بطل «معركة أبو عطوة»: طلعنا لـ شارون وجنوده من تحت الأرض.. ورصدنا أماكن انتشارهم بدقة في الثغرة
«أوقفنا شارون عن احتلال الإسماعيلية على بعد 5 دقائق فقط»، هكذا تحدث البطل علمى كامل، أحد أبطال قوات الصاعقة المصرية خلال حرب أكتوبر المجيدة، موضحاً أن رجال آرائيل شارون، القائد العسكرى الإسرائيلى فى هذا الوقت، هاجموا أماكن تمركز رجال الصاعقة المصرية بواسطة «الهاونات»، وبواسطة رشاشات النصف بوصة، وبواسطة الطيران عبر «قنابل 1000 رطل»، و«قنابل بلى»، حتى ظن أنهم استُشهدوا بالكامل، ليخرجوا لهم «من تحت الأرض». ويضيف علمى كامل، فى حوار خاص لـ«الوطن»، أن «شارون» هرب إلى منازل المزارعين الطينية من نيران رجال الصاعقة المصرية، وأنهم دمروا 3 دبابات كانت بها كمية ذخيرة كبيرة، ليهرب «شارون» وجنوده فى اتجاه مدينة السويس. وإلى نص الحوار:
بداية.. كيف التحقت بقوات الصاعقة؟
– خلال السنة النهائية من الدراسة فى الكلية الحربية، حصلت على «فرقة الصاعقة»، وتم اختيارى للخدمة فى تلك القوات، التى تُعتبر نخبة رجال الجيش المصرى، وذلك بعد المرور بتدريبات شديدة وعنيفة للغاية فى مدرسة الصاعقة، ليتعلم كل فرد من رجال الصاعقة المصرية أنه «فدائى»، وأنه «مشروع شهيد» فداءً لمصر، وتلك هى الروح التى منعت آرائيل شارون عن احتلال مدينة الإسماعيلية خلال حرب أكتوبر، لنُحقق شعار قوات الصاعقة المصرية وهو «تضحية.. فداء.. مجد».
سعد الدين الشاذلي زارنا قبل الحرب
وكيف استعددتم لحرب أكتوبر المجيدة؟
– بدأنا تدريبات شديدة جداً استعداداً للحرب، وفى ظل تدريبات مكثفة قبل الحرب بعام، وفى «عز الصيام»، وجدت طلباً برغبة الجنود بالجلوس معى، وكنت وقتها «قائد فصيلة»، وظننتهم سيشكون من شدة التدريب خلال رمضان، لكننى فوجئت حينما اجتمعت معهم بأنهم يقولون: «عايزين نحارب خلاص يا أفندم»، وكنت حينها برتبة ملازم، ووعدتهم بنقل صوتهم إلى القيادات الأعلى، وقلت لهم: «المعركة لن تكون سهلة، ويجب أن نستعد، وصوتكم هيوصل للقيادات الأعلى»، وهنا قلت ذلك لأننا من الممكن أن نعمل خلف خطوط العدو، ويجب أن نكون مستعدين؛ فيمكن أن نكلّف بتدمير احتياطات العدو، ونحتاج إلى العودة 60 كيلومتراً على أقدامنا على سبيل المثال، لذا يجب أن نحافظ على أعلى معدلات اللياقة البدنية والكفاءة القتالية، وهو ما شاهده الفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، فى زيارة لنا قبل الحرب.
وكيف علمت بموعد الحرب؟
– ليلة 5 أكتوبر، وتحديداً فى الساعة 12:30 ليلاً، تم استدعاؤنا لوحدتنا، وكنت حينها ساكناً فى «الحسين»، وذهبت إليها فى الساعة الثانية صباحاً، ووجدت قائد الكتيبة وقتها الرائد على أمين مستقلاً سيارة «جيب»، واصطحبنى على الفور لـ«مركز العمليات»، ووجدنا المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية، والفريق سعد الدين الشاذلى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، والمشير محمد عبدالغنى الجمسى، رئيس هيئة عمليات القوات المسلحة، والعميد نبيل شكرى، قائد قوات الصاعقة، فى الغرفة، لنأخذ المهمة لنعود، وأجد قائد الكتيبة يقول لى: «لما ترجع ماتتكلمش فى أى حاجة»، ثم أخذنا الأمر يوم 6 أكتوبر بالانتشار لتأمين مطار غرب القاهرة العسكرى، نتيجة لاحتمال استهدافه، ونفّذنا الأمر، ثم جاءت لنا الأوامر بالحركة فى اتجاه مدينة الإسماعيلية يوم 18 أكتوبر.
لماذا وقتها؟
– المعلومات المتوافرة حينها أن هناك 7 دبابات دخلت منطقة «الدفرسوار»، ومطلوب منا أن نأتى بها أسرى لأخذ معلومات منها، وتم تنفيذ دوريات، وأثناء توجّهنا إلى منطقة سرابيوم، شاهدنا أعداداً كبيرة من الدبابات والعربات المجنزرة، وكان آرائيل شارون يقود رجاله فى 3 محاور نحو الإسماعيلية، مستعيناً بلواء مدرع، ولواء مظلى.
وماذا حدث؟
– شارون دخل للمنطقة بـ7 دبابات برمائية، وأول لواء تصدى له كان «لواء مظلى مصرى»، ثم واجهنا «كمين إسرائيلى»، وكانت ليلة شديدة الظلام، لنقفز من سياراتنا فى اتجاه «جناين»، ولم يصب منا أحد، ثم استهدفوا أماكننا بـ«الهاونات»، والرشاشات النصف بوصة، ثم جاء لنا أمر عبر «اللاسلكى» للعقيد أسامة إبراهيم، قائد مجموعتنا القتالية، بالانسحاب، نظراً لأنه سيتم ضرب المنطقة بالطيران الثقيل.
وهل هاجمكم شارون بمدرعاته حينها؟
– الحقيقة أنه أعاد تنظيم صفوفه، وظللنا 3 أيام يتم قصفنا بـ«طيران أمريكى»، حتى يوم 22 أكتوبر، عبر «قنابل بلى»، وقنابل الألف رطل، وكنا موجودين بحفر برميلية، والفرق بيننا وبين الإسماعيلية 3 كيلومترات فقط، ثم حينها دخلت 3 دبابات مجنزرة، وهى استطلاع للواء المظلى، وهاجمناها، وتم تدمير العدو، وكان هناك شهداء ومصابون، ليتم إخلاؤهم.
وما موقف شارون ورجاله؟
– أعلن شارون عبر أجهزة اللاسلكى التى تم رصدها، أنه متجه لاحتلال «نفيشة»، ومدينة الإسماعيلية فى وقت واحد، لأنه كان يعتقد أن المنطقة بلا قوات بعد القذف بالطيران، والهاونات، ورشاشات النصف بوصة، لكنه فوجئ بنا، وكانت كل أسلحته من الجسر الجوى الأمريكى.
وما الدليل على ذلك؟
– الدبابات التى دمّرت من طراز إم 60 إيه 3، وهى من أحدث دبابات العالم فى هذا الوقت، وكانت المسافة التى قطعت عبر الدبابات 60 كيلومتراً فقط.
لواءان إسرائيليان هاجمونا بـ«الهاونات» ورشاشات النصف بوصة وطائرات حتى ظنوا أننا استُشهدنا
وكيف دمرتم الدبابات؟
– كنا مختبئين فى «حفر برميلية»، على مسافة من 4 إلى 5 أمتار من الدبابات، وبجوارنا منازل للفلاحين من الطين، وكنا موجودين فى «المنطقة الميتة» للدبابات، سواء مدفع الدبابة، أو رشاش النصف بوصة، ومن ثم هاجمناهم، عبر كمين منع تقدم شارون لاحتلال الإسماعيلية، وهو كمين «حسم المعركة»، لأن مواجهتنا للدبابات كانت عملية انتحارية بكل المقاييس، لكن عقلية المقاتل المصرى نجحت فى الخروج بلا خسائر، بل ومنع شارون من احتلال مدينة الإسماعيلية، وهو على بُعد 5 دقائق منها فقط.
وكيف منعتموه من دخول الإسماعيلية؟
– استخدمنا قذائف الـ«آر بى جى»، وبنادق، ورشاشات متوسطة، وقنابل يدوية، فى مواجهة استطلاع اللواء المصاحب لشارون، وكانوا يعتقدون أنه لا توجد قوات، ومن ثم اصطحبوا معهم كم ذخيرة غير عادى لاستخدامها فى احتلال الإسماعيلية، لكننا «طلعنا لهم من تحت الأرض»، وشارون قال فى مذكراته، إن «عفاريت مموهة طلعت لنا من تحت الأرض».
«شارون» هرب عبر منازل طينية.. وارتديت جلباب فلاحي لرصد أماكن ارتكاز العدو
وأين ذهب شارون وقتها؟
– أول شىء أننا كنا بمواجهة 3 دبابات، ضربنا الدبابة الموجودة فى المنتصف، ليطير برج الدبابة نحو 10 أمتار إلى أعلى من قوة الذخيرة، والدبابة الثانية «دخلت» فى الثالثة، ليتم تدمير الدبابات الثلاث، ونجد الجثث الإسرائيلية متفحمة بالكامل، وبالتزامن مع ذلك كانت قوات المظلات الإسرائيلية قادمة باتجاهنا، وقتلناهم بالكامل، واستخدمنا حتى آخر رصاصة وآخر ذخيرة بصحبتنا، ولسان حالنا فى التصدى لهم: «ما دام دخلوا أرضنا.. مش هيخرجوا منها أحياء».
قيل إن «الثغرة» كان يتم التخطيط لتصفيتها.. وهناك جانب آخر كان يرى أنه لم يكن سيتم تصفيتها.. بحكم وجودك فى ميدان المعركة.. ما رأيك فى هذا الشأن؟
– تم تكليفى بارتداء جلباب أحد المزارعين، ودخلت وسط صفوف الجيش الإسرائيلى لعدة أيام رصدت خلالها أماكن تمركز قواتهم وعُدت بها بدقة، وكان يتم إعداد خطة تحت مسمى «الخطة شامل» لتصفية الثغرة، «ولو نُفذت العملية شامل كانت الثغرة ستصفى تماماً».
تدريبات شاقة
خضنا تدريبات قاسية داخل قوات ووحدات الصاعقة المصرية، استعداداً لحرب أكتوبر المجيدة، وكنا سعداء للغاية بالتدريبات الشديدة والعنيفة، ونتعلم ونتدرب لنكون فداء لمصر، إعلاءً لشعار قوات الصاعقة المصرية «تضحية.. فداء.. مجد»، وقدمت بياناً عملياً أمام الفريق محمد صادق، وزير الحربية، وشرفت بأننى كنت ضمن معركة «أبوعطوة»، التى أوقفت التقدم الإسرائيلى لاحتلال مدينة الإسماعيلية.