كلاكيت تانى مرة
السيد مرسي
تلقت أجهزة الأمن بالإسكندرية بلاغاً بسقوط طالبة من الطابق الرابع بمبنى المعهد الفني الصحي بمجمع “بشاير الخير” بمنطقة محرم بك، لتلقى مصرعها على الفور، فيما أكد زميلاتها أنها قررت الانتحار بسبب تعرضها للتنمر من بعض المشرفات بالمعهد وسخريتهن منها. وأكدت الطالبات أن زميلتهن المنتحرة كانت تتمتع بعلاقات طيبة مع الجميع، ولم تتحمل الإهانات الموجهة لها من المشرفات، وهددت أكثر من مرة بالانتحار لو لم تتوقف المشرفات عن سوء معاملتهن لها، لكن لم يصدق أحد أنها كانت ستقدم على ذلك.
وقد تناولت شبكات التواصل والمواقع الالكترونية خبر صاعق للتنمر، انتحار فتاة، بسبب تعمد معلموها الثلاثة وقد تناوبوا على نعتها بالصفات الذكورية وسخروا من لون بشرتها وطريقة نطقها للكلام وتنمروا ضدها بكلمات قاسية تنال من سمعتها وكرامتها وأسلوب حياتها، ونعتوها بالشذوذ والعدوانية، الامر الذى أدخل الفتاة في حالة اكتئاب شديد وعزلة تامة وانهيار عصبى حاد مما أوقعها في براثن الانتحار .
وكذلك ما جاء بمقالي السابق حول التنمر الوظيفى والذى يتسم بالاستقواء والنفوذ والرهبة والسخرية من المظهر الخارجي أو التكوين العقلى ، وقد صاحب هذا المقال إهتمام بالغ من العامة والخاصة وكان التنمر حديث المنابر بالمساجد والتذكير بما جاء بالقرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة حاربت سلوك التنمر بشكل مباشر في سورة الحجرات ووضع علاج لها، في قوله سبحانه وتعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ». وفى حديث أبي موسى رضى الله عنه قال: قلت: يا رسول الله ! أيُّ المسلمين أفضل؟ قال: «من سلم المسلمون من لسانه ويده”. متفق عليه
لذلك كان لزاما علينا أن تكرار موضوع التنمر من خلال رؤية شاملة ولا سيما بعد أن توطن التنمر في مفاصل المجتمع المصرى ، وأشتد عوده وضرب بجذوره حتى القاع واثمر عن تسلط وترهيب وإستقواء ، مرجع ذلك المخزون الأخلاقي في المجتمع الحالي والتي توغلت فيه الذات الانانية المسيطرة على تصرفات شخصية المتنمر الذى أوغر مخالبة المفترسة بواسطة ( التهديد والترهيب والتسلط والاستقواء ) في صدر وكيان الشخص المتنمر به ، فقسوة المتنمر وما يتركه من أثر ممتد المفعول قد يبقى ليكرس ضغائن وتشاحن يفضى إلى ارتكاب جريمة أما تنكيلا أو عدونا أو انتقاما .
وقد أشارت الأبحاث الاكاديمية المتخصصة بأنه يجب أن يضيف المشرع حالات أخرى لتشديد العقوبة أهمها إذا وجد أن الضحية كان الشخص طفل أو معاق أو مسن أو أمرأه حامل ، لأن هذه الحالات لا يمكن أن تندرج تحت مسمى – استغلال ضعف المجنى علية – فتخضع للعقوبة في حالتها البسيطة وهى الحبس الذى لا يقل عن ستة أشهر وغرامة لا تقل عن 10 آلاف جنية ولا تزيد عن 30 ألف جنية أو بإحدى هاتين العقوبتين ، ومن هنا نشير الى ما جاء بالمادة (24-222) عقوبات فرنسى والتي تشدد العقوبة الى السجن لمدة 20 سنة إذا مورست أفعال الاغتصاب أو انتهاك العرض الجسيم ضد شخص يعانى ضعف بسبب مرضه أو سنه أو إعاقته أو ضد سيدة حامل أو من شخص لها صلة قرابة أو حدث تشويه جسدى أو عجز دائم للضحية .
وكذلك لم يتناول المشرع المصرى السمة الاجتماعية أو التأهيلية لحالات التنمر لا سيما وأن معظم حالات التنمر تأتى من جناة صغار السن ، فمن المفيد والملائم في بعض الحالات التي لا تجدى معها العقوبات المشددة ، ولاسيما اذا وقعت الجريمة بين أكثر من شخصين وكانوا من أصول الضحية قاصدين التمييز ضده أو ممارسة التنمر العائلى ضده فيمكن أن تحقق العقوبة الاجتماعية ، من خلال إعادة الاندماج والردع والتأهيل والفاعلية القصوى ، وذلك من خلال العمل بالمرافق العامة الصحية والتعليمية وغيرها بدون مرتب لمدة سنه ، أو قراءة الكتب والمراجع للمكفوفين مدة الحبس الى لا تتجاوز سنة ميلادية .
وفى الأخير: فإنه يحق لنا جميعا نشر الدعوة بنبذ التنمر ( هذا المرض البغيض ) حتى نتمتع جميعا ببيئة آمنه وحانية تحترم الكرامة وتضرب بيد من حديد على جميع أشكال العنف البدني والعقلي من الإهانات والتعسّف، ولا يُستثنى التنمّر في جميع صوره وأشكاله القديمة والمستحدثة في هذه الدعوة.
والى اللقاء :
دكتور / السيد مرسى