الفنانة والكاتبة دكتور/ أمينة سالم- تكتب العرض المسرحي ( السمسمية) بين الرمز والدلالة
للتاريخ حروفِ من نور وحروفًا من نار وعليك أن تختار بين نور ونار حيث يكمن الأخيار والأشرار فيما بين الضوء والشرر.
ففي العرض المسرحي ( السمسمية ) أعاد الكاتب والمخرج سعيد سليمان التنقيب حول شخصيات من نور وهبها الله ضياء البصيرة ؛ فاختارت أن تكون مع الأخيار فأصبحو لنا منارة وقدوة في السعي إلى ملكوت الحب وحدائق غناء يأوي الحزين اليها لتسكب في قلبه الأفراح ؛ ومن ثم سطر التاريخ النظيف سيرتهم الذاتية أنشودة لكفاحهم وبطولاتهم؛ تلك التي خطت بدمائهم الذكية من أجل أن تعيش مصر وتبقىَ قوية وآبيه تتخطىَ الصعاب والشدائد لدحر أعدائها عبر دروب الزمن المهزوم .
ومع الرصد والتحليل للمتغير وعقب كل الثورات التى مرت بها مصر منذ ثورة 1919م ؛ مرورا بثورة 1952م والعدوان الثلاثي على مصر1956م وحرب الاستنزاف وكذلك انتكاسة 1967؛ ونصر 1973م وصولاً لثورة 25يناير و30 يونيو؛ كانت اللجان الشعبية ظهير قوي للجيش المصري هؤلاء الذين هم أبائنا وأبنائنا وأخواتنا؛ ومن ثم كانت ومازالت المؤسسة العسكرية عشق لكل مصري أصيل يعرف معنى الشرف بلا فكاك ولا منازع ؛ مهما حاول المغرضون والخونة والمرتزقة التفكيك لتلك المنظومة التى علمت الأكاديميات العسكرية في العالم فنون القتال.
فجيش مصر هو عمود الخيمة و درة التاج ؛هو جيش العزة والكرامة. لذا كان الفدائيين من الشعب المصري بمثابة درع للمقاومة الشعبية وحائط صد صلد وعنيد وعتيد للوطن وظهير له أثر عميق في محيطهم الاجتماعي؛ فلم ينساهم التاريخ بتخليد أسمائهم؛ ومن ثم نسجت دراما العرض المسرحي السمسمية من بطولتهم أرواحاً حية أعاد المخرج تجسيدها في إيهاب أبطال عرضه ؛ كلألئ في عقد دري منثور. لتعلم أجيال اليوم دراساً مهيباً ؛ في إطار مبادرة وطنية عنوانها ( ولد هنا ) لفرقة مسرح التجوال ومديرها الفنان محمد الشرقاوي ؛ والتابعة بالإنتاج للبيت الفني للمسرح ؛حيث كان الاحتفاء بالعرض على خشبة مسرح العائم بالمنيل ..
اختار المخرج سليمان هذا الإرث الثقافي الثري من تراثنا الشعبي لفترة نضال خلدها التاريخ المعاصر من 1952م : 1973م ؛ لمدن القناة والتى شملت:( السويس والاسماعيلية وبورسعيد ) تلك المدن التى اشتهرت في إنتصاراتها وأفراحها بالآلة الموسيقية الجميلة ( آلة السمسمية ) ليتوجها بعنونة للعرض كمدخل للدلاله والرمزية على طبيعة المكان لتتجسد لدى المتلقي صور وملمحاً مضيئ على بهجة النصر. وهى تحكي وتروي حياة مجموعة من الفدائيين في شكل أوبرالي موسيقي وغنائي من واقع الحدث الدرامي لكل شخصية ( يادنيا سمعاني سمعاني – أبويا وصاني مخلي جنس غريب يخش أوطاني ).وغيرها من أغاني التراث الحماسية والوطنية . كما سلط المؤلف والمخرج أيضاً الضوء لنتعرف على نماذج مهمة لشخصيات من المقاومة ؛ سواء أكانت إمرأة أو رجل ؛ ومنهم على سبيل المثال لا الحصر : علية الشطوي وعبد المنعم قناوي و زينب الكفراوي وكابتن غزالي وفتحية الأخرس ؛ وغيرهم من أبطال المقاومة الشعبية ليقتدي بهم أجيال قادمة في ضرورة الحفاظ على الأرض المصرية التى هى العرض والشرف ورمز للكفاح والكرامة ..
اعتاد المخرج المبدع سليمان أن يقدم تيمات عروضه أو أكثرها من التراث الشعبي ؛ مما يلفت النظر للأسلوبية في رؤياه الإخراجية للعديد من أعماله وإحداثية هذا الاختيار الذي تمحور حول بحثة الدؤوب لمفهوم الهوية ومعرفة ماهية الأصول لإعادة التفسير بأدوات ورؤى معاصرة دائمة التجريب ؛ ومن ثم فهو ليس ببعيد عنه كفاعل يمارسه في شتى عروضه المتنوعة تبعا للظروف والمناخ الاجتماعي والسياسي .آملاً في خلق مسرح يتسم بأشكال تعبيرية جديدة غير تقليدية . وبخاصة أن القرن العشرون قد شهد في مجال المسرح والمناهج الإخراجية الفنية ثورة في الإبداع الذي لم يسبقه مثيل، حيث ظهرت نظريات إخراجية كثيرة ، وتعدّدت مدارس فن التمثيل واختلفت إطروحات روادها بين مهتمٍّ بالأداء الجسدي للممثل، وبين مولعٍ بالديكور والسينوغرافيا، وبين متأثّرٍ كثيرا بمبادئ المذاهب الأدبية الحديثة، وكل ذلك كان إضافة وفتح جديد على المسرح لتنافسية أعلامه بالسعي والتقدم بالمسرح سواء أكان عربي أوغربي لكيفية وضع أسسٍ وأُطرٍ جديدة تعمل على المغايرة للأفضل بسياقات العروض المسرحية وتجلياتها في أشكال حديثة ومعاصرة.
ومن ثم كان التنقيب حول تفاسير لحياة الإنسان المصري بصفة خاصة والعربي بصفة عامة للوصول إلى ما يميزه عن غيره بالسؤال حول الهوية؛ بالتأكيد على جغرافية المكان وما يطرحه من خصوصية في هذا العرض باختياره لآلة السمسمية والرقصة البنبوطية وغيرها ممن إستقى لمفردات من التراث الشعبي الذى ارتبط بالمقاومة الشعبية فترة الحرب واقتطاع سيناء كجزء من أرض مصر؛ وانتهاك الأراضى المصرية ومدن القنال الباسلة ؛ ومن ثم فقد لعب المخرج خلال هذا العرض على تكريس التأصيل باحثاً عن الهوية إتصالاً وتواصلاً مع الجذور. والعديد من أعماله التى نذكر منها : ( أوديب مان –أيوب – هاملت – ياسين وبهية – العشاق- أوبرا حي بني يقذان – نعيمة- شتات ) ؛ كما له العديد من التجارب بالورش المسرحية منذ عام 1990م .
ومما يلفت النظر أيضاً أن المخرج سيلمان رغم بحثه الدائم حول اهمية تسليط الضوء حول الأعمال التراثية أو السير الشعبية إلا أنه عمل على تزاوج الثقافات في مسرحه وتأثره بالمناهج الأوربية؛ التى ظهرت باقتدائه لمنهج جروتوفسكي وأرتود وغيرهم من هؤلاء الذين إهتموا بالأساس بتهيئة الممثلين وتدريبهم وفق قواعد خاصة ومحددة،ولم يكن الروسي ستانسلافسكي وحده من اقتحم حاجز التجريب المسرحي وإقامة مناهج خاصة بالممثل والديكور والسينوغرافيا المسرحية، بل كان ذلك الشغل الشاغل للعديد من المبدعين أمثال : مايرهولد و بريخت و بيتربروك وجروتوفسكي؛ مع التمايز لكل طريقة أو إسلوب عن الأخرى في الرؤى الفنية للعرض المسرحي .
حقاً أعطى العرض المسرحي السمسمية للمتلقي متعة الفرجة ؛ فتحية لمن قاموا ببطولة شخصيات من في هذا العرض من الفنانين : آسرعلي ؛ وإيمان مسامح ومريم سعيد وعبد الرحمن المرسي ووسام مصطفى وأحمد جمال وسالي النمس وجاكلين سعد ومحمد النمس وروجينا. والرؤية الموسيقية لهيثم درويش ؛ والديكور والملابس لسامح نبيل؛ وساعد في تنفيذ إخراج العرض المسرحي السمسمية – عليا عبد الخالق وفاطمة عصمت ؛ ومن كتابة وإخراج المبدع سعيد سليمان .