آراء وتحليلات

رمضان والفانوس

دكتور / السيد مرسى

اختلفت مظاهر الاحتفال برؤية هلال شهر رمضان في مصر على مر العصور، وكان لكل عصر سماته وعادته ومظاهرة الخاصة به ومنها ما هو قائم حتى يومنا هذا ومنها ما اندثر وصار في طى النسيان .
والفانوس من الأشياء المرتبطة بأجواء شهر رمضان ، حيث تضفي هذه الفوانيس البهجة والفرحة على الصغار والكبار، و يحرص الناس على شرائه لتزيين المنازل والشوارع احتفالا بحلول الشهر الكريم ، وكان يستخدم في صدر الإسلام في الإضاءة ليلا للذهاب الى المساجد وزيارة الأصدقاء والاقارب ، ويرجع أصل كلمة فانوس الى اللغة الإغريقية والتى تشير الى إنه إحدى وسائل الإضاءة ، وذكر لدى بعض اللغات السامية بأنه ” فناس” ويذكر الفيروز أبادى مؤلف القاموس المحيط ، أن المعنى الأصلى للفانوس هو ” النمام” وأرجع مؤلف قاموس المحيط هذه التسمية الى أنه يظهر حامله وسط الظلام .
وتعتبر مصر من أكثر الدول الإسلامية والعربية استخداما للفانوس بإعتباره مرتبط بشهر الصوم ثم تحول الى قطعة جميلة من الديكور العربى في كثير من البيوت المصرية الحديثة – وهناك العديد من القصص تدو رحول أصل الفانوس ، وترجع إحداها إلى إستخدامه للإنارة خاصة عند الذهاب إلى المساجد ليلا، وبمرور الوقت تحول إلى تقليد مرتبط بشهر رمضان. وفى رواية أخرى، تقول أن سبب ظهور الفوانيس في عصر الدولة الفاطمية، عندما استقبل سكان القاهرة الخليفة الفاطمي المعز لدين الله خلال فترة الليل، ووضع سكان القاهرة الشموع على قواعد خشبية وغطوها بالجلود، لتجنب انطفائها، ومن هنا كانت بداية ظهور فوانيس رمضان. بينما فى رواية أخرى، أن سبب انتشار الفوانيس في شهر رمضان، يرجع لاعتياد سكان القاهرة على مرافقة الخليفة الفاطمي في رحلته عبر المدينة إلى المقطم لاستطلاع هلال رمضان، وخلال الطريق كان سكان القاهرة يغنون فرحًا لقدوم شهر رمضان، وهم حاملين الفوانيس. وكذلك يحكى أن الخليفة الفاطمى اقد أمر النساء بعدم خروج النساء من المنازل ليلا إلا في شهر رمضان، على أن يسبقهن غلام يحمل فانوسا لتنبيه الرجال بوجود سيدة في الطريق لكى يفسحوا لهم الطريق.
وقد أسند للقضاة الطواف على مساجد مصر لأجل متابعة الإصلاحات الخاصة من فرش وتعليق المسارج والقناديل ، وأشار الى ذلك الرحالة ( ناصر خسرو ) الى ذلك عند زيارته لمصر في القرن الخامس الهجرة المقابل للحادى عشر الميلادى عندما وصف النجفة المهداة من الخليفة بأمر الله لمسجد عمرو بن العاص بالفسطاط والتي كانت تزن سبعة قناطير من الفضة الخالصة ويوقد في ليالى المواسم والاعياد أكثر من سبعمائة قنديل وكان يفرش بعشر طبقات من الحصير الملون بعضها فوق بعض وكان ينادى على الناس أن من تعرض لبيع شيء من المسكرات أو شرائها سرا أو جهرا فقد عرض نفسه لتلفها وبرئت الذمة من هلاكها وكانت الدولة تخصص مبالغ هائل لشراء البخور الهندى والمسك والكافور الذى يصرف لتلك المساجد في شهر رمضان ، ولم تقف مظاهر الاحتفال عند ذلك فحسب بل كانت تقدم موائد الإفطار للعامة
ويعتبر الخليفة الفاطمي الحاكم بأمر الله، المسئول عن ازدهار صناعة الفوانيس، حيث أمر بتركيب فوانيس في كل زقاق وأمام كل منزل، وتغريم كل من يعصي الأمر .ووفقًا للمؤرخ المقريزي، “كان الخليفة الفاطمي يجمع 500 حرفي من أحياء القاهرة الفاطمية قبل شهر رمضان لصنع الفوانيس”، وبمرور الوقت تسربت صناعة الفوانيس إلى البلاد المجاورة مثل دمشق وحلب والقدس وغزة وغيرها.وأخذت مسارا تنافسيا ، من خلال أشكاله المتعددة من تزيين وزخرفة ، و كان يصنع من النحاس ويوضع بداخلة شمعة ، بعد ذلك أصبح يصنع من الصفيح والزجاج الملون ، وأصبح على صورته الحالية في نهاية القرن التاسع عشر واصبح يستخدم الى جانب لعب الأطفال في تزيين وإضاءة الشوارع ليلا كما كانت وظيفته الأصلية خلال شهر رمضان باعتباره عنصر احتفالى أساسى في شهر رمضان رغم وجود وسائل الإضاءة الحديثة – وكل عام وانتم بخير
وإلى اللقاء : دكتور / السيد مرسى

مقالات ذات صلة