الدكتور عادل اليماني ، يكتب : {وَبَرًّا بِوَالِدَتِي} …
كلُ شئٍ في هذا الوجود يُمكنُ تعويضُه إلا الأم ، قال أحدُهم ، ذهبتُ لتقديمِ أحد المؤتمرات ، وقبلَ الصعودِ إلي المسرحِ مباشرةً ، انسكبَ الشايُ الساخنُ علي ملابسي ، فقالوا جميعاً : وماذا فعلتَ ؟ وقالت الأمُ : هل أصابَك سوءٌ !!!
عن الأم ، قال المُعلمُ الأولُ
(صلي اللهُ عليه وسلم ) : فَالْزَمْهَا فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا ..
حقاً وصدقاً :
الأُمُّ مَـدْرَسَــةٌ إِذَا أَعْـدَدْتَـهَـا …..
أَعْـدَدْتَ شَعْبـاً طَيِّـبَ الأَعْـرَاقِ
الأُمُّ رَوْضٌ إِنْ تَـعَهَّـدَهُ الحَـيَــا….
بِـالـرِّيِّ أَوْرَقَ أَيَّـمَـا إِيْــرَاقِ
أمي هي أعظمُ كتابٍ قرأتُه.
يُطلقُ عليكِ الجميعُ ( امرأة ) وأنا وَحدي أُطلِقُ عليكِ ( كل شئ ) ..
فارغةٌ هذه الحياةُ ، حين تمر دون أمي ..
الأم ، تعجزُ الكلماتُ عن ذكرِ فضائلِها ، ومهما أوتي المرءُ من فصاحةٍ في اللسان ، أو رجاحةٍ في العقل ، ما استطاعَ أن يوفيَها قدرَها . القادرُ علي ذلك ، وحدَه ، دونَ غيره ، هو الله ، جلتْ قدرتُه ..
ويُروي أن رجلاً كان ( بالطواف ) حاملاً أمَه , فسأل النبي صلى الله عليه وسلم : هل أديتُ حقَها ؟ قال : « لا , ولا بزفرة واحدة » ! أي من زفرات الطلق والوضع ..
ولقد رأينا أماً مؤمنةً كالخنساء , في معركةِ القادسية ، تُحرضُ بنيها الأربعةَ , وتوصيهم بالإقدام والثبات ، في كلماتٍ بليغةٍ رائعة , وما أن انتهت المعركةُ ، حتى نُعوا إليها جميعاً , فما سَخِطت ولا صاحت , بل قالت في رضاً ويقين : الحمدُ لله الذي شرفني بقتلِهم في سبيله !!
حكي التاريخُ كثيراً ، عن أمثلةٍ رائعة لأمهاتٍ عظيمات ، فأم موسى تستجيبُ إلى وحي الله وإلهامِه , وتُلقى ولدَها ، فلذةَ كبدِها في اليم , مطمئنةً إلى وعدِ ربِها ، وأم مريم ، التي نذرت ما في بطنِها محرراً لله , خالصاً من كل شركٍ أو عبودية لغيره , داعيةً اللهَ أن يتقبلَ منها نذرَها ..
كما حكي التاريخُ أيضاً ، عن عظيمِ تربية الأمهات ، حتي في حالِ عدمِ وجود الأب : فالبخاري ربته أمه ،
أحمد بن حنبل ربته أمه ،
الشافعي ربته أمه ، وابن تيمية كانت أمُّه تُسمَّى تيمية ، وكانت واعظةً، فنُسِب إليها، وعُرِف بها .
الأمُ والعطاءُ وجهان لعملةٍ واحد ، عطاء بلا حدود ، عطاء بلا مِنة ..
{ دعوة عشاء لشخصين } هذا عُنوان القصة..
امرأةٌ جلستْ مع زوجِها ، ذاتَ يومٍ وقالت له: ألا تحبُ أن تخرجَ للعشاء ، مع امرأةٍ غيري؟!!
فقال لها: كيف؟!
قالت: من فتره طويلة ، مارأيتُك خرجتَ معها .
فقال : ومن هي؟
فقالت : أمُك ، التي لم تخرج معها منذ 21 عاماً!!
وهنا تذكر الرجلُ أمَه ، وهاتفها ، ( وعزمها ) على العشاء في اليوم التالي .
فقالت له : يا ولدي ، هل أصابك مكروه؟!
الابن: لا..
الأم : هل أصاب أولادَك مكروه؟!
الابن: لا..
الأم : هل أصاب زوجتَك مكروه؟!
الابن : لا..
وظلت الأم تُكرر عليه: أنا سأخرجُ معك للعشاء ! غير مصدقة.
وجاءَ الابنُ ، ووجد أمَه تنتظرُه ، عندَ بابِ البيت ، لشدةِ فرحِها بقدومِ ولدِها ، وكانت الأمُ في كاملِ زينتها، وقالت لولدها : يا ولدي ما تركتُ أحداً من جيراني ، إلا وأخبرتُهم ( بالعزومة ) من شدةِ فرحي بها.
وفوجئ الابنُ أن أمَه ترتدي ثوباً اشتراه الابنُ لها ، منذُ خمسِ سنوات ، وكان آخرَ شئ اشتراه لها ، فدخلا المطعم ، وأخذت الأمُ لائحةَ الطعام ، ولم تنظرْ إليها ، كانت تُطالعُ ولدَها ، فنظرَ الابنُ للأم ، ففهِمَ من نظرةِ أمِه ، أن نظرَها أصبحَ ضعيفاً.
فقالَ لأمِه : أقرأُ لكِ لائحةَ الطعام؟
الأم تنظرُ إليه ، وهي مبتسمة : نعم يا ولدي .
وقالت : وأنت صغير ، يا بُني ، كنتُ أختارُ لك الطعام ، واليوم أنت تردُ لي الدَين !! واختارتْ أبسطَ الأنواعِ ، وأرخصَها !!
وفعلاً كانا سعيدين ، وأحسَ الابنُ أنه كانَ غافلاً عن أمِه طوالَ تلك السنوات ، فقال لها : ما رأيُك يا أمي في يومٍ ثانٍ ؟
الأم: لا مانع لدي ، بس بشرط ، المرة الثانية ، تكون ( العزومة ) على حسابي أنا !!
وراحت الأم ، وهي تنتظرُ اللقاءَ الثاني ؛ شوقاً لولدها ، لكنها مرضت قبل هذا اللقاء ، شهوراً طويلة ، والابنُ ينتظرُ ، حتى تشفى أمه ؛ ليأخذَها كما وعدها، ولكنَّ الموتَ غيبَ الأمَ ، قبلَ اللقاءِ الثاني !!
وكانت المفاجأةُ بعدَها ، أن المطعمَ نفسَه ، يتصلُ به ، ويخبرُه ، أنه (معزوم ) وزوجته على العشاء والفاتورة مدفوعة ، فذهبا ووجدا أن ( الأم ) تركت رسالةً مع دفع الفاتورة تقولُ فيها : كنتُ أعلمُ أنني لن أتمكنَ، مرةً أُخري ، فقررتُ أن تكونَ ( العزومة ) لكَ ولزوجتِك !!
بروا أمهاتِكم تسعدوا ،
بروا أمهاتهم ، قبلَ أن يقتلَكم الندم ..
رحِمَ اللهُ رُوحاً طيبةً فارقت ..
وحفِظَ اللهُ كلَ أُمٍ ، من كلِ سوء ..