جريمة النصب بين البراءة والادانة
د. السيد مرسي
قضت محكمة النقض الدائرة السابعة، بقبول الطعن المقدم من سيدة العمرانية المعروفة إعلاميا، بالمستريحة والقضاء ببراءتها من الاتهام من جريمة بالنصب.
كانت نيابة العمرانية قد أحالت المتهمة إلى محكمة الجنح، على خلفية اتهامها بالاستيلاء على مبلغ ١٢٠ مليون جنية من عدد من المواطنين، بحجة استثمارها مقابل الحصول على أرباح شهرية.
اعترفت المتهمة بصحة الاتهام المنسوب إليها بعد أن حرر المواطنين الضحايا عدد من المحاضر ضدها، وبإجراء التحريات تبين صحة الاتهام واستيلاءها على المبالغ المالية من الضحايا لاستثمارها.
يثير هذا الحكم ضرورة مراجعة نص المادة ٣٣٦ من قانون العقوبات التي تعالج جريمة النصب، وتضع أركانها وتفاصيل صور الطرق الاحتيالية على سبيل الحصر، ونصت المادة ٣٣٦ من قانون العقوبات على : أن يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة لا تزيد عن ثلاث سنوات كل من توصل إلى الاستيلاء على نقود، أو عروض أو سندات دين، أو سندات مخالصة، أو أي متاع منقول، وكان ذلك بالاحتيال لسلب كل ثروة الغير، أو بعضها إما باستعمال طرق احتيالية من شأنها إبهام الناس بوجود مشروع كاذب، أو واقعة مزورة، أو إحداث الأمل بحدوث ربح وهمي، أو تسديد المبلغ الذي أخذ بطريق الاحتيال، أو إيهامهم بوجود سند دين غير صحيح، أو سند مخالصة مزور.
وإما التصرف في مال ثابت، أو منقول ليس ملكًا له، وليس له حق التصرف فيه، إما باتخاذ اسم كاذب، أو صفة غير صحيحة، أما من شرع في النصب ولم يتممه، فيعاقب بالحبس مدة لأ تتجاوز سنة ويجوز جعل الجاني في حالة العود تحت ملاحظة البوليس مدة سنة على الأقل وسنتين على الأكثر.
ومن ثم من خلال قراءة متأنية لهذا النص، نجد أن المشرع قد حاول أن يضمن المادة العقابية كل صور التحايل التي يمكن أن يقترفها المتهم للاستيلاء على أموال، أو أمتعة الضحية، ومن خلال الواقع العملي يتبين لنا أن محترفي النصب يملكون قدرًا كبيرًا من الذكاء يجعل الضحية تقبل طواعية على تسليم أموالها وبيع املاكها للنصاب، فذكاء الأخير وقدرته على الإقناع تفوق العاديون من البشر.
وفى هذا السياق نشير بانه في عالم جرائم النصب قصص مثيرة تعتمد على إغراء الضحية الذي يخضع للنصاب بسرعة أكبر كلما كان يطمع في كسب المال دون بذل مجهود يذكر، ومن طرائف وقائع النصب، تلك الواقعة التي شهدتها واحدة من الأحياء في إحدى المدن الجديدة، حيث لاحظ المصلين في المسجد وجود شخص بينهم تبدو عليه علامات الورع والتقوى والصلاح، وبدأ الرجل يواظب على الحضور في كل الفروض وبادر بلقاء المصلين عقب الصلاة ليخبرهم برغبته في التبرع بمبلغ كبير لخدمة المسجد.
استطاع في فترة وجيزة كسب ودهم ثم أخبرهم عن نفسة بأنه رجل أعمال في دولة خليجية ويحتاج إلى عدد كبير من العمال للسفر معه، فبادر أصحاب المسجد بابلاغ الأهل والأقارب لتجميع الشباب الذي يحلم بالسفر، والعمل في الخارج، وقرر هذا الرجل أن يأخذ مع كل جواز سفر ثلاثة آلاف جنيه مقابل إجراءات الحصول على التأشيرة، استطاع الرجل تجميع الملايين من الراغبين في السفر وحدد اليوم الذي سيتوجه فيه إلى شركة السياحة التي يتعامل معه لدفع المبالغ المحصلة.
وفي اليوم الموعود جهز أهل الحي الذي يقطنه سيارة خاصة وأوفدوا اثنين من شبابهم ليصطحبوا الشيخ الوقور إلى شركة السياحة الشهيرة لتسليم الأموال ووثائق السفر، وأمام العمارة التي تقع بها الشركة وقفت السيارة، ونزل الرجل وطلب من المرافقين الانتظار في السيارة قليلا لحين مقابلة المسئول عن شركة السياحة، وأخذ حقيبة النقود ودخل من ممر العمارة أمام أعين الجميع نحو باب الشركة، وانتظر المرافقون عودته وطال انتظارهم ولكن الشيخ لم يعود، حيث خرج من باب أخر يطل على الشارع الخلفي تاركا أهل الحي يحلمون بيوم السفر.
وبناءا على ما تقدم : فإن جريمة النصب وفقا لنص المادة ٣٣٦ من قانون العقوبات تحتاج إلى إعادة نظر لتكون أكثر قوة في معالجة وقائع النصب، فقد يدق الأمر في تحديد ماهية الوسائل الاحتيالية التي تقود المحكمة في احيان كثيرة للقضاء بالبراءة فتضيع الأموال ويلوذ النصاب بالفرار، والقتراح الذي أعرضه من خلال هذا المقال، هو ضرورة تضمين القانون ضوابط تحفظية على المتهم اذا ماتبين قيامه بسلب الأموال او العقارات فيتم حبسه احتياطيا لحين رد الأموال المسلوبة او نسبة ٧٥ ٪ من قيمتها على الاقل حتى يتم إخلاء سبيله ويجب أن يتسع النص لصور الاحتيال الحديثة في ظل عصر التكنولوجيا الذي نعيشة.
أغلب المحاكم التي تقضي بالبراءة في قضايا النصب تستند في حكمها الي عدم وجود مظاهر واضحة للطرق الاحتيالية. إن الملايين التي يستولي عليها محترفي جرائم النصب تتطلب وقفة حازمة وإجراءات حاسمة تحمي البسطاء من عصابات النصب والاحتيال التي زادت في عصرنا الحالي بشكل غير مسبوق والله المستعان. والى للقاء: دكتور/ السيد مرسى