قسوة وفشل.. لماذا تعاني شخصية صبا مبارك في مسلسل بين السطور من اضطرابات نفسية
استطاع مسلسل بين السطور لفت أنظار الجمهور في “أوف سيزون” الدراما، خارج السباق الرمضاني للمسلسلات، وجذبت قصته حول الإعلامية هند سالم وعلاقاتها بزوجها وحياتها المعقدة، المشاهدين، حيث تدور الأحداث حولها بشكل رئيسي وعلاقتها بحادث موت شخصية رياضية مشهورة.
مسلسل بين السطور بطولة صبا مبارك بمشاركة أحمد فهمي ومحمد علاء وسلمى أبوضيف وناردين فرج وباسم ألزارو، ووليد فواز، إشراف ورشة مريم نعوم للكتابة، وتأليف نجلاء الحديني، وإخراج وائل فرج.
وتمكن مسلسل بين السطور من الدخول إلي قائمة الأعمال الأعلى مشاهدة، وذلك عبر منصة شاهد، بعد الأسبوع الأول من عرضه، واحتل المسلسل المركز الثاني من أصل 10 مراكز هي الأعلى مشاهدة في مصر عبر المنصة السعودية.
يعد بين السطور النسخة المصرية للمسلسل الكوري Misty، وذلك تم تدوله عبر منصات التواصل الاجتماعي ومنصات الأخبار، وتدور الأحداث حول شخصية مذيعة شهيرة (صبا مبارك) تتورط في جريمة قتل لاعب الرماية العالمي جيمي أندرسون (محمد علاء)، والتي ستكون سببا في كشف أسرار قديمة عن حياتها، وعلاقتها بجيمي في مرحلة الشباب، بالتوازي مع صراعها من أجل الحفاظ على مكانتها كإعلامية بارزة في وجه منافستها الشابة ملك (سلمى أبو ضيف)، ومع ماضيها بكل ما يحمله من تعقيدات تتعلق بوالدها ومرحلة المراهقة في حياتها.
ركز سيناريو المسلسل على شخصية هند، وحاول في أغلب المواقف التي تمر بها أن يمنحنا شعور بقسوة الشخصية ومدى قدرتها على التماسك واتخاذ قرارات صعبة، مثل اجهاض جنينها، واستكمال حلقة على الهواء مباشرة في برنامجها رغم وصولها خبر وفاة والدتها، كما يحيل السيناريو الكثير من التفاصيل شخصية هند إلى علاقتها السيئة بوالدها، كما أنها غير جيدة على مستوى التواصل مع الآخرين، تتعامل بحدة ولا تستطيع الحديث عن ما يدور في خاطرها بشكل كافي مع المقربين منها مثل زوجها.
نحاول في هذه السطور فهم شخصية هند على المستوى النفسي،هل رفض الأب وفقدانه في مرحلة مبكرة يمكن أن يؤثر على شخصية الأبناء لهذه الدرجة من القسوة والحِدة.
إن الأبحاث والمقالات الطبية المرتبطة بعلاقة الأبناء بالآباء كثيرة للغاية، وتنال حظا وفيرا من اهتمام المتخصصين، ويشر موقع counselling-directory البريطاني، المتخصص في الصحة النفسية، إلى أن “مغادرة الأب مبكرا، خاصة في حالة الغياب بسبب الانفصال، تخلق احساس عميق بالخسارة والهجر، ويفتقر الطفل إلى نموذج العلاقة الصحية وغالبًا ما يسعى لملء هذا الفراغ بعدة طرق، وهذا يؤدي إلى الشعور بالمرارة، والتوتر، والألم العاطفي، والانفصال العاطفي، والقلق، والخوف، والشعور أنه غير مرغوب فيه وغير محبوب”.
وأشار أيضاً إلى أن الطفل في مرحلة البلوغ يتوق إلى أن يكون محبوبًا وأن يشعر بالارتباط بوالديه، والحرمان العاطفي يجعل الطفل يشتهي فرصة لتجربة هذه المشاعر، ولكن قد يجد نفسه في مرحلة البلوغ غير قادر على الوصول لما افتقده، نتيجة صعوبة في قبول المودة من شريكه الآخر أو علاقاته الوثيقة ويكون غير قادر على التواصل الاجتماعي.
نلاحظ أن شخصية هند تبدو صلبة لدرجة كبيرة في أغلب مشاهدها، وتحولات الشخصية تعتمد على محاولاتها كسل الحائط الفولازي الذي صنعته حول نفسها ومحاولة الحديث بصراحة مع زوجها، وفي الحلقات المعروضة مؤخرا تداول مدنون على منصات التواصل الاجتماعي اقتباس من مونولوج قالته هند لزوجها عن معنى الأب في رأيها، في محاولة منها أن تكون أكثر انفتاحا وتعبيرا عن ذاتها، وتداول المدنون هذا المقطع بكثافة على منصات التواصل الاجتماعي، وجاء فيه: “الأب هو اللي بيربي وبيسهر ويشقى عشان أولاده ويذاكر ويودي دكاترة ويحمي ويشيلك حتى قبل ما تقع ويحبك مهما غلط من غير ما يستنى منك حاجة.. زيك كده انت مش بس جوزي انت يا حاتم عملتلي كل الحاجات ديه حتى وأنا مش شايفة ده عملته مكنتش جوزي بس بصلي انت جوزي وأبويا”.
وهذا تحديدا ما يعاني منه الأشخاص البالغون، بعد بيئة أسرية تفتقر للأب، محاولة الحصول على الآمان في شخص آخر وذلك يتحقق بعد فترة طويلة، كما حدث مع شخصية هند، “يمكن أن يكون الأب الغائب ضارًا عاطفيًا، ينتج عنه افتقاد الفرد إحساسه بذاته، والافتقار إلى الثقة في الآخرين ويكون بعيدًا عن العاطفة، ويمكن اعتبار التأثير السلبي للأب الغائب على طفله بمثابة جرح لا يلتئم أبدًا، قد يجد نفسه غير قادر على الحفاظ على العلاقات الحميمة أو العلاقات عامة، ويرغب في التقارب ولكن قد يكون خائفًا من الرفض وغير مرتاح للتقارب العاطفي”.
” كشفت دراسة أجرتها جامعة ماكجيل في عام 2013 أن الفئران التي لم يكن لها أب حاضر أثناء النمو كان لها تكوين دماغي مختلف عن الفئران التي لديها كلا الوالدين، إن قشرة الفص الجبهي، التي تتعامل مع القدرات المعرفية مثل التحكم في الانفعالات، وتقييم العواقب، والتخطيط، وإدارة السلوك الاجتماعي، لم تتطور بشكل جيد في الفئران التي ليس لها آباء، وأظهرت إناث الفئران التي ليس لها آباء حساسية أعلى للأمفيتامينات”، وهي نتائج يستدل بها الباحثين والأطباء على تصرفات البشرة.
ومن علامات عدم قدرة هند على التحكم في انفعالاتها، المشهد الذي يعبر عن الحالة النفسية التي مرت بها بعد خبر وفاة والدتها، وهو يسمى علميا اضطراب الشراهة “Binge Eating Disorder” ومن أحد أسبابه التعرض لصدمة كبيرة أو موقف سيء يدفع الفرد إلى تناول كميات كبيرة من الطعام في وقت قصير دون قدرة على التحكم في ذلك.
قال جاسيك ديبيك، أستاذ مساعد قسم الطب النفسي في معهد علم الأعصاب الجزيئي بجامعة ميشيجان: “تُظهر الدراسات التي أجريت على الأطفال الذين انفصلوا عن والديهم أو أهملهم آباؤهم، والأبحاث التجريبية على الحيوانات، باستمرار أن انقطاع حضور الوالدين وعدم الحصول على رعايتهم يؤدي إلى نضج مبكر وسريع لدوائر الدماغ المسؤولة عن معالجة التوتر والتهديد، يؤدي هذا التطور السريع إلى تغيرات في الدماغ وتغيير طريقة معالجة العواطف والتعامل معها”.