الصيام بين الماضي والحاضر
بقلم د. عماد عبد الرؤوف الرطيل
دكتوراه الآثار الإسلامية كلية الآثار جامعة القاهرة
عرف الصيام منذ قديم الأزل بمعنى ومفهوم غير الذي نجله ونعظمه منذ أن فرض علينا كمسلمين وأصبح ركناً من أركان الإسلام الذي بعث به نبي الإسلام محمد صل الله عليه وسلم. فالأقدمون من لدن آدم عليه السلام مروراً بأنبياء الله والأمم المتعاقبة على مر الزمان عرفوا الصيام ولكن كلاً بطريقة مختلفة عن الآخر وقبل الخوض والإبحار فى بركة وإجلال صيام أمة محمد وإختيار شهر رمضان كمسرح لعبادة من اجل العبادات لأن الله عز وجل تكفل وحده بإثابة من أقام هذه الشعيرة وعظمها. نتوقف قليلاً عند بعض المعانى وشرحها وما مر من طقوس وشعائر أخذت بها الأمم السابقة اجتهاداً وتقرباً للألهة.
تعريف الصيام: الصيام فى اللغة العربية من الفعل الثلاثى “صام” أى منع نفسه عن فعل أمر ما وهو الإمساك عن الشئ والكف عنه، ومنه قوله تعالى “أنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم أنسياً).
مفهوم الصيام: الصيام شرعاً هو الإمساك عن شهوات البطن والفرج، وما يحل مقامهما خلافاً للهوى، طاعة لله عز وجل، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، مع عقد النية قبل الفجر أو معه إن أمكن فى أيام عدا أيام الأعياد، وزمن الحيض والنفاس. وكان الصيام مشروعاً عند الأمم السابقة، وعند أهل الكتاب ممن عاشوا فى زمن النبى عليه الصلاة والسلام وقد ذكر ذلك فى كتاب الله، إلا أن أمة محمد عليه الصلاة والسلام خصصت بفرض الصيام فى شهر رمضان تحديداً. حيث أنه لم يكن محدداً لأحد قبل ذلك، فالتقت هذه الأمة مع الأمم السابقة فى أصل فرض الصوم، واختلفت فى تحديد وقت الصيام بشهر واحد والذى هو شهر رمضان المبارك، وكان فرض هذا الشهر فى شعبان من السنة الثانية للهجرة، حيث كتب صيام رمضان للمرة الأولى وكان تخييراً، أى من أراد الصيام صام ومن شاء افتدى، أى أطعم عن كل يوم أفطره مسكيناً، ثم بعد ذلك كتب الصيام عيناً، أى أنه لابد للإنسان من أن يصوم، فكان ذلك على مرحلتين، الأولى التخيير، والثانية التعيين.
من أول من صام من البشر: ذهب بعض العلماء إلى القول بأن أول من صام هو آدم عليه السلام وقالوا بذلك استناداً إلى امتناع آدم عن الأكل من الشجرة التى نهاه الله تعالى عنها. كما امتنعت حواء معه عن الأكل من الشجرة امتثالاً لأمر الله، فاعتبر العلماء امتناع آدم وحواء عن الأكل من هذه الشجرة صياماً، استمر آدم وحواء فى صيامهم هذا عن ثمار تلك الشجرة حتى أغواهما إبليس. بينما ذكر القرطبى أن أهل التاريخ قالوا: أن أول من صام هو النبى نوح عليه السلام، حيث صام بعدما خرج من السفينة. من هنا نخلص أن الصيام بدأ وكتبه الله على جميع البشر وعلى جميع الأمم منذ خلق البشر، وهذا يؤكد أن الصيام بدأ من عهد آدم عليه السلام لأن الله سبحانه وتعالى كتبه على جميع الأمم، وذلك استناداً إلى قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). ودلالة الآية الكريمة وقول العلماء السابق أن الصيام قد فرض قديماً قبل عصر نوح عليه السلام ولم يختص بالفرضية إلا فى عهد رسول الله محمد عليه الصلام والسلام.
حكم الصيام: وهو فرض عظيم من الفروض التى شرعها الله سبحانه وتعالى لهذه الأمة، وهو أحد أركان الإسلام، وهو من العبادات التى تهدف إلى تزكية النفس ورياضتها، وفى ذلك صلاح حال المجتمع والفرد، وابتدئت الآيه الكريمة بالنداء لما فيه من إظهار للعناية بما سيتبع هذا الأسلوب من كلام مهم، إلا وهو فرضية الصيام فى رمضان خاصة وباقى أيام السنة عامة، وفى كلمة “كتب” أمر ملزم للمؤمنين، بل ويأتى هنا ركناً من أركان الإسلام. عن ابن عمر، قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: (بنى الإسلام على خمس، على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان).
يعتبر شهر رمضان من أعظم الشهور منزلة ومقداراً ونزلت فى شأنه آيات وتليت بحقه أحاديث شريفة وقبل الإسترسال فى الحديث عن هذا الشهر العظيم يجب أن نتوقف عن معنى كلمة رمضان فى اللغة العربية، فيذكر علماء اللغة أن لفظ “رمضان” على وزن فعلان ممنوعة من الصرف أى لا تنون وهى فى الأصل مصدر “رمض” بكسر الميم أو أنه من “الرمض” بتسكين الميم وهو مطر يأتى قبل الخريف يطهر وجه الأرض عن الغبار، والظاهر أن الدلالتين اللغويتين دالتان على حقيقة هذا الشهر فهو شهر المغفرة ومحو الذنوب كما أن هذا الشهر يغلب عليه الحر الشديد. وذكر ايضاً أنه سمى بذلك لأن الذنوب ترمض فيه، أي تحرق بالمغفرة وقيل لوقوعه أيام رمض الحر، أى شدته، وقيل أنه لما نقلت أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة الى هى فيها، فوافق رمضان أيام رمض الحر وشدته، فكان أسمه فى الجاهليه “ناتقاً”. وقد جمعه العرب على صيغ كثيرة فقالوا: رمضانات، ورمضانون، ورمضانين، وأرمضاء، وأرمضة، وأرمض، ورماض، وكثرة هذه الجموع تدل على كثرة استعهمالهم لهذه اللفظة المباركة.
ومما ذكروه حول هذه اللفظة ذلك الخلاف حول استعمالها فهل يجب دائماً أن تسبق بلفظة “شهر رمضان” فيقال شهر رمضان ولا يجوز أن تطلق عارية من لفظ شهر فيقال “رمضان”. ويستحب أن تسبق كلمة “رمضان” لفظة “شهر” فيقال “شهر رمضان” وليس رمضان مجرداً ومن أدلة ذلك قول الرسول صل الله عليه وسلم: (لا تقولوا: رمضان فإن رمضان أسم من أسماء الله تعالى ولكن قولوا: شهر رمضان).
الصيام عند الأمم السابقة: يذكر الأستاذ الدكتور جلال أحمد أبوبكر أستاذ الآثار والحضارة المصرية بكلية الآداب جامعة المنيا في كتابه “المتوارث من الحضارة المصرية القديمة”،
ان المصريون القدماء عرفوا الصيام، فكانوا يمتنعون عن أطعمة معينة في بعض المناسبات وكان صوم الكهنة مشابهاً للصوم عند مسيحي اليوم، وجاء مشابهاً لصوم رمضان والعشر الأوائل من ذي الحجة وأيام التشريق في الديانة الإسلامية.
وكانت كلمة الصيام لها تطور تاريخى كما يذكر د. رافد الخزاعى فى دراسة حملت أسم “التطور التاريخى للصيام” حيث أنها تتكون من مقطعين “صاو” بمعنى امتنع أو كبح والحرف “ام” هو حرف جر بمعنى من أو عن ليصبح المعنى “امتنع عن”. وذلك تحقيقاً لقول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). وهذا يعنى أن الصيام كان معروفاُ لدى السابقين منذ عصر الفراعنة.
أما عن أصحاب الرسالات كاليهود والنصارى فهم أيضاً يصومون ولكن بطريقة وأزمان مختلفة عننا نحن المسلمون، فاليهود يصومون ستة أيام فقط طوال العام ويكونوا فيها أقرب إلى الزهد والتقشف، فلا مأكل ولا مشرب ولا جماع واستحمام ولا تغيير ملابس وتعطر وتنظيف الإسنان والنوم على الأرض وعدم العمل وارتداء الاحذية منذ غروب الشمس إلى غروب اليوم التالى ويعفى من ذلك الأطفال والمرضى والنساء والحوامل.
ويختلف صيام النصارى باختلاف طوائفهم ومللهم فالشرقيون الأرذوزكس لهم الصيام الكبير ومقداره 55 يوم ينتهى بعيد الميلاد وكذلك صيام العذراء ومدته 14 يوم وغيرها ويتبعون نظاماً غذائياً بعيداً عن الدسم ويكون غالباً نباتياً، وفى بعض الطوائف مثل الروم يسمى أول يوم صيام بأسم “الأثنين النظيف” وعند الموارنة اسمه “اثنين الرماد”، أما سبب تسمية الأثنين النظيف عند الروم لأنه يأتى بعد أحد الغفران حيث يكون الإنسان نظيفاً من الخطايا وهو اليوم الذى لا زفر فيه من لحم وبيض وهو إلى اليوم يوم عطلة رسمية فى اليونان.