وزير الأوقاف: التوجه نحو بيت الله الحرام في الصلاة هو عين الاتباع الذي لا تصح الصلاة بدونه
قال محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، إن القبلة تعني الوجهة التي يتوجه إليها الإنسان وهي في صلاتنا بيت الله الحرام، وقد صلى نبينا (صلى الله عليه وسلم) تجاه بيت المقدس كما أمره ربه (عز وجل) نحو ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا، وكان يقلّب وجهه في السماء رجاء أن يمن الله (عز وجل) عليه بالتوجه نحو المسجد الحرام ، فنزل قوله سبحانه: “قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ” (البقرة : 144)، وعلى الفور تحول النبي (صلى الله عليه وسلم) وتحول أصحابه معه إلى بيت الله الحرام، حتى إن من كانوا يصلون في مسجد القبلتين عندما جاءهم الخبر في صلاة العصر وقد صلوا ركعتين تحولوا في الصلاة ذاتها فأتموها تجاه المسجد الحرام.
وأضاف جمعة في بيان له، لكن كيف نجمع بين حتمية الاتباع الواردة في قوله تعالى: “فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ” وقوله تعالى: “وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ” (البقرة : 150)، التي تلزم المسلم أن تكون قبلته أين كان وأنى سار تجاه بيت الله الحرام، حيث يعد استقباله القبلة شرط صحة لا تصح الصلاة بدونه، كيف نجمع بين ذلك وبين قوله تعالى: “لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ “(البقرة : 177).
وأكد جمعة أن التوجه نحو بيت الله الحرام في الصلاة هو عين الاتباع الذي لا تصح الصلاة بدونه ، لكن الآية الأخيرة جاءت ردًا على من قالوا: ما الذي حوّل محمدًا (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه عن قبلتهم التي كانوا عليه، وأخذوا يفاضلون بين التوجه إلى بيت المقدس والتوجه إلى بيت الله الحرام، فجاءت الآية لتؤكد أن الأفضلية لا تتعلق بالتوجه إلى هنا أو هناك، إنما هي في اتباع أمر الله حيث أراد، فمن توجه إلى بيت الله الحرام حيث أمر بالتوجه إلى بيت المقدس لم يقبل منه، ومن توجه إلى بيت المقدس حيث أمر بالتوجه إلى بيت الله الحرام لم يقبل منه، فالعبرة بالإيمان واتباع الأمر واجتناب النهي لا بذات التوجه.
وذلك إضافة إلى معنيين آخرين: أحدهما الربط الوثيق بين المسجدين، حيث يظل المسلمون يذكرون إلى يوم القيامة أن المسجد الأقصى هو أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) وموضع معراجه، فقد ربط القرآن الكريم بين المسجدين برباط وثيق سواء في قضية تحويل القبلة أم في رحلة الإسراء والمعراج، حيث يقول الحق سبحانه: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” (الإسراء :1).
الأمر الثاني: التأكيد على أن العبرة ليست في مجرد توجه الجسد مع غياب القلب، إنما العبرة الحقيقية بأثر هذا التوجه على السلوك العملي.
وأوضح أن البر الحقيقي في حسن الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين، وإيتاء المال – على حبه والتعلق به- مستحقيه من ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ابتغاء مرضاة الله تعالى، مع وفاء الإنسان بعهده وصبره على الشدائد، وعلى الطاعة حتى تؤدى، وعن المعصية حتى تجتنب، أما أن يتوجه الإنسان بجسده ويحرص على الجانب الشكلي للعبادة مع عدم تأثيرها في حياته فهذا عمل المتاجرين بدين الله (عز وجل).
وتابع: “ثم إن علينا أن نقف عند متطلبات ومقتضيات التحول والتغيير في حياتنا المعاصرة، فنتحول من الكلام إلى الفعل، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن الغفلة إلى التذكر، ومن الركون إلى الراحة والكسل إلى الجد والعمل، ومن السلبية إلى الإيجابية، ومن الهدم إلى البناء، ومن التخريب إلى التعمير، ومن الفساد والإفساد إلى الصلاح والإصلاح، ومن سفك الدماء إلى الحفاظ على حرمتها، ومن انتهاك الحرمات، أو الاعتداء على الأموال، أو الأعراض إلى المحافظة عليها، ومن القطيعة إلى الصلة، ومن العداوة والبغضاء والشحناء إلى العفو والصفح والتراحم، فليلة النصف من شعبان ليلة العفو والصفح والمغفرة، إلا المتخاصمين والمتشاحنين، فعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، عَنِ النَّبِيِّ (صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: “يَطْلُعُ اللَّهُ إِلَى خَلْقِهِ فِي لَيْلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِجَمِيعِ خَلْقِهِ إِلَّا لِمُشْرِكِ أَوْ مُشَاحِنٍ”.