آراء وتحليلات

من الذاكرة الوطنية.. معركة شدوان والعيد الوطني لمحافظة البحر الأحمر.. شدوان إحدى المعارك الخالدة للصاعقة المصرية

بقلم / سهام عزالدين جبريل

يوافق يوم 22 يناير من كل عام ذكرى معركة شدوان وهو تاريخ الذى اعتمدته محافظة البحر الاحمر عيدا وطنيا لها والذى يتم الاحتفال السنوى بالعيد القومى من كل عام، وهو ذات التاريخ الذى وقعت فيه معركة جزيرة شدوان مع العدو الإسرائيلى عام 1970، التى شارك فيها مع القوات المسلحة المئات من الصيادين أبناء مدينة الغردقة، حيث اتخذت محافظة البحر الأحمر يوم هذه المعركة عيدها القومى لتحتفل به سنويا وتفتتح عددًا من المشروعات الخدمية وتكرم المشاركين فى المعركة أو أسر الشهداء، حيث تمر الذكرى الـ 53 لانتصار القوات المسلحة المصرية فى هذه المعركة الضارية ، والتى شارك فيها العشرات من صيادى وأهالى الغردقة فى هذه المعركة التى تعد إحدى أهم العمليات التى قام بها العدو الاسرائيلى فى شهر يناير 1970 على جزيرة شدوان ، بعد احتلاله لشبه جزيرة سيناء فى يونية 1967، ومحاولاته لاحداث معارك متفرقة لضرب جبهة القتال المصرية التى تمركزت على طول خط القناة الغربى الممتد من بورسعيد شمالا وحتى السويس جنوبا
وتمثل هذه المعركة احد المعارك الكبرى التى دارت خلال فترة حرب الاستنزاف في 21-22 يناير 1970، وشدوان عبارة عن جزيرة صخرية منعزلة تقع على رأس البحر الاحمر بالقرب من مدخل خليج السويس وخليج العقبة بالبحر الأحمر قبالة مدينة الغردقة وتبلغ مساحتها تقريبا 60 كيلو متر وعليها فنار لإرشاد السفن وتبعد عن الغردقة 35 كيلومتر وعن السويس 325 كيلومتر
وقد حدثت هنالك اشتباكان من فرقة الصاعقة المصرية و كتيبة من المظليين الإسرائيليين وفى وصف عن معركة شدوان التى يمكن ان توصف بأنها احد الملاحم الوطنية فأحداثها تترجم أهميتها وموقعها الإستراتيجى فهى ليست مجرد جزيرة صخرية منعزلة تقع بالقرب من مدخل خليج السويس وخليج العقبة بالبحر الأحمر، لكنها تمثل اسم لمعركة وملحمة وطنية أضافت سطرا عظيما في سجل البطولات الخالدة للجيش المصري، ورجاله البواسل. ولهذا تحتفل محافظة البحر الأحمر في 22 يناير من كل عام بعيدها القومي الذي يوافق هذه الذكرى الوطنية لاحداث معركة شدوان، التي جرت في هذه الجزيرة النائية التي لا تزيد مساحتها عن 70 كيلو مترا مربعا ويتراوح عرضها بين 16 و35 كيلو مترا وبها فنار لإرشاد السفن ورادار بحري ، حيث كانت معارك حرب الاستنزاف تدور بين القوات الإسرائيلية وقواتنا المسلحة، في عدة مواقع على طول الجبهة، وقد هاجم الإسرائيليون الجزيرة فجر الخميس الموافق 22 يناير عام 1970، وشهدت الجزيرة ملحمة شعبية، تقاسم فيها أبناء محافظة البحر الأحمر مع جنود القوات المسلحة الصمود أمام قوات الاحتلال. حيث قامت القوات الإسرائيلية بهجوم ضخم على الجزيرة جوا وبحرا، كذلك هاجموا مساكن المدنيين الذين يقومون بإدارة هذا الفنار.
وكان هناك مجموعة صغيرة من الصاعقة المصرية البحرية والبرية لحراسة الفنار الذي يقع جنوب الجزيرة، ورغم اعتراض الطائرات الإسرائيلية جوا و”لنشاتها” بحرا، إلا أن أبناء المحافظة لم يتخلوا عن قواتهم وقاموا بتوصيل الذخائر والمؤن والأسلحة في مراكب الصيد من شاطىء الغردقة إلى جزيرة شدوان. واستمر القتال بين كتيبة المظلات الإسرائيلية وأفراد الصاعقة المصرية الذين خاضوا المعركة ببسالة وأحدثوا خسائر جسيمة بقوات العدو، كما تمكنت وحدات الدفاع الجوي المصري من إسقاط طائرتين للعدو، من طرازي “ميراج” و “سكاي هوك”.
وظل العدو يتقدم لاقتحام مواقع قوة الحراسة في جنوب الجزيرة، وكانوا يطلبون من القوة المصرية أن تستسلم، ورغم القصف الجوي العنيف، إلا أن القوات المصرية رفضت الاستسلام وقاتلوا ببسالة وشجاعة ، واستمر العدو في محاولاته للسيطرة على الجزيرة ومنع الإمداد الذي يأتي للجنود المصريين من خلال البحر، لكنهم فشلوا رغم تفوقهم العددي والقصف الجوي العنيف والامدادات الكثيرة التي كانت تأتي إليهم.
بعدها اضطرت القوات الإسرائيلية التي تقدر بكتيبة كاملة من المظليين، للانسحاب من الأجزاء التي احتلتها من الجزيرة، وفي اليوم التالي للقتال والموافق الجمعة 23 يناير، قصفت القوات الجوية المصرية المواقع التي تمكن العدو من الوصول إليها في جزيرة شدوان، في الوقت الذي قامت فيه قواتنا البحرية بأعمال تعزيز القوة المصرية على الجزيرة، وهو ما أدى لانسحاب القوات الإسرائيلية من الجزيرة.
جدير بالذكر أن الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية إبان حرب أكتوبر كان قائد القوات المصرية في قطاع منطقة البحر الأحمر آنذاك، وكان الشاذلي قد وضع خطة لمقاومة تسللات القوات الإسرائيلية في مناطق البحر الأحمر.
وقد أحدثت هذه المعركة صدى كبير لدى وسائل الاعلام الغربية حيث أشار لها الصحفي الأمريكي (جاي بوشينسكي) الذي كان مصاحبا للقوات الإسرائيلية وهو مراسل لإذاعة وستنجهاوس وجريدة شيكاغو نيوز في برقية بعث بها إلى وكالة أنباء “يونايتد برس”: ( رغم أن الطائرات الإسرائيلية قصفت الجزيرة قصفا مركزا لعدة ساعات قبل محاولة انزال القوات الإسرائيلية فقد قاومت القوة المصرية مقاومة باسلة ولم يجعل الأمر سهلا للمهاجمين… ولما تمكنت القوات الإسرائيلية من النزول على الطرف الشمالي الشرقي للجزيرة بدأت في محاولة لتثبيط عزيمة القوات المصرية بأن أذاعت نداءات متكررة بالميكروفون تدعو القوة المصرية للاستسلام وأنه لا فائدة من المقاومة، وكان رد المصريين على هذا النداء بقذائف مركزة من المدافع تنصب فوق الجنود الإسرائيليين من كل جانب !! واضاف الصحفى لقد شاهدت بطولات من الجنود المصريين لن أنساها ما حييت :- لقد شاهدت جندي مصري يقفز من خندقه ويحصد بمدفعه الرشاش قوة من الإسرائيليين، وظل يضرب إلى أن نفذت آخر طلقة معه، ثم أستشهد بعد أن قتل عددا كبيرا من جنود العدو وأصاب عشرات بجراح.. إن القوات الإسرائيلية التي كانت تتلقى مساعدة مستمرة من طائرات الهليكوبتر لم تكن تتقدم الا ببطء شديد للغاية تحت وطأة المقاومة المصرية ولم يكن أى موقع مصري يتوقف عن الضرب إلا عندما ينتهي ما عنده من ذخيرة ، وحين انتهت ذخيرة أحد المواقع وكان به جنديان آسرهما الإسرائيليون ثم طلبوا من أحدهما أن يذهب إلى مبنى صغير قرب فنار الجزيرة ليقنع من فيه بالتسليم ثم عاد الجندي المصري ليقول لهم انه وجد المبنى خاليا.. وعلى الفور توجه إلى المبنى ضابط إسرائيلي ومعه عدد من الجنود لاحتلال المبنى وماكادوا يدخلون إلى المبنى حتى فوجئوا بالنيران تنهال عليهم من مدفع رشاش يحمله ضابط مصري، وقد قتل في هذه العملية الضابط الإسرائيلي وبعض الجنود الذين كانوا معه اما الضابط المصري البطل الشجاع فقد أصيب بعد اأن تكاثر عليه جنود العدو.. وفي موقع آخر خرج جنديان متظاهرين بالتسليم، وحين تقدمت قوة إسرائيلية للقبض عليهما فوجئت بجندي مصري ثالث يبرز فجأة من الموقع بمدفعه الرشاش فيقتل 5 جنود ويصيب عدد من الإسرائيليين )
وكانت الخسائر عالية بين الجانبين نظرا للقتال العنيف الذي شهدته الجزيرة فقد بلغت خسائر العدو الإسرائيلي 50 فرد بين قتيل وجريح، بينما أستشهد وأصيب نحو 80 من رجالنا البواسل إضافة إلى بعض المدنيين الذين كانوا يديرون الفنار لإرشاد السفن.
وقد صدر بيان القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية بقوله : (ان القوات المسلحة المصرية لتعتبر معركة جزيرة شدوان والتي دامت 36 ساعة متصلة في قتال متلاحم رمزا للصلابة والجرأة والفداء الذي وصل في هذه الجزيرة إلى أقصى حد)
هذه قصة ملحمة من ملاحم الذاكرة الوطنية المصرية والتى ترجمت قوة وصلابة الجيش المصرى وتعاونة مع الاهالى للدفاع والمقاومة على التراب الوطنى خلال فترة من اصعب الفترات التى عاشتها مصر حتى استردت ترابها الوطنى وحررت ارض سيناء المباركة فى اكتوبر 1973م فما أروع ان نتذكر ونذكر الاجيال الشابة بهذا التاريخ المشرف ونقرن ذلك بالاعياد الوطنية لكل محافظة مصرية تعتز بحدث عظيم وتاريخ وطنى سطر على ارضها .
خالص تحياتى
سهام عزالدين جبريل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *