باحث فيزيائي مصري بألمانيا: نطور جيلًا مصغرًا من الليزر يُمكنه إنشاء معمل بحجم الموبايل.. وروسيا نقطة تحول │ حوار
فُرصة الثلاثة أسابيع في روسيا عوضتني عن خسارتي
مشروع أوروبي ضخم لإنتاج مصادر ضوئية حديثة
نشرف على طلبة دكتوراه بجامعة زويل لنقل التكنولوجيا الحديثة
كان الشغف سلاح نجاحه، والعمل المستمر عصا تجديفه، ورهانه دومًا كان على الوقت.. هذا نموذج للشاب المصري المُلقب بعبقري الفيزياء، خاصة بعد العقبات والتحديات العديدة خلال رحلته، إلى أن صنعت منه نجاحات عديدة ومتوالية بمسيرته المهنية والعلمية، ليصبح أحد أفضل الباحثين بمسرع الإلكترونات الألماني بجامعة هامبورج للتكنولوجيا.
الشاب الثلاثيني المقيم بدولة ألمانيا؛ بدأت قصته بعد إخفاقه في تحقيق حلمه منذ الصغر، بالالتحاق بكلية الهندسة، ليقرر بعد ذلك الالتحاق بكلية العلوم قسم الفيزياء، ويبدأ رحلته التي لم تنته بعد من روسيا وحتى ألمانيا.
القاهرة 24 حاور الشاب الثلاثيني محمود جعفر، عن نجاحاته ورحلته من المنوفية مرورًا بروسيا وصولا إلى ألمانيا.
وإلى نص الحوار..
عدم التحاقك بكلية الهندسة صنع منك قصة نجاح أخرى.. كيف حدث ذلك؟
كان حلمي وأنا صغير، هو الالتحاق بكلية الهندسة، ولم يوفقني المجموع المتراكم بعامي الثانوية العامة، وشعرت وقتها بالإحباط، واستطعت التعافي منها من خلال والدي ووالدتي، وتشجيعهم لي بالاستمرار في مجال آخر، ثم التحقت بكلية علوم قسم الفيزياء، وقررت منذ أول يوم؛ تعويض خسارة الثانوية العامة، وتحقيق حلم جديد بحافز قوي استطعت خلاله تسهيل الرحلة الصعبة.
انهيت الـ 4 سنوات بتقدير امتياز، وعُينت معيدًا بالجامعة بعد حصولي على المركز الأول بدفعة أقسام الفيزياء، وهذا كان أول مرحلة لتعويض الخسارة، وبعدها حصلت على فُرصة السفر إلى روسيا لمدة 3 أسابيع، وهناك أطلقت عليها اسم فُرصة الثلاثة أسابيع، فكان البرنامج بين وزارة البحث العلمي وروسيا، وتم اختياري ضمن 15 شخصًا فقط.
لماذا أطلقت على مرحلة روسيا في البداية فُرصة الـ 3 أسابيع؟
في فرص دائمًا بتيجي، بس هل أنا مستعد ولا لأ.. روسيا كانت صعبة أوي في البداية، لأنها أول دولة أسافرها، وأول شهر كان قاسي جدًا شعرت فيه بالغربة، وبعد الثلاثة أسابيع؛ عرض عليا الجانب الروسي؛ الاستمرار للحصول على الماجستير هناك، وذلك نتيجة التميز العلمي الملاحظ عليا منذ أول يوم.. القرار وقتها كان صعبًا، لكني قارنت ووجدت أن هناك تكنولوجيا وموارد أخرى للاستفادة؛ أستطيع نقلها لبلدي لاحقًا، ومسألة التمويل تم حلها.. لذلك قبلت هذا العرض، وهنا كانت نقطة من نقاط التحول لديّ.
ماذا عن العام ونصف الذي قضيته في روسيا.. وكيف كان سببًا في تحولك علميًا وشخصيًا؟
روسيا كانت بالنسب لي مرحلة الخبرة؛ بدأت بمرحلة تحضيرية إلى مرحلة أخرى أكبر وأعمق.. حصلت على الماجيستير هناك بمجال يسمى التوصيلية الفائقة، وكانت روسيا هي مرحلة الاستعداد والتأهيل لكل ما حدث لي بعد ذلك، ونشرت بها 5 أبحاث علمية، وكنت أعمل على مدار اليوم كاملًا دون توقف، واللغة الروسية كانت تحديًا كبيرًا، لأنني كنت ذاهبا هناك على أساس مُدة 3 أسابيع فقط، والأمر تغير بعد ذلك، وقبل حصولي على الماجستير؛ توفقت في قبولي بمنحة لدراسة الدكتوراه بألمانيا، فكانت هنا نقطة أخرى بالرحلة.
من روسيا إلى ألمانيا.. كيف عاش محمود جعفر مع التحدي الجديد بغرب أوروبا؟
لم يكن هدفي الاستقرار في روسيا من الأساس، فبعد حصولي على الماجستير؛ اتجهت إلى ألمانيا لدراسة منحة الدكتوراه في فيزيا الليزر، حيث عملنا على جهاز جديد لليزر؛ يُقدم نفس الوظائف ولكن بتكلفة أقل من المتاح حاليًا.
التحدي والعائق في ألمانيا.. كان وصولي لنفس مستوى الباحثين بألمانيا، فعلى الرغم من التعب والمشقة في روسيا، إلا أنني احتجت لمجهودا مضاعفا بألمانيا للتفوق بين المتواجدين، وتعويض كل ما ينقصني، فكانت رحلتي دومًا عبارة عن تزايد في التعب، وتزايد في الشغف للوصول إلى حلم جديد بتحدي مختلف، وأؤمن أن كل خطوة يأتي ورائها الخطوة الأفضل.
ما أصعب العقبات والتحديات التي مررت بها على المستوى الشخصي؟
أولًا والأهم هو مواجهة تحدي العادات والثقافات المختلفة، وبالتأكيد تحدي الحفاظ على الهوية المصرية لأولادي وسط زحمة ما يتعرضون له من أشكال مختلفة، ولذلك هذا يتطلب مني مجهودًا مضاعفًا من الناحية الأسرية أيضًا لعمل توازن بين العمل والأسرة.. مطلوب مني أقدم شغلي بتفوق، ومن ناحية أخرى أكون أب وزوج وصاحب لتكوين أسرة صالحة، فكان هذا التحدي من العقبات الكبيرة جدًا وحتى الآن.
وأيضًا تحدي وفاة والدتي ووالدتي دون أن أكون معهما، فـ الغربة دومًا لها ثمن آخر ندفعه دون إبداء الحق في الرفض، ولكن حتى بعد وفاتهما كان عندي حافز النجاح لأسعدهما وأجعلهما فخورين بي حتى بعد مماتهما.
حدثني عن مشروعك لـ استخدام الضوء في تكنولوجيا الاتصالات الضوئية والكشف عن الغازات؟
نقوم حاليًا بتطوير جيل جديد من الأجهزه الضوئية المتناهية في الصغر، باستخدام أساسيات ما يسمى بمجال الفوتونيات المتكاملة، فعلى سبيل المثال نحاول إعادة صنع الأجهزة الضوئية الكبيرة المتاحة حاليًا (مثل أجهزة الليزر كبيرة الحجم)، ولكن على شكل أصغر بآلاف المرات، ليكون الجهاز بحجم أقل من المليمتر فقط، حيث يمكن وضع هذا الجيل الجديد من أجهزة الليزر، والتي تُقدم وظائف أفضل من الأجهزة التقليدية، مع أجهزه أخرى على شرائح صغيرة جدًا لإنشاء معمل متكامل في حجم الموبايل بدل الغرفة الكبيرة يقوم بوظائف عديدة، والهدف منها هو توفير الطاقة والموارد المالية.
كما عملنا على استخدام هذه الشرائح الصغيرة في معالجة البيانات الضوئية، فالمعلومات أثناء رحلتها داخل الأجهزة تتحول من معلومات ضوئية إلى إلكترونية، وبعد معالجة البيانات وتحزينها وخُروجها تعود من معلومات إلكترونية إلى ضوئية، فهدف كثير من العلماء حاليًا، هو أن تكون العملية بأكلمها ضوئية من تحويل وتخزين لتوفير الطاقة، وزيادة سُرعة نقل ومعالجة البيانات.
ونصنع أيضًا جيلًا جديدًا من أجهزة الليزر لاستخدامه في مواقف أكثر تعقيدًا، حيث نستطيع تصوير أجسام تسير بسرعات فائقة للغاية وبدقة عالية، وكذلك تحديد وقياس ترددات أي موجات مجهولة بالنسبة لنا بدقة عالية، باستخدام هذه الأجهزة الحديثة.
ما المشاريع الأخرى التي تعمل بها في الوقت الحالي؟
أعمل في الوقت الحالي ضمن مشروع أوروبي ضخم؛ يضم 6 مراكز أبحاث أوروبية لإنتاج مصادر ضوئية حديثة، لاستخدامها في تطبيقات تكنولوجية مختلفة في السيارات ذاتية القيادة، والاستشعار عن بعد والكشف عن الغازات، وكذلك التحليل الطيفي البصري.
فعلي سبيل المثال، يمكن وضع هذه الشريحة داخل جهاز الموبايل، ومعها تطبيق أو برنامج، ويكونوا مع الأطفال في المدارس أو الطلاب بالجامعة، لمراقبة الغازات المُتواجدة بأماكنهم طوال اليوم ونسبتها، وذلك للكشف على نسبة التهوية ونقاء الجو داخل القاعات.
هل تعمل على مشاريع بـ مصر في الوقت الحالي؟
حاليًا نشرف على طلبة دكتوراه بجامعة زويل، ولكن لم يتم عمل برنامج له رؤية أو تنفيذ، وكل بحث صدر مني بالخارج مكتوب عليه اسم مصر، وكلنا على استعداد أن ننقل كل المعلومات والتكنولوجيا والخبرة، لأنها بلدنا ولها حق علينا، ومنتظرين فقط الإشارة منهم.