أخبار الرياضة

نبؤة بوتر الناقصة.. حين أساء ملاك تشيلسي الاستماع إلى علي ماهر

“بعض اللاعبين اضطروا للجلوس على الأرض أثناء اجتماعات الفريق. البعض الآخر كان يغير ملابسه في الممر الخارجي للغرفة. تشهد التدريبات تقسيمة 11 لاعبا ضد 11، وبجوارها 9 ضد 9 على الملعب المجاور”.

هذه ليست مبالغات ساخرة من الكم المهول للاعبي تشيلسي الجدد الذين تراكموا فوق القدامى ليشكلوا قائمة بالغة الضخامة كما وكيفا بالنسبة لفريق في المركز الحادي عشر للدوري الإنجليزي، بل وقائع ذكرها تقرير “ذا أثليتك” عن نهاية تجربة جراهام بوتر المأساوية له وللفريق.

الرجل الذي اعتاد عدد من لاعبيه السخرية منه في الخفاء بتسميته “هاري” أو “هوجوورتس” نسبة إلى روايات “هاري بوتر” الشهيرة، ربما لم يكُن موفقا بما فيه الكفاية، وربما لم يكن الرجل الأنسب للمهمة.

ربما نكون أمام مدرب واعد جديد سحقته ماكينة كبار الأندية، وربما يعيد اكتشاف نفسه مجددا في تجربة ملائمة له، ولكننا لسنا هنا لنحاول معرفة لماذا فشل بوتر فقط، بل لماذا سيفشل فرانك لامبارد حتما، ولماذا سيعاني المدرب القادم -على أقل تقدير لفظي ممكن- حتى يتمكن من مغادرة تلك الفوضى إلى واقع يشهد بعض الاستقرار.

فعلها سيفيروس مجددا

صاحب القوة لقهر سيد الظلام يقترب. يولد لهذين اللذين تحدياه 3 مرات. يولد مع موت الشهر السابع. يعرفه سيد الظلام كند له، ولكنه سيملك قوة لا يعرفها سيد الظلام. أحدهما يجب أن يموت على يد الآخر، فلا يمكن لأحدهما أن يحيى والآخر حي”.

كرة القدم ليست عادلة 100% مع المدربين. هل يمكن لوم إرنستو فالفيردي في برشلونة دون الحديث عن جوسيب ماريا بارتوميو؟ هل كان ذبح ستيف بروس في نيوكاسل جائزا بينما يفلت مايك أشلي؟ هل كان كل مدربي مانشستر يونايتد السابقين منذ فيرجسون مذنبين وحدهم دون شراكة من آل جليزر في أي إثم؟ هل يجب أن يتلقى يورجن كلوب العاصفة كلها وحده في نتائج ليفربول الحالية؟ ربما، فقد تعاقدت له “فينواي” مع أرتور ميلو.

علي ماهر مدرب فيوتشر كان يتحدث قبل بضعة أيام في مؤتمر صحفي تلى الإقصاء من كأس الكونفدرالية، فقال: “الأمر يتوقف على ما يريده النادي. سواء كان الهدف هو المنافسة على الدوري والبطولات الإفريقية، أو حتى الحصول عليهم، يجب التعاقد مع الصفقات اللازمة لذلك. أنا أعمل بما أملك، وإذا كنا نريد المزيد علينا أن نضيف المزيد من الجودة”.

الكلام في سياقه يبدو عقلانيا للغاية، فهذا فريق صعد لتوه إلى الدوري الممتاز في الموسم الماضي، حقق بطولته الأولى وتأهل إلى الكونفدرالية وأنهى الدوري في المركز الخامس. هل هناك ما ينتقص من دور علي ماهر إذا قُلنا إن هناك دور واضح في تلك القفزة للاستثمارات التي تمت خلال نفس الموسم الأول؟ إطلاقا.

في نفس المؤتمر يكمل الرجل ذاته: “لقد عملت كثيرا مع اللاعبين ولم يكن الأمر سهلا. لقد تعاقدنا مع لاعبين جيدين من الدرجة الثانية ولكن الأمر يتطلب الوقت للعمل الفردي معهم وإكسابهم هوية الفريق”. أرأيتم؟ تصعيد مستوى المنافسة بحاجة لإنفاق وجودة، ولكن هذا لا يعني أن الأمر ينتهي بمجرد شراء تلك الجودة.. ولكن أحدهم لم يكن ينصت جيدا للنصف الآخر.

للمفارقة، الحبكة الرئيسية لسلسلة روايات “هاري بوتر” -وهذا ليس إسقاطا آخر على جراهام- تقوم على مقابلة عمل في حانة بين ناظر هوجوورتس “دمبلدور” والمرشحة لوظيفة معلمة التنجيم “سيبيل تريلاوني”. بعد عرض غير مقنع على الإطلاق من المرشحة، هم الرجل بالخروج وهو أكثر اقتناعا برأيه المسبق: يجب إلغاء هذه المادة من الأساس.

وفجأة، تغير وجه المرأة وبدأت تهذي بكلمات النبؤة، بينما أمسك الساقي بتابع سيد الظلام آنذاك “سيفيروس سنيب” يتنصت عليهما في منتصفها، فطرده، ليهرع بدوره إلى سيده ويخبره بالنصف الذي استمع إليه. على الفور ظن “لورد فولدمورت” أنه يعرف كل ما يكفي، ففي نهاية المطاف كل ما يحتاج إليه هو تحديد رضيع ما ومن ثم اصطياده.

رضيع يولد مع موت الشهر السابع (31 يوليو) لأبوين تحدياه 3 مرات وأعرفه كند لي. عمل سهل، الشروط تنطبق على اثنين، أحدهما نقي الدم والآخر هجين، سأختار الهجين مثلي ثم أذهب لقتله. النتيجة؟ خسر فولدمورت جسده وظل هائما كطيف يقتات على أجساد ضعاف الحيوانات لـ 13 عاما حتى تمكن من استرداده. برأيك ماذا كان أول ما فعله بعد العودة؟ أفنى عاما في الخفاء يطارد ذاك النصف الآخر من النبؤة.

والآن، هل تريد أن تعرف من وراء كل تلك الفوضى في تشيلسي؟ ابحث عمن طُرد في منتصف مؤتمر علي ماهر، واشكرني لاحقا.

هؤلاء الذين يسمونها Soccer

نعم، هذا الثنائي الأمريكي تود بويلي وبغداد إقبالي. هذا الثنائي الذي اشترى النادي بفضل الحرب الروسية على أوكرانيا، التي وجدتها بريطانيا فرصة سانحة للتخلص من رومان أبراموفيتش.

هل يمكن القول بأنهما قد بخلا على النادي بأي شيء؟ إطلاقا، بل أرادا وبسرعة إثبات جدارتهما، فكم فريق تعرفه أنفق 550 مليون يورو في موسم واحد على التعاقدات الجديدة؟ ربما تجد، ولكنك حتما لن تجد فريقا أنفق 330 مليون يورو في يناير، هناك دوريات بأكملها لا تصل إلى هذا المبلغ في الشتاء.

المشكلة؟ صفقات الصيف تمت بالاتفاق مع المدرب الحالي آنذاك توماس توخيل. سوق انتقالات الصيف انتهى في 31 أغسطس 2022، بينما أقيل توخيل في 9 سبتمبر من العام ذاته. 9 أيام فقط. واحدة من تلك الإقالات التي ربما لا نسمع عنها سوى في باليرمو، ودعنا نكتفي بباليرمو.

جرى العرف على زيادة الخلافات بين المدرب والإدارة حين يطلب الرجل صفقة ولا يأتونه بها، ولكن في حالتنا تلك، قالت عدة تقارير إن أحد الأسباب الرئيسية للخلاف صفقة أرادها المالك ورفضها المدرب.. كريستيانو رونالدو بالطبع.

تود بويلي لم يعجبه ذلك، فكسر التقاليد المتبعة بتوجيه الشكر للمدرب وترك أسباب الإقالة للإعلام يتناقل منها ما صح وما لا أساس له، وخرج في مؤتمر صحفي ليفسر بنفسه هذا القرار:

“عندما تتولى أي نشاط تجاري عليك التأكد من موافقتك على من يديرون الشركة. توخيل موهوب للغاية وحقق نجاحا كبيرا، ولكن كانت رؤيتنا هي العثور على مدرب يريد حقا التعاون معنا. لم نكن متأكدين من أن توماس رأى الأمر بنفس الطريقة التي رأيناها بها. لا أحد على صواب أو خطأ، فقط لم يكن لدينا رؤية مشتركة للمستقبل”.

رحل توخيل وعرفنا جميعا أن بويلي كان على حق: لم يكن من الممكن أن يشاركهم المدرب الألماني تلك الرؤية أيا كانت. على كل حال، قرر المالكان بمصادفة ما أن الاسم أكثر رواجا عبر شبكات الإنترنت هو الشخص الذي يشاطرهما الرؤية المزعومة، وبالتالي تم التعاقد مع جراهام بوتر، بلا فترة إعداد، بلا وقت كاف، بصفقات أكثر وأكبر تكلفة في يناير لأننا اتفقنا مسبقا أن الحل دائما في الشراء وفقا للنصف الأول من النبؤة، وبغرفة ملابس تشبه حافلة نقل عام في ميدان رمسيس وقت الذروة.. يا إلهي لا أعرف حقا كيف فشل.

ما بني على باطل

“كل هذا الانهيار يقع على عاتقك. كان لدينا شيء جيد. كان لدينا كل ما نحتاجه وكل شيء يسير كالساعة. كان يمكنك أن تغلق فمك وتجني ما يفوق حاجتك من المال. كل شيء كان مثاليا ولكن لا، كان يجب أن تدمره أنت وفخرك وأنانيتك. كان يجب أن تكون “الرجل”. إذا قمت بعملك وعرفت مكانك لكان كل شيء بخير الآن”.

أمامنا رجلي أعمال فاحشي الثراء، مكنتهما أموالهما من الحكم على مدرب فاز بدوري أبطال أوروبا قبل عام وبضعة أشهر من إقالته والتعاقد مع آخر قبل أن يضطرا لاحقا لإقالته، بعد إضافة 13 لاعبا جديدا لقائمة الفريق في موسم واحد. وكأي مستثمر يريد رؤية ثمار مشروعه العزيز، واصلا مراقبة الفريق عن كثب، ليس بحضور المباريات فقط، بل بحضور التدريبات باستمرار.

تقرير “أثلتيك” عرض تلك النقطة ضمن غرائب حقبة بوتر، فأي مالك يجلس فوق رؤوس اللاعبين خلال المران؟ ولكن صدقا، هذه أموالهما ويريدان مشاهدتها تركل الكرة، ما مشكلتكم في هذه الرياضة الغريبة؟ ألم يقُل يوهان كرويف أنه “لم يرَ حقيبة أموال تسجل هدفا من قبل”؟ أين هو الآن؟

إنه في قبره، ولكن الحقائب لم تسجل بعد. تشيلسي سجل 29 هدفا في 30 مباراة بالدوري الإنجليزي، أقل مما تلقاه بهدفين حتى الآن. لماذا؟ لأن الأمر ليس بتلك البساطة، ولكنه بتلك البساطة..

ربما تكون العملية معقدة ومرهقة وطويلة الأمد في التنفيذ، ولكن العناوين الكبرى نعرفها جميعا: كل فريق بحاجة لمدرب يضع خطة عمله، وتتم التعاقدات بناء على الاحتياجات التي يحددها، ثم يحتاج هذا الفريق لفترة إعداد حتى يعتاد على أفكار مدربه بينما يقيس المدرب نفسه مستوياتهم ليتأكد من القوام الأساسي الذي سيبدأ به الموسم ثم يصنف البدائل، ثم يبدأ العمل الحقيقي، وإن وجد أخطاء يواصل تصحيحها حتى ينتهي الموسم ويحين الموعد الفعلي لتقييمه بناء على معطيات متماسكة ما لم تحدث كارثة حقيقية تستوجب التغيير في منتصف الموسم.

للوصول إلى ذلك القوام يحتاج المدرب لوقت يسمح له بالعمل المكثف مع أهم الأفراد الذين يحتاجون للعمل الفردي، هؤلاء الذين يعرف أنه سيحتاج إليهم كثيرا على وجه الخصوص، وهؤلاء الذين يجهزهم لأوقات لاحقة، وهؤلاء الذين يواجهون المشاكل تستوجب معاملة خاصة.. يقول لك “أثلتيك” أن بعض اللاعبين افترشوا الأرض في اجتماعات الفريق، أي جلسات فردية تلك التي تمكن بوتر من عقدها؟ لو خصص الرجل 10 دقائق فقط لكل لاعب في هذه القائمة لاحتاج قرابة 5 ساعات ونصف.

وجد بويلي وإقبالي الحل أخيرا: عملية بحث مطولة ودقيقة للغاية لاختيار المدرب المناسب في بداية الموسم الجديد. هذه خطوة حقيقية على الطريق الصحيح، فما دمنا غير متخصصين، نحن بحاجة لمتخصص يصلح هذه الفوضى. ولكن ماذا حتى نجده؟ المؤقت هو الحل.

في موسم مدمَّر تماما كموسم تشيلسي، أي مؤقت سيفي بالغرض، ولكن لأن الثنائي الأمريكي أكثر تميزا من ذلك، تم التعاقد مع فرانك لامبارد، أسطورة النادي الذي عمل قبل عامين مع كل من لم يشتريهم الملاك الجدد تقريبا. هذا كفيل ببث الروح داخل الفريق، وربما معجزة ما قد تقوده لتحقيق شيء في الأمل الأخير بهذا الموسم: مواجهة ريال مدريد في دوري الأبطال.

ولكن تشيلسي لا يملك هذا الإرث التاريخي من الأساس. صدقا لو جمع النادي أساطيره المتوجين لكفتهم غرفة الملابس التي لم تتسع لقائمته الحالية. ولتزداد المفارقة سوءا، فإن آخر مدرب أقيل من تدريب تشيلسي بعد دفعة تعاقدات كُبرى مرة واحدة -وبعد عقوبة حرمان من الانتقالات وبالتالي كان ضخا مبررا- هو فرانك لامبارد نفسه. 7 صفقات حصل عليهم في بداية موسمه الثاني بقيمة 250 مليون يورو تقريبا، والنتيجة كانت إقالته في يناير.

مزحة لامبارد الأولى بعد عودته إلى كانت “ألا تزال كلمة سر الإنترنت كما هي”؟ هذه ليست مزحة، إنه بحاجة لقائمة الفريق أمامه طوال الوقت كي يعرف أي فوفانا يخاطبه.

كل شيء مرهون الآن بعملية البحث المطولة التي ينتهجها المالكان، فهي السبيل الوحيد لإنقاذ المشروع وتحويله إلى كيان متماسك، صحيح سيعني ذلك التخلص من عدة لاعبين، بعضهم من الصفقات الجديدة بالطبع، ولكن في نهاية المطاف سيكون هناك أساس واحد وواضح لما يحدث في ستامفورد بريدج، وحينها سيصبح من الممكن محاسبة أي مدرب كما يُحاسب المدربون.

أما لو فعل لامبارد ما فعله روبرتو دي ماتيو في 2012 حين حقق دوري الأبطال كمدرب مؤقت فنال فرصة كاملة، سيكون الأمر أكثر متعة بلا شك.. أولا لأنه سيعني أن “عملية البحث المطولة لم تكن سوى مجرد أكذوبة أخرى كـ “الرؤية المشتركة”، وثانيا لأن الكل يستدعي مثال دي ماتيو بما فيه من مداعبة الأوتار المحببة للجماهير، لدرجة أن لامبارد سُئل عن ذلك في مؤتمره الأول، ولكن لأننا نأخذ من القصص ما يروق لنا فقط، هل تعرف ماذا حدث بعد أن توج دي ماتيو بالبطولة الأوروبية الأغلى؟ أقيل في نوفمبر التالي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *