أخبار مصر

أنس سعد يكتب: علمني «أبي» دون قصد


<!–

–>
<!–

–>

منه اتخذت مثلاً أعلى لي، هو إنسان لم يعش لذاته لأكثر من 40 عامًا، ولد أبي ليجد نفسه الأخ الكبير، الملزم بالتضحية، جدي تقدم به العمر، وهو ترك المدرسة في نهاية المرحلة الإعدادية، رغبة في العمل لقضاء احتياجات باقي أفراد الأسرة.

كبرت سنة تلو الأخرى، وأنا أنظر لما يفعله أبي، دائمًا مختلفًا عن باقي الآباء، رغم أنني أول مولود له، لكني لم أكن الابن الأكبر، فلدي أعمامي هم إخوتي الكبار، كان عمري 10 سنوات حين سألته مازحًا: «أنت ليه مش عايش علشاني أنا وإخواتي بس؟»، وكان رد فعله عنيفًا، نافرًا مما قلت، وها أنا قد تفهمت الدرس.

علمني أبي «التضحية» عن دون قصد، واقتعنت بها أشد الاقتناع، وطبقتها على حياتي، ولكن من أجل أحبائي فقط، مع الوقت علمت أن أصل الشرور هو «حب النفس»، قبل معرفتي أن تلك الجملة هي قول قديم للزعيم الهندي «غاندي»، ولكن البشر ليس فيهم «غاندي»، هم يعتقدون أن طبيعة الحياة في الصراعات بينهم، وأن المال يحقق السعادة الكافية، ونسوا أن هناك في الحياة أشياء أخرى مهمة، هي التي عاش أبي لأجلها، وورثتها عنه.

لا يوجد إنسان في الحياة يعيش دون ركن هادئ، يلجأ إليه في وقت الشدة، مأوى أبي كان «نحن»، ضحكته حين يجلس معنا، مداعبته لأخي الصغير، هي أشياء تحتاج للشعور بها، نفس راضية.البعض يثني علي باعتباري «طموح»، يروا دومًا رغبتي في التقدم، أفعل أشياءً يعتبرونها أكبر مني، لكني فقط أفعل مثل أبي، أريد أن يراني كبيرًا، هو يفعل ذلك، ويعطيني الثقة للسعي، علمني أن الأموال مهمة لسير الحياة، ولكنها ليست الحياة، علمني أن أهدافي يجب أن تتناسب مع القريبين لي، وأنهم أهم من جميع الطموحات.

المؤلم أنه لم يقتنع أحدًا سوى أنا وأبي وقليلون، كثيرون يرون أن طبيعية الحياة في المنافسة والصراعات، كثيرون أصروا على إرهاق النفس، والسعي وراء أشياء تجملها الحياة، جوهرها مرهق، ومتعتها لحظية، والخير فيها ليس مضمونًا، وأنا أرى أن هذه وجهة نظر خاطئة، وأنا وأبي وهؤلاء «القليلون» على صواب.

<!–

–>
<!–

–>

أنس سعد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *