آراء وتحليلات

المذهب الحنفى بين الشريعة والقانون

الدكتور: السيد مرسي
منذ أيام قليلة شهدت محاضرة رائعة برواق الازهر بالإسكندرية لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد خليفة البدري أستاذ الفقه الحنفى بجامعة الازهر والمحاضر برواق الازهر بالإسكندرية من خلال أسلوبه الرائع المتميز عن الفقه الحنفى، حقا لقد أثار لدينا شغف لمعرفة المزيد حول الفقه الحنفى.
وقد أشار إلى المقدرة الفائقة التي كان يتمتع بها الإمام أبي حنيفة النعمان الكوفي المتوفى عام150هـ ، في إعمال الرأي والقياس، مع التوّسع في الحيل الفقهيّة ويُقصد بالحيل التي يتوسّع فيها المذهب الحنفي الخروج من المضائق، دون تحليل حرام، أو تحريم حلال، ولا تشتمل على إسقاط فرض أو تنصّل من واجب ، حيث أن الفقه التقديري يُقصد به افتراض المسائل وتقدير وقوعها قبل أن تقع، والنظر في أحكامها حتى يكون العالم على بصيرة منها عند وقوعها، وتتميّز المسائل التي يفترضها المذهب بالواقعيّة، ولم تكن فروضًا بعيدة، وكان الإمام ينكر فرض مسائل يستحيل وقوعها، لعدم الفائدة في النظر فيها والبحث عن جوابها، وقد تولى أبو حنيفة القضاء لثلاثة من الخلفاء (المهدى و الهادي و الرشيد ) فكان ذلك بداية العصر الذهبى للمذهب الحنفى حيث أصبح أبو يوسف قاضى القضاة ، وكان لا يولى منصب القضاء إلا من كان حنفيا .
من أجل ذلك أصبح هذا المذهب من أوسع المذاهب الفقهيّة إنتشارًا وإتباعًا في البلاد الإسلاميّة قاطبة، و انعكس ذلك بشكلٍ واضح على كثرة مصنفاته ما بين متون ومختصرات، وحواشٍ وتعليقات وفتاوى، لعلماء الحنفيّة المتقدمين منهم والمتأخرين، ونذكر في هذا المقال بعض المؤلفات المُعتمدة في الفقه الحنفي اللباب في شرح الكتاب عبارة عن شرح لمختصر القدورى في الفقه الحنفى للعلامة عبد الغنى الغنيمى الدمشقي ، وتحفة الفقهاء: للمؤلف أحمد بن محمد السمرقندي ، وبدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: للمؤلف علاء الدين الكاساني الحنفى وغيرها من المؤلفات .
ومن هنا نشير الى أن كلا من المشرع والقضاء المصرى والفقه أتجهوا صوب هذا المذهب ، على سبيل المثال لا الحصر ما جاء بالقضية رقم 10 لسنة 5 بالمحكمة العليا “الدستورية ” عند دفاعها عن نص “المادة الثانية من المرسوم بقانون 25 لسنة 1929 والذى يستند على أرجح الأقوال في مذهب أبى حنيفة وهو المذهب الواجب تطبيقه نزولا على حكم المادة 280 من المرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 المشتمل على لائحة ترتيب المحاكم الشرعية ، وجاء في منطوق الحكم ” بأن هذه المادة 280 تقضي بأن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع – فهي تستهدف توجيه الشارع إلى إستلهام قواعد التشريع من مبادئ الشريعة الغراء، أما تخير المشرع مذهباً دون مذهب أو أرجح الأقوال في مذهب من المذاهب وإلزام القضاء التقيد به – فهو من المسائل التي يترخص فيها بسلطة تقديرية وفقاً لما يراه ملائماً لظروف المجتمع بلا معقب عليه في تقديره، وليس صحيحاً ما تقوله المدعية (صاحبة الدعوى ) من أن ولي الأمر لا يملك تقييد القضاء بمذهب دون سواه، إذ يسوغ للشارع – بما له من سلطان – أن يجمع الناس على رأي واحد يرفع به الخلاف ويقيد به القاضي كي ينزل الجميع على حكمه ويأثم من يخالفه لأن طاعة ولي الأمر واجبة فيما ليس فيه مخالفة للشرع ولا معصية، وأساس هذا الجمع هو تيسير تعريف القاضي والمتقاضي على السواء بما يحكم أعمال الناس من قواعد، تحقيقاً لاستقرار العلاقات وثبات الأحكام وإرساء للحق والعدل والمساواة”.
مما سبق يتبين بجلاء ان العديد من القوانيين المدنية في مصر، تعمل بالمذهب الحنفي، رغم اختلاف المذاهب المعمول بها في البلاد، فالمذهب السائد في شمال مصر هو المذهب الحنفي، بينما يستند جنوب مصر وعموم الصعيد إلى المذهب المالكي، ورغم ذلك فإنّ جميع المعاملات من الزواج والطلاق والبيع والشراء تستند إلى مذهب واحد وهو مذهب الحنفى ، رغم هذا الاختلاف الواضح والبين بالمذاهب الفقهية في كثير من الأحكام والفروع وفق أسباب علمية وموضوعية اقتضته.
وفى الأخير فإن هذه الثروة الفقهية التشريعية نعمة من المولى عز وجل تجعل الأمة الإسلامية في سعة من أمر دينها وشريعتها، فلا تنحصر في تطبيق شرعي واحد، بل يجوز الخروج عن مذهب أحد الأئمة الفقهاء إلى غيره من المذاهب إذا وجدت في المذهب الآخر سعة ومرونة ، حفظ الله الازهر جامع وجامعة ومعهد ورواق فهو حصن الحصين للمسلمين ، الذين لهم قبلة واحدة يتجهون إليها فى كل صلاة وهى الكعبة المشرفة وكذلك لهم كعبة واحدة يتجهون إليها من أجل العلم هى الازهر الشريف.، حفظ الله فضيلة الإمام الأكبر /شيخ الأزهر ، وفضيلة الأستاذ الدكتور / عبد المنعم فؤاد المدير العام للرواق الأزهرى .
وإلى اللقاء : دكتور / السيد مرسى

 

 

مقالات ذات صلة