إنتصارغزة ولا عزاء للصهاينة
د. السيد مرسي
اليوم مضى 128 يوماً بالتمام والكمال على بدء العدوان الإسرائيلي على غزة بعد عملية “طوفان الأقصى” أربعة أشهر وثمانية أيام من القصف العشوائي على القطاع خلّف حتى الآن أكثر من 28340 من القتلى، ثلثاهم من الأطفال والنساء وغالبية الباقين من المدنيين العزل، وأكثر من مئة وخمسون ألف جريح وأكثر من مليوني نازح في العراء والبرد من دون غذاء أو ماء أو ملاجئ، يعانون الجوع وانعدام الخدمات وانتشار الأوبئة. تقول الأمم المتحدة إن ربع سكان غزة، أي نصف مليون إنسان، سيموتون من الجوع والأمراض خلال عام 2024 ما لم تتوقف الحرب ويهب العالم لتقديم المساعدات لهم. الخسائر المادية ودمار البنى التحتية يمكن اختصارهما بأن غزة تحولت إلى خرائب غير قابلة للسكن الآدمي.
128 يوماً والعالم يتفرج على جريمة تطهير عرقى ضد أكثر من 2 مليون فلسطيني يعيشون في قطاع غزة وتفرض عليهم قوات الاحتلال أحد الخيارين لا ثالث لهما – إما الموت بالقصف والتجويع والتعطيش والحرمان من العلاجات والأدوية خاصة في فصل الشتاء، أو المزيد من الفرار من خلال نزوح متواصل على طريق تهجيربالقوة، في دوامة نزوح متواصلة بدأت من شمال قطاع غزة باتجاه وسطه، ومن ثم النزوح من وسط قطاع غزة الى جنوبه، والنزوح كما هو حاصل الأن من مناطق الجنوب باتجاه مدينة رفح التي أصبحت أعلى كثافة سكانية بالعالم على الإطلاق، في ظل ظروف غير إنسانية وكارثية وغير آمنة وبدون مأوى بمن فيهم النساء والأطفال والمرضى وكبار السن، بما يعني أن تعميق النزوح وهو الوجه الآخر لعملة الموت والقتل نفسها”.والان يتم إهمال القتل والهدم في رفح العزة والكرامة.
منذ سنوات كتب الشاعر الإسرائيلي “يعقوب تالمون” قصيدة ساخرة رفض التلفزيون الإسرائيلي إذاعتها حينها، وتحدثت عن الورطة الكبيرة التي تعيش فيها دولة الاحتلال، وهي ورطة تبدو صغيرة من بعيد، لكنها بمرور الزمن تكبر أكثر فأكثر حتى تصبح أكبر من أن يستوعبها الصهاينة أنفسهم، وتدور أحداث القصيدة، كما ذكرها الدكتور “عبد الوهاب المسيري” في مقالة له بعنوان “عندما تتحول الصهيونية إلى نكتة”، في صالون تجلس فيه أسرة من 3 أشخاص، أب وأم وابن، ورابعهم جندي صهيوني، كل ذلك داخل مستوطنة مسلحة. حين يندلع حريق خارج المنزل، لا تُلقي الأسرة ولا الجندي بالا للحريق، بل يناقشون ببرودة الوضع الذي يعتبرونه جيدا، غير آبهين بإمكانية دخول أي جمرات نارية إلى منزلهم، فحتى إن دخلت هذه الجمرات، فسيكون التعامل معها أمرا سهلا للغاية. ولكن على عكس المأمول والمرغوب، تحوَّلت الجمرات بسرعة إلى نيران أكلت المنزل وسط ذهول الجميع .
أثبتت السنون أن هذه القصيدة الساخرة ما هي إلا نسخة من الوضع الحقيقي، الذي برهن لنا غير ما مرة على قدرة المقاومة على تحويل الجمرة الصغيرة إلى نار عظيمة، تأكل أجزاء من الأراضي المحتلة، وسط صدمة إسرائيل وباقي العواصم الغربية التي تدين للأخيرة بالدعم اللا مشروط.
120يوما لم يستطيع الاحتلال أن يقدم صورة “ نصر” واحدة ولو ادعاءً، بينما يتكبد خسائر كبيرة جداً تفوق ما يضطر لإعلانه في الجنود والضباط والعتاد والآليات، وبإحراج إعلامي واضح بسبب توثيق المقاومة لعملياتها ومصداقيتها المكتسبة في هذا المجال، إضافة لمعنوياتها العالية فيما يصدر عنها من تصريحات، ومؤشرات سلامة بنيتها العسكرية وقدرتها على السيطرة وإدارة المعركة، ولعل قرب الإعلان عن صفقة لتبادل الأسرى وفق شروط المقاومة مما يعزز هذا التقييم إذ يحمل دلالة خضوع الاحتلال لشروط المقاومة .
حفظ الله أهل غزة وأهلها، ورفع قدرهم في الدارين وهم منصورون على الدوام بإذن الله بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم
وإلى اللقاء : دكتور / السيد مرسى