أخبار مصر

مرصد الأزهر: حديث “أمرت أن أقاتل الناس” يكشف فساد فهم التنظيمات المتطرفة

 

قال مرصد الأزهر إن التنظيمات المتطرفة خاصة (داعش) دائمًا ما تسعى إلى إضفاء صبغة شرعية على عملياتها الإجرامية من خلال الاستشهاد بالآيات والأحاديث في غير موضعها، ومنها حديث “عبد الله بن عمر” رضى الله عنهما، وفيه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله» [أخرجه البخاري]. وتستدل هذه التنظيمات بأن الحديث يفرض على المسلم قتل جميع الناس حتى اعتناق الدين الإسلامي وإلا لم يدخل في زمرة المسلمين. والحقيقة أن الحديث نفسه يكشف فساد فهم التنظيمات المتطرفة للسنة النبوية المطهرة. صحيح أن الحديث في أعلى درجات الصحة ولا إشكال فيه من ناحية الثبوت، لكن الترويج إلى القتل العام باسم الإسلام ورسوله، هو من قبيل الاعوجاج الفكري والقصور في فهم مغزى الحديث ومعناه، إذ يصف الله تعالى نبيه بـ (الرحمة) فقال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107].

لكن للأسف تنتشر ثقافة قتل المخالف في أدبيات التنظيمات المتطرفة، ولذلك لا يتورعون عن تنفيذ هجوم مباغت على إحدى نقاط التفتيش أو الكتائب أو دخول البيوت وقتل أفرادها. فلم يدرك هؤلاء الفرق الشاسع بين كلمتي (أقاتل) و(أقتل)؛ حيث تدل الأولى من الناحية اللغوية على المفاعلة بين طرفين، وفيها اشتراك من الجانبين، قال في لسان العرب (11: 549)” القتال الذي هو من المقاتلة والمحاربة بين اثنين”. وفي القرآن الكريم: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ} [سورة البقرة 190]. قال ابن دقيق العيد: “المقاتلة” مفاعلة، تقتضي الحصول من الجانبين” [إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام (2/219)]. وقال الشيخ الشعراوي في تفسيره (2: 822) “أي لا يقاتل مسلم من لم يقاتله ولا يعتدي”. وبالتالي يختلف مفهوم القتال عن القتل، وأن المقاتلة تستلزم وجود طرفين يقاتلون بعضهم بعضًا، وقد يكون هناك مقاتلة دون قتل. ولم يثبت عن رسول الله (ﷺ) أنه هاجم قومًا مسالمين، بحجة أنهم غير مسلمين، رغم أن بعض القبائل الوثنية كانت قريبة من المدينة النبوية. والمقصود من لفظ “الناس” في نص الحديث، هو البعض أو من بادر بقتال المسلمين، كقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا } [آل عمران: 173]، ويوضح معنى الحديث قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [البقرة: 190]. وهم أولئك الذين ذهبوا لقتاله في المدينة من كفار مكة وغيرهم من بعض القبائل العربية، ولو كان المقصود من الحديث قتال جميع الناس لما جاء النهي عن الاعتداء. بل إن المولى سبحانه وتعالى أمرنا بالبر والإحسان إلى الغير المختلف في الدين ما لم يبادر بالهجوم والاعتداء، فقال سبحانه: {لَّا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].

وقد شمل عفو رسول الإسلام حتى الأعداء، وكان يقابل أذاهم بالصفح الجميل ومثال ذلك عفوه (ﷺ) عن مشركي مكة يوم الفتح، وهم الذين وقفوا ضده يوم أن أعلن عن دعوته ورسالته، وآذوه وأصحابه وقاتلوه في المدينة… إلخ، ولما سألهم: “ما تظنون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرًا.” فقال لهم الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: “اذهبوا فأنتم الطلقاء”. وقوله “حتى يقولوا لا إله إلا الله… إلخ”، فليس فيه دليل على أن القتال بسبب اختلافهم في الدين، وإنما لاعتدائهم على المسلمين كما سبقت الإشارة، وإلا كان اعتناقهم للإسلام عن طريق الإكراه، والله تعالى يقول: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256]. كذلك حث القرآن على الفكر وإعمال العقل والنظر في الأنفس والآفاق بغية معرفة الله تعالى عن إقناع، قال تعالى: {قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [يونس: 101]. وهناك الكثير من الآيات التي تحث على النظر والعبرة والتدبر. والسؤال: ما هي ردود التنظيمات الإرهابية على الأحاديث التي وردت في النهي عن قتل المواطنين من أهل الذمة والديانات الأخرى، وكذلك المعاهدين الذين دخلوا بلادنا بتأشيرة رسمية؟ ومن بين هذه الأحاديث ما نقل عبد الله بن عمرو بن العاص (رضي الله عنهما) عن رسول الله (ﷺ) حيث قال: “من قتل مُعاهدًا لَمْ يَرَحْ رائحة الجنة، وإن ريحها يُوجدُ من مسيرةِ أربعين عامًا ” [رواه البخاري في صحيحه]. وكذلك يقول ابن عمر (رضي الله عنهما): نهى رسول الله (ﷺ) عن قتل النساء والصبيان” [أخرجه البخاري في صحيحه: 3015]. وَعَنْ رَبَاحِ بْنِ الرَّبِيعِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ (ﷺ) فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ، فَمَرَّ رَبَاحٌ وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ (ﷺ) عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ مِمَّا أَصَابَتِ المُقَدِّمَةُ، فَوَقَفُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهَا، وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْ خَلْقِهَا؛ حَتَّى لَحِقَهُمْ رَسُولُ اللهِ (ﷺ) عَلَى رَاحِلَتِهِ؛ فَانْفَرَجُوا عَنْهَا؛ فَوَقَفَ رَسُولُ اللهِ (ﷺ) فَقَالَ: «مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ!»، فَقَالَ لِأَحَدِهِمْ: “الْحَقْ خَالِدًا، فَقُلْ لَهُ: لَا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً، وَلَا عَسِيفًا”. [أخرجه أبو داود في سننه: 2669]. ولقد سار الصحابة رضوان الله عليهم على نفس النهج؛ فقد أوصى أبو بكر الصديق رضي الله عنه يزيدًا حين وجهه إلى الشام قائدًا لجيوش المسلمين فقال له: لا تقتل صبيًا ولا امرأة ولا هرمًا” [أخرجه أبو داود: 2614]. ومن خلال هذه الأحاديث تظهر فلسفة الإسلام في قتال المخالفين لحماية الأوطان، وهي أن قتالنا معه لا يكون إلا من باب الدفاع، وأن القتال لا يكون إلا لمن يقاتلنا، وأن من لم ينتصب لقتالنا فلا يجوز قتاله والاعتداء عليه، وهذا من عدل الإسلام ورحمته بالمخالفين.

جدير بالذكر أنَّ فهم الجماعات المتطرفة على هذا النحو المنحرف إنما هو فرع عن تكفيرهم لجموع الناس، ذلك أنهم يرون أن جميع النَّاس في هذا الزمان إما كفار أصليون وإمَّا مسلمون مرتدون عن الإسلام، وعلى ذلك فهم يستبيحون دماء الناس خلا من كان معهم في تنظيمهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *