جمال عبد الناصر يكتب: خالد يوسف مكسب للدراما التليفزيونية
لا أجد أي مبرر موضوعي في الهجوم الذي بدأ ممنهجًا على مسلسل “سره الباتع”، فكل المهاجمين لم يستندوا في هجومهم لنقد علمي فندوا لنا من خلاله ما يرصدونه من انتقادات، لكنهم جميعًا ترصدوا العمل وركزوا في الـ”راكور”، وبعضهم نال هجومه كتصفية حسابات مع مخرج العمل نفسه ليس إلا، واعرف بعضهم الذي وجه سهامه لاختلافه فكريًا أو مذهبيًا مع خالد يوسف، واستغل بيان الموسيقار راجح داود ووجه سهامه نحو خالد يوسف بلا وعي بتفاصيل الأزمة.
خالد يوسف مخرج مبدع يعيش ذائقة فنية في كل أعماله السينمائية التي قدمها، و له دائمًا رؤية وفكر، فهو لا يخرج عملا إلا عن اقتناع، وبجانب الإخراج يكتب بعضًا من أفلامه أو يشارك في الكتابة، فهو صانع سينما حقيقي وكان له تأثير كبير في صناعة السينما، واعتقد أن تأثيره سيستمر إذا عاد مرة أخري للسينما لأنه مخرج يحمل شفرته الخاصة فيما يصنع من أفلام.
دخول خالد يوسف للدراما التليفزيونية مؤكد أنها تجربة محفوفة بالمخاطر، لكنه من وجهة نظري نجح فيها بشكل كبير، فقد صنع لنا عملاً ضخمًا مأخوذ عن رواية أدبية لكاتب كبير في حجم يوسف إدريس، أعاد كتاباتها من وجهة نظره وهذا حقه، ونختلف أو نتفق مع رؤيته التي قدمها، لكننا لابد أن ندعمه في تلك التجربة لأنها بها الكثير من العناصر الإيجابية والناجحة، فمثلاً سنجد أدارته للمثلين واختيارهم فيها عبقرية واحترافية وبعد نظر، اختياره مثلاً للنجم أحمد عبد العزيز في شخصية “الشيخ شهاب” وضعت أحمد عبد العزيز في منطقة جديدة من التمثيل والأداء فأعاد اكتشافه، ومثله خالد سرحان وأحمد صلاح السعدني وحنان مطاوع وهالة صدقي وأيمن الشيوي وحسين فهمي ومنة فضالي، وغيرهم في العمل الكثير من الممثلين الذين لمعوا من جديد.
خالد يوسف في “سره الباتع” قدم لنا عملاً ضخمًا به جانب تاريخي وجانب عصري، ربما يكون التاريخي بالنسبة لي هو الأفضل والأكثر نجاحًا، لكنه أيضًا من خلال الجانب العصري قدم لنا رؤيته لفترة زمنية عشناها ولم نكن نرى الكثير من الحقائق وقتها لكنه رصدها ووثقها، ونجح في الاشتباك بالواقع مع الإسقاط علي التاريخ، فما أشبه الليلة بالبارحة، وهو من بيت أولُه: كُلُّهُمُ أرْوَغُ من ثَعْلَبٍ .. مَا أشْبَهَ الَّليْلَةَ بِالبَارِحَهْ
خالد يوسف مكسب للدراما التليفزيونية مثلما كان مكسبًا للسينما، ولذا يجب أن ندعمه ولا نحبطه أو نهاجمه لمجرد تصفية حسابات شخصية او اختلافات في الأفكار والرؤي، فخالد يوسف من وجهة نظري، أضاف للدراما التليفزيونية، أضاف إليها الصورة السينمائية التي كنا نفتقدها ، وأضاف الإيقاع المنضبط، وأضاف اختيار الممثلين وتسكينهم في الأدوار المناسبة ، وأعاد اكتشاف ممثلين في مناطق هم أنفسهم لم يتوقعوا أن يقدموها، وغيرها من الإضافات والمكاسب، وحتي لو كان لنا ملاحظات علي العمل لكن المجمل في التجربة أنها تجربة ناجحة وثرية ومليئة بالأحداث والدراما المشوقة.