أسرتها ضربتها وطردتها ولم تحضر جنازتها..حكايات تضحيات زهرة الصبار سناء جميل
يمر اليوم 19 عاما على رحيل نفيسة الفن الفنانة الكبيرة سناء جميل التي رحلت عن عالمنا في مثل هذا اليوم الموافق 22 ديسمبر من عام 2002 بعد رحلة عطاء فنى منحت خلالها الفن من عمرها وموهبتها ما جعلها تخلد اسمها في سجلات المبدعين وتبقى في وجدان الملايين إلى الأبد.
سناء جميل عبقرية الأداء والموهبة الجميلة التي قدمت أعظم وأهم الأعمال السينمائية والمسرحية والدرامية، وأعطت الفن من دمها وروحها وتضحياتها أكثر مما أعطاه غيرها وعانت من أجله أشد المعاناة.
سناء جميل التى أبدعت حين جسدت دور نفيسة الفتاة متوسطة الجمال فى فيلم “بداية ونهاية” و”حفيظة” الزوجة المتسلطة فى فيلم الزوجة الثانية –وهما من أهم 100 فيلم فى تاريخ السينما المصرية، وكان لسناء جميل أكثر من فيلم ضمن هذه القائمة.
سناء جميل المبدعة التى جسدت أدوار السيدة الأرستقراطية وفى نفس الوقت أبهرت الجميع عندما جسدت شخصية فضة المعداوى فى مسلسل “الراية البيضاء” حتى تفوقت على الشخصية التى كتبها أسامة أنور عكاشة الذى قال عنها «ما منحته سناء للشخصية من حياة وروح فاق كل توقعاتى وتصوراتى وأنا أنسج خيوطها على الورق، فهى أضفت عليها تألقها الخاص»
عاشت سناء جميل حياة مليئة بالصعاب والأشواك ، وقالت عن معاناتها: “حياتى الصعبة المليئة بالأشواك وصبرى الطويل وقدرتى على تحمل كل هذه الظروف الشاقة تجعلنى مثيلة لزهرة الصبار فى الصبر والتحمل، ومواجهة الشدائد والمصاعب”.
هى ثريا يوسف عطا الله التى ولدت فى 27 إبريل عام 1930 بمركز ملوى فى المنيا لأسرة قبطية مسيحية، وانتقلت إلى القاهرة قبل الحرب العالمية الثانية لتلتحق بمدرسة المير دى دييه الفرنسية الداخلية وعمرها 9 سنوات وظلت بها حتى المرحلة الثانوية، عشقت الفن وأرادت الالتحاق بالمعهد العالى للفنون المسرحية، فرفضت أسرتها، وحسب الفيلم التسجيلى«حكاية سناء»الذى أنتجه زوجها لويس جريس وفاء لها، صفعها شقيقها صفعة أدت إلى فقدانها السمع بإحدى أذنيها، وطردتها أسرتها بعد تمسكها برغبتها.
وفى مقابلة معها حكت سناء عن المعاناة التى عاشتها باكية، واشارت إلى أنها لجأت للمخرج زكى طليمات فساعدها على الإقامة فى بيت طالبات وضمها لفرقة “المسرح الحديث “، وأطلق عليها اسمها الفنى سناء جميل، وعملت ابنة الأسرة الارستقراطية وخريجة المدارس الفرنسية من عائد عملها بالتفصيل حتى تستطيع الانفاق على نفسها وكانت تنام على البلاط أحيانا.
شاركت سناء جميل فى عدد من الأدوار السينمائية والمسرحية حتى تألقت فى فيلم بداية ونهاية وأشاد بها النقاد والجمهور وتوالت إبداعاتها الفنية فى العديد من الأعمال “الزوجة الثانية، الرسالة، الحجاج بن يوسف، المستحيل، ساكن قصادى، خالتى صفية الدير، اضحك الصورة تطلع حلوة” وغيرها.
بدأت السعادة تعرف طريقها إلى زهرة الصبار عندما تعرفت على رفيق عمرها لويس جريس عام 1960، فى حفل توديع صحفية سودانية أنهت تدريبها فى روزاليوسف، وظلت تخطئ فى اسمه طوال الحفل وتناديه “يوسف”، وتعلق بها لويس لكنه ظن أن زواجهما مستحيلا حيث اعتقد أنها مسلمة لكثرة قولها “والنبى”، حتى أنه فكر فى إشهار إسلامه للزواج منها، وبعدها اكتشف أنها مسيحية فعرض عليها الزواج وتزوجا بدبلتين لا يتجاوز سعرهما 10 جنيهات، وحكى جريس عن يوم زواجهما فى أحد البرامج، مشيرا إلى أن القس رفض إتمام الزواج دون وجود معازيم وشهود، فتوجه إلى جريدة (روز اليوسف)، التى كان يعمل بها، واستأجر 7 عربات جمع فيها 35 شخصًا من زملائه ليحل الأزمة، وقضيا شهر العسل فى التنقل بين عدة محافظات لارتباط سناء بعدد من العروض المسرحية.
كانت سناء ولويس نموذجا لقصص الحب الرومانسية والارتباط الذى يتفانى كل طرف فيه فى كيان الأخر، فكانت سناء تحلف باسمه دائما قائلة “وحياة لويس”، واستجاب الزوج العاشق لرغبتها فى عدم الانجاب والتفرغ للفن، وكان كل منهما محور حياة الأخر، ومتكأه الذى يستند عليه، حتى أن لويس جريس لم يستخدم العصا ليستند عليها ماشيا إلا بعد وفاة سناء، التى أصيبت بسرطان الرئة وظلت تعانى لمدة 3 أشهر وكانت وفاتها أكبر صدمة فى حياة رفيقها المحب العاشق الوفى، الذى أراد أن يحقق رغبتها فى أن تلتقى بأحد أقاربها ولو بعد وفاتها فانتظر ثلاثة أيام قبل دفنها على أمل أن يظهر أحد أفراد أسرتها وانتظر لويس جريس 3 أيام ولكن لم يظهر أحد من عائلة سناء، فدفن حبيبته ورفيقة عمره فى 22 ديسمبر 2002، وظل يعيش معها وعلى ذكراها وينتظر لقائها لأكثر من 15 عاما، حتى لحق بها فى 26 مارس 2018 .