فدائي صاعقة: دخلنا الحرب تحت شعار «مهمة بلا رجعة».. وقهرنا الجيش الذي ظن نفسه لا يُقهر
شاب صغير يلعب كرة القدم فى أعرق أندية الإسكندرية، ترك كل ذلك من أجل الانضمام إلى الجيش المصرى، مثله مثل سائر شباب البلد حينها، أملاً فى تجاوز نكسة 67، وهو ما حدث بانتصار أكتوبر العظيم الذى أعاد لمصر أرضها ومكانتها. «الوطن» التقت الرقيب مجند رجب إبراهيم، الشهير فى الإسكندرية بلقب «الفدائى رجب»، أحد أبطال حرب أكتوبر 1973، الذى شارك فى حرب الإسماعيلية، وساهم برفقة من معه فى تنظيف شوارعها من دبابات العدو التى حاولت احتلال المدينة للتغطية على هزيمتهم، وهو الأمر الذى لم يسمح به هؤلاء الأبطال، وإلى نص الحوار:
كيف التحقت بالجيش قبل الحرب؟
– كنت لاعب كرة قدم بنادى الاتحاد السكندرى من 1965 حتى 1967، بعدها بدأ تجنيدى وأنا فى عمر 18 سنة، بالتحديد فى 4 مارس 1970، وحصلت على فرقة معلمى صاعقة بشكل مضغوط، وأصبحت معلم صاعقة، وانتقلت إلى «أنشاص» فى القوات الخاصة، التى يندرج تحتها كل من قوات الصاعقة والمظلات، نظراً لجسدى الرياضى، وتعرفت على طارق عبدالناصر، شقيق الزعيم الراحل جمال عبدالناصر، أثناء خدمتى فى قوات الصاعقة.
كيف كانت حالة الجيش وقتها؟
– «كنا بنمشى من سنة 70 حاطين وشنا فى الأرض بسبب نكسة 67»، وكان يسود حزن شديد بين المواطنين والمجندين، وفى تلك الفترة شجع الرئيس محمد أنور السادات الطلاب على دخول الجيش لكى نعوض هزيمتنا، وحينما التحقنا بقوات الصاعقة أصبحنا فدائيين، بمعنى أننا «داخلين الحرب، ومش خايفين على أرواحنا.. كل اللى همنا إننا نحرر بلدنا».
وكيف علمت بشأن موعد الحرب؟
– حصلت على إجازة لمدة 10 أيام بعد مهمة شاقة، لكن لم تشأ الأقدار إلا أن أقضى منها سوى يومين؛ حيث جاء لى «شيخ الحارة»، وبصحبته تليغراف مدون فيه: «احضر للكتيبة فوراً»، وتحركت لمقر الكتيبة، التى كانت فى طريق الفيوم، واستقبلنا حينها الرائد على أمين على، قائد الكتيبة فى هذا التوقيت، بعد الاستدعاء شعرنا أن «فيه حاجة غلط».
لماذا؟
– لأننا تسلمنا «أفرولات» جديدة، وذخيرة حية، وقنابل حديثة، بعد ما كانت التدريبات مقتصرة على «الذخيرة الفشنك».
وما كان شعوركم وقتها؟
– طبعاً فرحنا للغاية، لكن شعرنا أن هناك تغييراً وشيئاً غريباً ليس طبيعياً.
وما كان تعليق الرائد على أمين؟
– استقبلنا بترحاب كعادته، وقال لنا: «معلش يا رجالة قطعنا لكم إجازتكم لأننا بنعمل مشروع تعبوى على مستوى مصر، وعاوزين نورى العدو رجال الصاعقة يقدروا يعملوا إيه»، ثم تسلَّمت خوذة وقناعاً واقياً، وتم التشديد على ضرورة اصطحابى لهما، ولم يتم تسليمهما بعد انتهاء التدريب مثل كل مرة.
وماذا حدث بعدها؟
– استمررنا نتدرب بقوة حتى يوم 2 أكتوبر، دون علم أننا «داخلين حرب»، ثم تم نقلنا إلى مطار غرب القاهرة، واستقللنا طائرات هليكوبتر، وكنا فى انتظار الأوامر.
وكيف شاركتم فى حرب أكتوبر؟
– كنا فى مطار غرب القاهرة من قبل الحرب، وانتظرنا فى المطار حتى يوم 16 أكتوبر، ونمى إلى علمنا أننا عبرنا وانتصرنا، وكنا مستعدين لتعويض أى كتيبة يحدث لها أى مكروه، وكنا ننتقل بين الكتائب وبعضها تحت شعار «مهمة بلا رجعة»، ويوم 15 أكتوبر انتقلنا إلى مدينة الإسماعيلية، وتحديداً إلى مكتب إرشاد قناة السويس.
كيف شاركتم فى الحرب إذاً؟
– وقتها كنا فى شهر رمضان المُعظم، وكنا صائمين طوال أيام الحرب، وتم إبلاغنا بعبور أكثر من 300 دبابة من جيش العدو تجاه مدينة الإسماعيلية، وكان دورنا تطهير «الإسماعيلية» منها.
وماذا حدث بعدها؟
– دخلت أنا وزملائى مناطق «أبوعطوة والخشينة والعمدة» فجر يوم 17 أكتوبر بعد السحور مباشرة، وحفرنا «حفر برميلية» بطول 2 متر وعرض 50 سنتيمتراً لتسهيل حركتنا، وأصيب زميلنا فهمى فهمى القاضى بصاروخ «SS10»، ولم نحصل على أوامر بالضرب بعد.
الرقيب رجب إبراهيم: نظفنا شوارع الإسماعيلية من «دبابات العدو».. وإحداها ظلت مشتعلة لـ24 ساعة
واستمرت تجهيزاتنا لمدة 5 أيام، وكان بيننا وبين العدو يوم 22 أكتوبر 300 متر فقط، ورأينا بأعيننا تحركاتهم، وبلغنا القيادة وبدورهم قالوا لنا راقبوهم وبدأنا ضربهم من مقابر عزبة أبوعطوة لأنها عالية عن الأرض مع كلمة «الله أكبر»، وبالرغم من التعب، استطعنا أن ندمر 3 دبابات بداخلها 11 فرداً من جيش العدو، وتلك الدبابات موجودة حالياً فى متحف أبوعطوة، وانفجرت الدبابة الثانية بالذخيرة الموجودة فيها، وظلت النيران مشتعلة بها قرابة 24 ساعة، وكنا 12 فرداً، واستشهد منا فرد واحد فقط، وبعد ذلك تم إيقاف إطلاق النار، وانتقل الباقى من الجيش الإسرائيلى إلى السويس و«زملاؤنا جابوهم».
وما شعورك وقتها؟
– كنت وما زلت أشعر بعزة وفخر عن دورنا فى الانتصار، والجميل أن إسرائيل قالت عن جيشها إنه «لا يُقهر»، لكن بقوة ربنا أصبحنا «إحنا الجيش اللى قهرناه».
وما دور الدولة معكم كأبطال أكتوبر بعد الحرب؟
– الدولة أتاحت لنا كل شىء بعد الحرب، وحالياً أنا على المعاش وتكرمنا الدولة فى جميع المحافل، وجميعنا مقدرون لما بذل من جهد لأجل وطننا الغالى.
الأجواء قبل انطلاق الحرب
كانت الاستعدادات تتم بقوة، وفى الوقت نفسه كانت هناك أوامر لفصائل من سرايا الكتائب على الحدود بيننا وبين خط برليف بأن تبدو الأمور طبيعية تماماً، و«لبسوا شورتات، وغسلوا هدومهم كتمويه للعدو»، ثم ذهب الرئيس الراحل محمد أنور السادات إلى قريته يوم 5 أكتوبر، ونقلت جميع قنوات العالم هذا الأمر، كأحد أساليب التمويه.
وهناك عدد من أبطال وحدات الصاعقة المصرية والقوات المسلحة يوم 3 أكتوبر تمركزوا خلف خطوط العدو، وعبروا خط بارليف، وكان من بين تدريباتنا إلقاؤنا من طائرة هليكوبتر من ارتفاع 30 متراً «على وش الميّه»، ثم أخذ باقى المسافة سباحة، ولكن لم تكن هناك بوادر لاندلاع الحرب حينها.