رحيل حلمي بكر المتمرد وسابق عصره الذي اتهم بالتقليدية
لم يكن الموسيقار الكبير حلمى بكر، الذى رحل عن عالمنا مساء الجمعة الماضى، عن عمر 86 عاما، مجرد ملحن تقليدى مثل الكثير من الملحنين، لكن يحسب لهذا الفنان الكبير، إنه كان متمردا على الشكل التقليدى للغناء، فقدم أعمالا غنائية مختلفة الألوان والأبعاد، العاطفى والدينى والوطنى والشعبى والاستعراضى.
وجاء هذا التمرد على التقليدية والنمطية التى اعتدنا عليها فى الالحان لكونه كان متابعا جيدا لكل ما يحدث حول العالم. مكتبة حلمى بكر الشخصية كانت تضم أعمالا عالمية لفرانك سيناترا، وشارل ازنافور، واديث بياف، وغيرهم إلى جانب أهم الاوبرات العالمية، جنبا إلى جنب مع أعمالنا التى تنتمى لموسيقانا الشرقية، لذلك كان يتمتع بجملة موسيقية سابقة لعصرها، جملة موسيقية شرقية بمواصفات عالمية.
كان للراحل الكبير رأى فى الموسيقى، قاله لى فى حوار معه، فهو يراها لغة عالمية، قائلا: أدافع عن جودتها من أى دخيل عليها، لكن هذا لا يمنع أن أقدم قوالب عالمية طالما أنها تخدم المحتوى الدرامى للعمل، وهو الشىء الاهم بالنسبة لى فى الفوزاير وغيرها، الدافع المحرك لى هو النص والكلمات، ولذلك أنا تجولت حول العالم موسيقيا لكى أخدم النص والعمل، وحولت إيقاع الموشح إلى فالس، وحولت الفالسات العالمية إلى فالس الخديوى المصرى، موسيقى الحلم العربى ستجدها فى سيدتى الجميلة، الجملة ستجدها التأثيرية فى الحلم العربى وهذا يؤكد أن الإبداع يسرى فى كل الانتقالات مع تجديد الجمل.
مؤكدا أن من يضع الميوزيكال شو لابد أن يكون عنده خيال ثم يسبح فى فضائيات الدراما لأنها لغة فضائية ليس لها حدود، كلما مررت بطائرة فوق بلد سوف تكتشف تكوينا موسيقيا بيئيا جديدا، لابد أن يعى الموسيقى كل ذلك وإلا أصبح العالم كله يتحدث جملة موسيقية واحدة.
وإذا أردنا أن نبرهن على رأى الفنان الكبير من خلال رحلته الموسيقية التى ظهر فيه تمرده على النمطية والتقليدية لابد أن نتوقف أولا أمام فوازير رمضان التى بدأها مع ثلاثى أضواء المسرح، ثم قدمها لسنوات طويلة مع نيللى وشريهان والمعروف أن مواصفات ألحان الفوازيرعموما تتطلب اشكالا مختلفة بين الاستعراض والدراما، والشقاوة، بين البهجة والحزن، موسيقى فوازير رمضان تحديدا هى نتاج لثقافة صانعها الشرقية والغربية، فالملحن المفعم بالشرقية لن يمنحك البعد الذى يبحث عنه مخرج الفوزاير وفى مقدمتهم رائد هذا الفن فهمى عبدالحميد، الموسيقار الراحل وضع بصماته فى تلحين التترات الخاصة بفوازير رمضان، والتى حققت نجاحًا لدى الجمهور، وتعاون من خلالها مع عدد من كبار النجوم ممن قدموا الفوازير، مع الفنانة نيللى فى فوازير «صورة وفزورة» فى عام 1979، وفى عام 1980 فوازير «عروستى» ثم «الخاطبة» عام 1981، كما وضع ألحان موسيقى فوازير «فطوطة» للفنان سمير غانم.
وجاء تعاونه الأول فى الفوازير مع الفنانة شريهان فى عام 1987 فى «فوازير حول العالم» كما وضع ألحان مقدمة فوازير «المناسبات، أم العريف، إيما وسيما».
الشىء الثانى الذى يؤكد تمرد هذا الفنان هى العروض المسرحية التى قدمها وكانت أغلبها ذات صبغة استعراضية ففى عام 1967 قدم أغنيات مسرحية «حواديت» وتبعها فى عام 1969 مسرحية «فندق الأشغال الشاقة» ليكمل حلمى بكر مع فرقة ثلاثى أضواء المسرح مسيرتهم الفنية المميزة فى العديد من الأعمال ومنها مسرحيات «موسيقى فى الحى الشرقى، جوليو ورومييت» كما قدم موسيقى سيدتى الجميلة، والتى تحدث معنا أيضا عنها فى حوار سابق..
مؤكدا، فى البداية كانت الفكرة أن يتم كتابة الكلمات على ألحان عالمية لكنه اعترض، وطلب أن تكون الموسيقى من روح العمل المصرى، خاصة أن هناك جزءا من الرواية فى حارة شعبية، لذلك عندما طلبوا منه هذا ضحك، خاصة أن تلك الفترة على حد قوله: قدمنا فى مصر الارملة الطروب، حوار مصرى على موسيقى العالمية وسقط العمل، لذلك صمم على أن تكون الموسيقى خاصة بنا، وبالتالى نجحت البيئة المصرية فى وصول سيدتى الجميلة إلى المجتمع، ومؤلف الكلمات كان عبدالوهاب محمد، وكانت الموسيقى موزعة أوركسترا بلغة العصر فى ذلك الوقت.
وعلى صعيد الاغنية قدم للراحل الكبير محمد رشدى أغنية شعبية من أهم أغانيه وهى عرباوى، وهى ذات شكل مختلف عن الالحان التى كانت تقدم.
اتهم حلمى بكر بأنه تقليدى يساند التقليدية وذهب البعض منهم إلى أنه ملحن ليس له أعمال ناجحة سوى أغنية «ع اللى جرى» لكن فى حقيقة الامر هذا الاتهام ترد عليه أعماله التى قدمها مثل مهما الايام تعمل فينا، فاكرة؟! أنا ناسية وفاكرة (نجاة) على عينى يا حبة عينى (وردة)، ف قلبى جرح (عماد عبدالحليم)، ما تقولش إيه إدتنا مصر وع اللى جرى (عليا)، عرباوى، يا حسن يا مغنواتى (محمد رشدى)، شوف الدنيا (ياسمين الخيام)، بنعشق الحياة (غادة رجب)، اغضب (أصالة)، يا صابرة يانا (اصالة) ومؤخرا مفاجأة (على الحجار) الحلم العربى مع مجموعة مطربين. وغيرها من الاعمال.