تغيير الخطاب الروحي
بقلم المهندسه / رشا سالم
أعتدنا دائما في الآونة الأخيرة أن نقرأ ونسمع مصطلح تجديد الخطاب الديني وهذه الجملة تثير الذعر لدي الكثيرين لأنها قد تمس ثوابت دينية وهي كتاب الله القرآن الكريم وسنة الحبيب المصطفي صل الله عليه وسلم ؛ وتباينت الآراء ما بين جاهلين يتداولون الكلمات بجهل تام دون دراية أو علم صحيح وبين علماء الأزهر المتخصصين والأجدر بذلك لأنهم ذو علم وفير ؛ وتختفي الجملة وتظهر ولكن الذي نحتاجه حقيقة هو تجديد الخطاب الروحي وتنقية الروح لأهمية ذلك للروح الانسانية والبشرية في هذا العصر الذي نعيشه ؛ وقد غلبتنا أهواءنا ورغباتنا الدنيوية فهزمت النفس الروح التي خلقها الله لنا فاصبحنا بشر لنعمر أرض الله ؛ وقد جاء في كتاب الله القرآن الكريم بسورة الشمس وهي مكونة من عشر آيات وهي سورة مكية ؛والموضوع الذي تدور عليه في مجملها هو ما يتصل بالنفس من جهة تزكيتها وتدسيتها وقد جاء في الآية السابعة وحتي نهاية السورة بسم الله الرحمن الرحيم 《 وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا》
هي آيات شاملة وموجزة لحقيقتنا الأنسانية أن النفس البشرية تحمل الفجور وكذلك التقوي وما أسعد وأفلح من زكاها وعظم التقوي وأدخل عليها السرور ؛ وما أخيب وأشقي من دساها وعظم الفجور ؛ كل ما نراه من شرور وفساد في الارض هي من إختيارنا نحن البشر في تعظيم الفجور لدي النفس لتقودها إلي الهاوية.
ولعل بزوغ فجر دراما جديدة ثبت هذا الحلم والمفهوم وهو يجب إعادة النظر في تجديد الخطاب الروحي للنفس البشرية وأقصد هنا بحديثي هو الملحمة الدرامية بالغة التعقيد والعذوبة ” جزيرة غمام ” للكاتب البناء عبد الرحيم كمال ولم أخطئ بوصفي أنه كاتب بناء لأنه دائما بكتاباته الدرامية يبني داخل النفوس قيم ومبادئ ومعاني ومفاهيم بناءة تسمو بانفسنا لنجني الفلاح ؛ وفي هذا العمل والذي أعتمد علي الرمزية في الكثير من أحداثه وحواراته والتي جاءت علي ألسنة شخصياته ؛ فهو يجسد للأذهان صورة المدينة الفاضلة أو اليوتوبيا التي راودت وداعبت مخيلة الملايين من البشر والحلم بالعيش علي ارضها ؛ فهي جزيرة عاشت منذ مائة مضت ؛ يعتمد قاطنيها علي مهنة الصيد والتي هي من المهن التي تزكي النفس والروح ؛ فالصياد يملأ الأيمان قلبه
بأختلاف دينه وعقيدته وصلته بربه؛ أنه يؤمن بقدره ويجله وينصاع دائما برضا نفس عذبة لقضاء الله سواء في رزقه من طرح البحر الوفير او حتي مع طرحه القليل ؛ لنري من أول وهلة نقاء في النفوس وعذوبة؛ نتمني معها لو كنا عشنا في زمنهم وعلي جزيرتهم لتكشف التفاصيل أن هذا النقاء وراؤه شخصيات مستترة لا تفضح سرائرها سوي هبوب غمامة الشر لتكشف معادن البشر المستترة؛ وبدون الدخول في تفاصيل وأحداث الرواية ؛ولكن أضاءت بمصابيح فكر المؤلف الأذهان لتشحن الفكر بعدة مفاهيم طرحها من خلال الأحداث بالرواية ؛وهو أن إختيار العدل الألهي وليس العدل التنظيمي من خلال القانون الدنيوي من قتل يقتل لهو أعدل وأبطش ويبرد قلوب المظلومين؛ لأن من يلجأ للعدل الألهي الله يراضيه بحكمه ويأخذ بالظالم أخذ عزيز مقتدر ؛
كذلك طرحه لمفهوم الرضا بقضاء الله في نصيحة هي كالدر المكنون في أصدافه في جملة سيقت علي لسان أحد شخصيات الرواية قائلا :” أرضي بحالك وحب نفسك وأغفل عن أذية الناس” كلمات موجزة لملايين المحاضرات للتنمية البشرية ولكن هي لب الأزمة الأنسانية التي نعيشها جميعنا الآن وهي عدم الرضا الحقيقي من قلب موقن بالرضا بقضاء الله يقينا وليس باللسان ؛ وحب النفس لأن لا تطلب أن يحبك الآخرون ما دمت لم تحب نفسك فهي الأولي بالحب والتقدير وأخيرا أن نغفل عن أذية الناس سواء كنا فاعلين أو مفعول بنا أعتقد بتلك المفاهيم لو طبقناها جميعا لكانت حياتنا أسعد وأفضل وأنقي.
تحية للكاتب البناء الذي أتمني له بركة العمر ليمتعنا ويبني بداخلنا كل ما هو خلوق وطيب ويزكي النفس ويهذبها ويشبع الروح وتحية للصناع من أصغرهم لأكبرهم لجهودهم المضنية من أجل بناء نفوس الشعب ودق ناقوس للتذكرة بضرورة تجديد الخطاب الروحي لأنفسنا وبأنفسنا .