السفير حجازى: زيارة بلينكن للمنطقة طوق النجاة الأخير لمنع اندلاع صراع إقليمى
قال مساعد وزير الخارجية الأسبق،السفير الدكتور محمد حجازى، إن زيارة وزير الخارجية الأمريكى أنتونى بلينكن، الرابعة خلال ثلاثة أشهر إلى المنطقة، هى طوق النجاة الأخير لكل من الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، لمنع اندلاع صراع إقليمى بالشرق الأوسط وخفض التوتر وطرح رؤية لما بعد حرب غزة.
وأضاف السفير حجازي، في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط اليوم الأحد، أنه آن الأوان لكي تضع جولة وزير خارجية أمريكا الحالية، إلى كل من تركيا واليونان والأردن وقطر والإمارات والسعودية وإسرائيل والضفة الغربية ومصر، حدًا لفشل الحكومة الإسرائيلية في إدارة الأزمة، وتدفع بالتحرك طبقًا لأسس باتجاه مشهد سياسي يفضي إلى وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى وإدارة القطاع وفقًا لرؤية فلسطينية موحدة مع الضفة الغربية وإعادة الإعمار بغزة والسير باتجاه آلية سياسية تقود لحل الدولتين، وهي الرؤية التي طرحتها مصر على الأطراف ومتداولة حاليًا.
وأكد مساعد وزير الخارجية الأسبق أن زيارة بلينكن للمنطقة، بآفاقها السياسية وأفكارها ومقترحاتها المأمولة، تحمل في طياتها الأمل الوحيد لانتشال إسرائيل بل والمشهد برمته من هذا المسار المدمر وغير الأخلاقي، والذي يثقل الرأي العام العالمي المتيقظ، ويعيد الرشد تدريجيًا للحكومات الغربية المتواطئة.
واعتبر أن تلك الزيارة قد تكون مدخلًا يسهم في إنجاح حملة الرئيس الأمريكي جو بايدن الرئاسية، الذي عليه أن يدرك أنه إذا ساهم في حل الأزمة الراهنة، كما فعل الرئيس السابق جيمي كارتر في التوصل لاتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية، سيكون هذا هو الرصيد الوحيد الباقي له سواء داخليًا أو خارجياً لنيل الثقة الدولية، وسيساعد حملته الانتخابية لتحقيق أهدافها، أما بقاؤه (بايدن) في هذه المساحة المهينة والمدمرة لدور ومكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم، والتي قاد فيها مشهد الحرب لكل هذا الدمار والقتل والتواطؤ مع إسرائيل، سيؤدي إلى نزول شعبيته لأدنى حد مع بداية عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية والمقرر لها نوفمبر القادم.
وأوضح أن واشنطن أعطت لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كل ما يحتاجه من وقت، ودعم لوجستي وعسكري، ومساهمة في إدارة المعركة، وحماية بالأساطيل البحرية، وإسناد دبلوماسي غير مسبوق في الأمم المتحدة، وتجييش دول أوروبية وراء الموقف الإسرائيلي، إلا أن نتنياهو لم ينجح في تحقيق الأهداف التي كان مقدرا فشلها منذ البداية سواء فيما يتعلق بالإفراج العسكري عن الرهائن أو القضاء على حركة المقاومة بقطاع غزة.
ورأى أن الولايات المتحدة الأمريكية تعلم أن مصالحها الاستراتيجية باتت مهددة بالمنطقة، وأن جولة بلينكن الشرق أوسطية تستهدف طرح رؤية تقود إلى التهدئة ووقف إطلاق النار وتبادل الأسرى المتبقين وتهيئة الأجواء لحكومة ما بعد المعارك، وبحث مستقبل القطاع والقضية الفلسطينية، والأهم إفشال مخطط التهجير القسري أو الطوعي.
ونبه بأن “نتنياهو” يستدرج المشهد لمزيد من التعقيد والديمومة وتوسيع نطاق الحرب، خاصة أنه يعلم أن أمره قد انتهى في اليوم التالي لانتهاء الحرب، علاوة على ما ينتظره من مساءلات قانونية سواء في جرائمه الداخلية أمام القضاء الإسرائيلي، أو دوليًا لمقاضاته على تكلفة ما حدث من النواحي الإنسانية والذي يؤهله للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية، حيث تكتمل أركان جريمة الإبادة الجماعية في النية المبيتة ضد الفلسطينيين، واستخدام أدوات التطهير العرقي سواء كان في القصف الجوي المريع على قطاع غزة أو في منع الدواء والغذاء والطاقة ضد شعب أعزل خاصة في فصل الشتاء، وقتل ما يقارب 23 ألف مدني من بينهم نحو 13 ألف طفل.
وذكر في هذا الشأن بأن محكمة العدل الدولية بلاهاي ستعقد جلسات استماع في الفترة من 11 إلى 12 يناير الجاري بشأن الدعوى القضائية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بسبب “أعمال إبادة ضد الشعب الفلسطيني” في قطاع غزة، وذلك وسط تضافر كل القدرات القانونية، لاسيما أن المذابح الإسرائيلية ضد المدنيين الأبرياء في قطاع غزة تم تصويرها وتوثيقها من قبل أطراف عديدة وشاهد العالم أجمع بفضل تطور وسائل الاتصال الحديثة.
وتابع أن هذا الفشل يضاف إلى حالة الاضطراب التي تعيشها حكومة الحرب والحكومة الإسرائيلية ومحاولتهما إلقاء اللوم على بعضهما البعض، ما يوحي بقرب انهيار الموقف الداخلي في إسرائيل تحت وطأة عدم تحقيق الأهداف العسكرية، ووسط حالة الانقسام وتبادل اللوم والاتهامات التي أظهرت الانقسامات، مستشهداً في هذا الصدد بتحذير رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي من عدم الزج بالأهداف السياسية في المعركة العسكرية، وكذلك والأخطر هو محاولة نتنياهو إطالة أمد الصراع مع استدراج المجتمع الدولي لمشهد قد تتسع فيه دائرة المواجهة من لبنان إلى البحر الأحمر، الأمر الذي يهدد الملاحة الدولية والتجارة العالمية ودولة اليمن وربما إيران.
وسلط الضوء على الضغوط الاقتصادية المؤثرة، بسبب استمرار الحرب لعدة أشهر، والذي لا يتحملها الاقتصاد الإسرائيلي؛ إذ يعتمد في جيشه على منظومة الاحتياط التي حرمت الاقتصاد من موارده البشرية، علاوة على موقف إسرائيل من العمالة الفلسطينية التي أدت لاضطرابات بالعديد من القطاعات داخل إسرائيل، مؤكدًا أن حكومة نتنياهو لا تستطيع الصمود في حرب طويلة، فضلًا عن أن صواريخ المقاومة ما زالت تطال مدنها، وتكبدها الأعمال الفدائية خسائر على الأرض في نزيف تدريجي مؤثر عسكريًا ومعنويًا.
واعتبر أنه آن الأوان لدفع الحكومة الإسرائيلية لمشهد أكثر عقلانية لا سيما، أن الوضع الإقليمي بات مهيئاً للانفجار بعد اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري في بيروت، ما يؤهل الشرق الأوسط لمزيد من التوتر، بالإضافة لحالة المواجهة المكشوفة ضد حزب الله، وعمليات التفجير في إيران التي ستكون لها توابع غير محمودة على المنطقة.
وشدد على أن مصر تسعى من خلال مجموعة الأفكار التي طرحت على الجانبين إلى وقف إطلاق النار في هدنة مستدامة تقود لتبادل الرهائن والأسرى وتنتقل من خلال الحوار بين الفصائل الفلسطينية إلى إدارة فلسطينية مشتركة للضفة والقطاع، تحت إشراف السلطة الوطنية الفلسطينية، بتراضٍ مع باقي الفصائل، للتفرغ أولًا لمواجهة الكارثة الإنسانية المستمرة وتبادل الأسرى، وبدء جهود إعادة الإعمار، وتضميد الجروح العديدة ورعاية أبناء القطاع، على أن يترك موقف سلاح المقاومة لحين التوصل للحل النهائي.
وأشار السفير حجازي إلى أنه إذا ما صدقت نوايا حل الدولتين، فالتعامل مع هذا الملف سيكون ممكنًا، وتتصدر الإدارة الفلسطينية الموحدة المشهد السياسي والبناء، وتبقى المقاومة رصيدًا للدولة الفلسطينية، وعلى السياسيين التصدي لأعباء وتحديات هذه المرحلة.
واختتم مساعد وزير الخارجية الأسبق بأن مخططات إسرائيل للتهجير القسري للفلسطينيين قد باءت بالفشل، بفضل الإرادة الفلسطينية وموقف مصر الصارم وتحركاتها إزاء هذا المخطط، معرباً عن ثقته في أن محاولات الزج بقضية “التهجير الطوعي” ستبوء أيضًا بالفشل؛ نظرًا لكونها جريمة من جرائم الحرب لن تقبل أي دولة بالعالم التورط فيها، محذرًا في الوقت ذاته، من أن المخطط لم ينته بعد؛ فالمشهد ينم أنه تجاوز حدود الانتقام إلى النفاذ لمخطط كان معدا سلفًا وليس وليد اللحظة، ولذلك يجب الإسراع وتثبيت أبناء غزة والانتقال على الفور للإعمار الشامل وطرح رؤية سياسية لحل الدولتين قابلة للتنفيذ في نطاق زمني محدد ووفقًا لاتفاقيات مؤمنة دوليًا وتعهدات مُلزمة لإسرائيل.