أول قاضية عرفية في الصعيد: أسعى لوقف «سلسال الدم»
حلمت وعلمت أنها ستكون فتاة استثنائية من الصعيد حيث نشأت، ظلت خلف مسعاها حتى تحقق، وأصبح اسمها مدوياً فى كل محافظات الصعيد، أضحت صفاء عسران أول امرأة تشارك فى حل الخصومة الثأرية، وأسست مبادرة «درع التسامح»، رافعة شعار «صعيد بلا ثأر»، وبدلاً من تقديم الكفن الذى تعتبره العائلات إهانة، أصبح حمل «درع التسامح» بمثابة شرف، خاصة مع دعم الدولة بأكثر من مؤسسة لأول قاضية عرفية من الصعيد، والتى روت فى حوار لـ«الوطن» تفاصيل تنشر لأول مرة، عن تغيير نظرة الصعيد للمرأة فى هذا المجال، وقصصاً شاركت فى حلها كانت «سلسال دم»، انتهت بـ«درع التسامح».
أين نشأت صفاء عسران؟ ولماذا اختارت القضايا الثأرية؟
– أنا بنت محافظة قنا، لم أختر القضايا الثأرية دون تجربة، بل حضرت جلسة عرفية عام 2013 فى دشنا، فكانت البداية وبعدها قررت أن أهتم بهذا المجال، ثم بدأ تدخلى فى القصص قبل أن تصل للدم، وحالياً أى خصومة ثأرية أتدخل فيها وليس فى قنا فحسب ولكن فى كل محافظات مصر، معظم القضاة العرفيين الرجال يعرفوننى، ورغم أنه جرت العادة بحل المشكلات داخل النطاق الذى نعيش فيه، أنا خرجت لكل محافظات مصر.
ما الانتقادات التى تعرضت لها كونك امرأة؟ وكيف تعاملت معها؟
– فى البداية كانت الانتقادات عبارة عن نظرات فقط، استغراب واستهجان من قبل الرجال داخل الجلسات العرفية، «إزاى بنت وسط 10 آلاف راجل ومن الصعيد وقاعدة كده؟»، أنا رد فعلى لا أنظر أصلاً للتعليقات السلبية، أنا بنت بـ100 رجل، لأنى من وجهة نظرى أقوم بشىء صحيح ولا فتاة قبلى استطاعت القيام به، والآن أغلب الناس سعيدة بالمبادرة لأن كل عائلة فى الصعيد فيها ثأر، والمبادرة طوق نجاة لكل عائلات الصعيد، وعند نجاحها توقفت الانتقادات.
هل كان التعليم فى نفس صعوبة الدخول لمجال الخصومة الثأرية؟
– فى قريتى بقنا لا تدخل البنات المرحلة الثانوية، فكان صعباً للغاية، ولكنى كنت مؤمنة بنفسى، فقررت أن أسجل فى الثانوى العام دون علم أهلى، وبالفعل تمكنت من استكمال تعليمى ودرست الإعلام وانتهيت من تمهيدى ماجستير، وغيرت كالعادة نظرة أهل بيتى وقريتى والمركز كله لتعليم الفتيات، وبعدما كان التعليم ممنوعاً على البنات، أصبح هناك سعى من قبل الأسر لتعليم بناتهم، الجميع يحتفى بى وأشعر بانتصار.
صفاء عسران مؤسسة «درع التسامح» : المبادرة غيرت فكرة سكان وجه قبلى عن المرأة
ماذا يحدث فى جلسات الصلح خلال الخصومة الثأرية؟
– الصلح الذى نقوم به هو وقف سلسال الدم، بحماية أسرة القاتل وتوعية أسرة المقتول، مشكلة الصعيد أنه لو شخص قتل آخر، الثأر يؤخذ من شقيقه أو ابن عمه وليس هو، وبالتالى يقتل ظلماً، ونحن نذهب للشقيق أو ابن العم وهو من يجب أن يقدم الكفن، ولكن معظم الأسر تعتبره إهانة، لذا استبدلته فى المبادرة التى أسستها بـ«درع التسامح»، وحث الأسر على تقديمه وتقبله لأنه مقدم من الدولة وتحت رعايتها وإشرافها.
ماذا أضافت صفاء كونها امرأة لجلسات الصلح؟
– استطعت تغيير نظرة الناس والمجتمع للمرأة، خاصة فى الصعيد، المجتمع هنا يحدد مجالات معينة للإناث، مثل أن تكون مدرسة أو دكتورة فقط، ولكن أنا أول قاضية عرفية فى جلسات الصلح الخاصة بالخصومة الثأرية، وهو مجال صعب وخارج السياق وللرجال فقط، كما غيرت نظرة المجتمع خاصة فى الصعيد عن الكفن، الناس كانت تعتبر الكفن مهانة، ولكنه عندما يتوج بدرع التسامح وبتشجيع من الدولة الناس تقبلته، والآن يوجد دعم كبير لى من كل رجال المصالحات والدفع بى كونى مدعومة من الدولة بمبادرتى «درع التسامح».
هل توقعت هذا النجاح وسط الرجال؟
– لم أقلق فى بداية مشاركتى فى تلك المصالحات، ولكن النجاح وسط الرجال صعب للغاية، ولكنه توفيق من الله، خاصة أننى أذهب لجلسات الصلح بمفردى دون أحد، فقط شقيقتى الصغرى تأتى معى الحفلات التى تقام بعد الخصومة الثأرية ولكنها لا تأتى جلسات الصلح نهائياً، وغالباً ما أكون الفتاة الوحيدة فى الجلسة.
ما أصعب قصة مرت عليك؟
– كانت فى محافظة الأقصر لرجل يبلغ من العمر 90 عاماً، بحضوره جلسة الصلح ظل يبكى على نجله المتوفى فى خصومة ثأرية، أصررت على تكريمه بمساعدة مفتى الديار المصرية الأسبق على جمعة، وبالفعل ذهبت له وبشرته بعمل عمرة بكى فرحاً لأنه كان لا يستطيع التحدث، ولكنه توفى بعد 10 أيام بمجرد أن انتهت إجراءات سفره، وبلغت نجله برحلة العمرة وسيذهب هو بدلاً من أبيه.
بماذا تحلمين فى هذا المجال؟
– أحلم بأن أوصل المبادرة وصوتى للرئيس عبدالفتاح السيسى، هى بالفعل برعاية أربع وزارات، وحاولت بالفعل أن أصل بها إلى أعلى مرتبة فى الدولة منذ سنتين ولكن الإغلاق لظروف «كورونا» حال دون إتمام هذا الحلم.
قصة حدثت بالمنيا
خصومة ثأرية حدثت فى المنيا، ظلت مستمرة لـ5 سنوات خلفت 3 أسر مشردة، سيدات ترملن وأطفال تيتمت، وشباب كثيرة هاربة، أكثر من سنة أحاول حلها، وتم فض الخصومة، وقصة أخرى تدخلت فيها بـ«درع التسامح» بديل «الكفن»، تعتبر أكبر خصومة ثأرية فى تاريخ مصر كانت فى قرية مقتول فيها ما يقارب من 20 شاباً فى الصعيد، القرية كانت عبارة عن مقبرة، ونسقت مع وزير الشباب والرياضة لإعطائهم الدرع، بمشاركة مفتى الديار المصرية الأسبق دكتور على جمعة ووزير التنمية المحلية، ووزارة التضامن الاجتماعى كرمت المتصالحين تحت حماية مشددة من رجال الأمن.