صدارة دوري 1972/73 بنهايته برصيد 33 نقطة، وبفارق نقطة وحيدة عن الزمالك الوصيف، بعدما قدم لاعبو قلعة الفلاحين موسمًا للتاريخ تغنت به الصحافة المصرية، وكان العنوان الأبرز “الفلاحين غلبوا البندر”.

دخل غزل المحلة الموسم التالي 1973/74 بمعنويات مرتفعة باعتباره بطل الدوري، وحاول الجيل الذهبي الحفاظ على لقبه وانطلق الموسم وتحددت الساعة 2:30 ظهر يوم 6 أكتوبر عام 1973 لمباراة غزل المحلة والطيران على ملعب الفلاحين، وانطلقت المباراة في موعدها ببداية ساخنة.

تقدم الطيران بهدف، وتعادل عمر عبدالله لغزل المحلة بعد 5 دقائق فقط، وقبل أن تنتهي المباراة فوجئ الجميع بهتافات “الله أكبر” تتعالى من المدرجات بعد أن أعلنت القوات المسلحة المصرية بيانها الأول بعبور القناة وبدء الحرب المجيدة.

أنهى الحكم اللقاء فور إذاعة بيان القوات المسلحة، ورقص لاعبو غزل المحلة فرحًا بأنباء العبور والنصر المنتظر، واحتفلوا مع الجماهير على أرض قلعة الفلاحين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *