شارع يحمل اسمه.. ابن طفيل صاحب إسهامات فى مجال الطب والفلك وقدم ابن رشد
انطلاقًا من دور الجهاز القومى للتنسيق الحضارى فى العمل على إحياء الذاكرة القومية والتاريخية للمجتمع المصرى، انطلقت فكرة مشروع “حكاية شارع”، الذى يهدف إلى التعريف بالشخصيات المهمة التى أطلقت أسماؤها على بعض الشوارع، وذلك من خلال وضع لافتات باسم وتاريخ الأعلام الذين أطلقت أسماؤهم على الشوارع، والذين يشكلون قيمة تاريخية وقومية ومجتمعية لمختلف فئات الشعب المصرى، ولهذا نستعرض يوميًا شخصية من الشخصيات التى لهم شوارع تحمل أسماءهم، حسب ما جاء فى حكاية شارع للتنسيق الحضارى، واليوم نستعرض شخصية “ابن طفيل” والذى لها شارع يحمل اسمه فى الإسكندرية.
ابن طفيل فيلسوف، ومفكر، وقاض، وفلكى، وطبيب، وشاعر عربى أندلسي، اشتهر بكتابه “حى بن يقظان”، الذى حاول فيه التوفيق الفلسفى بين المعرفة العقلية والمعرفة الدينية، وله إسهامات كثيرة فى الفلك والطب والشعر.
مولده ونشأته
هو “أبو بكر محمد بن عبد الملك بن محمد بن طفيل القيسى الأندلسى”، ولد فى مدينة “وادى آش” بالقرب من مدينة “غرناطة” بالأندلس، فى عام 1100م، على وجه التقريب.
درس الفلسفة والطب على يد أعظم فلاسفة الأندلس وأطبائها، وكان صديقًا “لابن رشد”، ويعتبر عالمًا من العلماء اللواحق فى عصر الحضارة الإسلامية، وكانت له معرفة جيدة وشاملة بمختلف العلوم، خاصة فى الطب، والفلسفة، والفلك.
مناصبه
لقد شغل ابن طفيل عدة مناصب، فعمل فى البداية كاتبًا فى ديوان والى غرناطة، ثم فى ديوان الأمير “أبى سعيد بن عبد المؤمن” حاكم طنجة، ثم أصبح وزيرًا وطبيبًا للسلطان الموحدى “أبى يعقوب يوسف بن المأمون”، الذى تولى الخلافة بعد وفاة أبيه عام 558هـ، ذلك الخليفة الموحدى الذى كان يجمع بين المعرفة بعلوم الدين والاهتمام بالفلسفة وعلومها.
وكان يحيط نفسه بحاشية من العلماء والفقهاء والفلاسفة، وكان يهتم بجمع الكتب بمختلف أنواعها، ولأنه كان يجمع كتب الفلسفة لبحثها ودراستها، فقد طلب من ابن طفيل أن يعمل على تلخيص كتب أرسطو، ولكن ابن طفيل، لسبب أو لآخر، انتدب صديقه فيلسوف قرطبة، ابن رشد، لهذه المهمة.
ويقال إن ابن طفيل كان له تأثير كبير على الخليفة، وقد استغل ذلك فى جلب العلماء إلى البلاط، ونذكر منهم بصفة خاصة الفيلسوف والطبيب ابن رشد الذى قدمه ابن طفيل عندما تقدم به السن إلى السلطان ليقوم بشرح كتب أرسطو وليخلفه فى عمله كطبيب، وقد ظل ابن طفيل فى بلاط السلطان حتى وفاته.
وفاته
توفى ابن طفيل بمراكش فى عام 581هـ/1185م، وقد مشى السلطان فى جنازته، وهذا يدل على مدى الحظوة التى كان يتمتع بها ابن طفيل لديه.
بعض إسهاماته العلمية
فى مجال الطب:
يذكر بعض المؤرخين أن ابن طفيل ألف فى الطب كتابًا من مجلدين، كما ذُكر أنه كان بين ابن الطفيل وابن رشد مراجعات ومباحث فى “رسم الدواء” جمعها ابن رشد فى كتابه “الكليات”، كما كانت لابن طفيل أرجوزة فى الطب تتألف من 7700 بيت.
فى الفلك
يقال إن ابن طفيل كانت له آراء مبتكرة فى الفلك ونظريات فى تركيب الأجرام السماوية وحركاتها، ويقول الباحث الفرنسى “ليون جوتيه” فى كتابه عن ابن طفيل: “على الرغم من عدم وجود أى شيء مكتوب عن الفلك، باستثناء بعض الفقرات القصيرة فى كتاب حى ابن يقظان، فإننا نعرف أن ابن طفيل لم يكن راضيًا عن النظام الفلكى الذى وضعه “بطليموس”، وأنه فكر فى نظام جديد”.
واستشهد الكاتب على ذلك بما كتبه كل من ابن رشد و”البطروجي”، فابن رشد فى شرحه الأوسط لِـ “الآثار العلوية” لأرسطو، انتقد بدوره فرضيات بطليموس عن تكوين الأفلاك وحركاتها، وقال إن ابن طفيل يتوفر فى هذا المجال على نظريات رائعة يمكن الاستفادة منها كثيرًا، كما أن البطروجى فى مقدمة كتابه الشهير عن الفلك، ذكر أن ابن طفيل أوجد نظامًا فلكيًا ومبادئ لحركاته، غير تلك المبادئ التى وضعها بطليموس.
وتساءل ليون عن احتمال أن تكون فرضيات ابن طفيل تشتمل على بعض العناصر الأساس من الإصلاح الفلكى العظيم الذى جاء به “كوبرنيك” و”جاليلي” بعد أربعة قرون.
مؤلفاته
“مراجعات ومباحث” التى جرت بين “ابن طفيل” وابن رشد فى “رسم الدواء”، جمعها ابن رشد فى كتابه “الكليات”، و”أرجوزة فى الطب”، و”رسالة فى النفس” فى الفلسفة، وحى بن يقظان”، وهى قصة فلسفية عرض فيها أفكاره الفلسفية عرضًا قصصيًا، محاولاً التوفيق فيها بين الدين والفلسفة، وقد عرفت هذه القصة فى الغرب منذ القرن السابع عشر، وترجمت إلى عدة لغات، منها اللاتينية، والعبرية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والهولندية.
وكما يبدو فى هذه القصة الفلسفية، التى سبق ظهورها عصر النهضة فى أوروبا، وعصور كوبرنيق وجاليليو ونيوتن وأينشتاين، وغيرهم من أقطاب الفلك الحديث، يتضح مسعى ابن طفيل فى إظهار الدلائل الإيمانية والتأملية معاً فى منظومة الخلق والكون.