أخبار مصر

نبيل فهمي: مفاجآت وتناقضات الأسبوع ودلالاتها وتداعياتها

الشرق الأوسط فى مرحلة توتر وغليان وليس من المبالغة القول إن عامى ٢٠١٣ و ٢٠١٤ سيكونان من الأعوام الفاصلة والحاكمة فى تشكيل مستقبل المنطقة، والأحداث تتتالى بمعدلات أسرع يوما بعد يوم، وتفكك مواءمات كان يتجنب تجاوزها عبر عقود طويلة من الزمن.
والأسبوع الماضى تحديدا والأيام القليلة السابقة عليه مباشرة شهد أحداثا ومفاجآت عديدة من أهمها:
– استولت إسرائيل على المعبر الفلسطينى فى رفح ورفعت الأعلام الإسرائيلية عليه فى مواجهة المعبر المصرى، رغم التحذيرات المصرية بخصوص التوسع فى رفح.
– هدد وزير إسرائيلى رئيس وزرائه بالانسحاب من الحكومة إذا لم تقر الحكومة قبل نهاية الأسبوع الأول من يونيو خطة متكاملة للتعامل مع الأوضاع فى غزة عقب وقف الاقتتال.
– اتهم وزير خارجية إسرائيل مصر بغلق معبر رفح وحمَّلها مسئولية فتحه، وهو ما ردت عليه الخارجية المصرية وفندته بشكل حاد وقاطع.
– ارتباطا بإعلان تعثر المفاوضات الخاصة بوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس تحت رعاية مصرية قطرية، تم تسريب أخبار تُحمِّل مصر مسئولية الفشل على أساس أنها غيرت من الصياغات المتفق عليها، ولم تنقل مضمونها بشكل سليم بين الأطراف.
– تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية فى رفح رغم التحذيرات الأمريكية، وأعلنت الولايات المتحدة عن صفقة سلاح جديدة تتجاوز البلايين، على الرغم من أنها كانت قد أعلنت منذ فترة وجيزة أنها ستؤجل تسليم إسرائيل بعض القنابل الثقيلة إزاء تجاوزات إسرائيل المميتة ضد آلاف المدنيين فى غزة.
– تسربت أخبار عن تعديل إسرائيل لخطة عملياتها فى غزة وأن الخطة المعدلة تحظى برضاء ضمنى من أمريكا، وأن الخطة المعدلة قد تفتح الباب لاستئناف مفاوضات وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن.
– تقدم السيد كريم أحمد خان المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب توجيه الاتهامات ضد بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء ويوآف جالانت وزير دفاع إسرائيل، كما تقدم أيضا بطلب توجيه الاتهامات ضد قيادات حماس يحيى سنوار ومحمد ضيف رئيس كتائب الشهيد عز الدين القسام وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسى.
– اعترفت إسبانيا وأيرلندا والنرويج بدولة «فلسطين».
– سقطت فى شمال غرب إيران طائرة مروحية إيرانية عائدة من أذربيجان، قتل فيها الرئيس إبراهيم رئيسى.. ووزير الخارجية أمير عبداللهيان، وهى المروحية الوحيدة التى سقطت من الطائرات الثلاثة التى كانت حاملة لوفد رسمى إيرانى بعد المشاركة فى افتتاح سد يوم ١٩ مايو. وأسرعت أمريكا وإسرائيل تنفى أى صلة بتلك الحادث، بينما تتكاثر الإشاعات والتسريبات وروايات مختلفة للحادث، من السابق لأوانه التعرض إليها، عدا الإشارة إلى أن عدم الاستقرار بإيران فى ظل شرق أوسط متوتر لا يطمئن أو يبشر بالخير.
– حضر عدد من القيادات الدولية المراسم المرتبطة بالضحايا الإيرانيين، واشترك فيها وزير الخارجية المصرى، رغم العلاقات المحدودة بين البلدين.
– رغم توتر الأوضاع فى قطاع غزة إزاء الممارسات الإسرائيلية، قام جيك سوليفان مستشار الأمن القومى الأمريكى بزيارة جديدة لكل من إسرائيل والمملكة العربية السعودية، وهو المختص بمتابعة المفاوضات الأمريكية السعودية حول العلاقات الاستراتيجية.
– تسربت تصريحات نسبت إلى وزراء إسرائيليين بأن الولايات المتحدة تعلم جيدا أن إقامة دولة فلسطينية لم تعد فكرة مقبولة أو مجدية.
– أصدر وزير الخارجية الأمريكى تصريحا يحمل إسرائيل المسئولية ويعلن فيه صراحة أن عليها أن تقرر إذا كانت تريد سلاما مع العرب أم لا، والتنويه الضمنى هنا إلى سلام مع السعودية والمتمسكة بأن السلام لا يتحقق على حساب القضية الفلسطينية.
– أعطت الجمعية العامة للأمم المتحدة العديد من المزايا للوفد الفلسطينى، واقترب من حقوق ومسئوليات الدول الأعضاء، بعد أن استخدمت الولايات المتحدة حق الفيتو ضد مشروع قرار باعتبار فلسطين دولة عضوا.
– عقدت القمة العربية بحضور قيادات هامة، وإنما اجتمعت بشكل نمطى، ولم تخصص وقتا كافيا لأية مناقشات معمقة، وخرجت بمناشدات ومطالبات عدة من المجتمع الدولى، دون اتخاذ العرب أى إجراءات جديدة تجاه إسرائيل ومؤيديها، رغم تفاقم الأوضاع وتعثر جميع الجهود لوقف إطلاق النار أو لتأمين توفير وتوزيع كميات كافية من المساعدات الإنسانية.
ومن أهم الدلالات لتلك الأحداث والمتناقضات أن هناك تقاربا أمريكيا إسرائيليا حول استمرار العمليات العسكرية فى غزة وحول شكلها وحدتها، وهو ما يجب أن يحطّات منه عربيا، لأنه يعنى استمرار التوتر والعمليات العسكرية فى القطاع، مع تخفيف حدتها، أى عمليات مستمرة ومعاناة لا تنتهى.
واتصالا بذلك هناك مؤشرات على وجود توافق أمريكى إسرائيلى بالنسبة للسيطرة على المعابر عامة ومعابر البضائع والسلع تحديدا، وأن يتم ذلك من خلال الرصيف العائم الأمريكى الذى بدأ تشغيله أخيرا أو من المعابر بين إسرائيل وقطاع غزة، بما يعنى وضع غزة من الآن وصاعدا داخل حصار أمنى إسرائيلى محكم، حتى إذا سمح بمرور محدود لبعض الأفراد من معابر أخرى.
وهناك حملة ممنهجة للضغط على الجانب المصرى لتليين موقفه أو الحد من ردود أفعاله تجاه التصرفات والتجاوزات الإسرائيلية المحتملة والمتوقعة، لعدم ثقة الولايات المتحدة فى نتنياهو التزامه بما تعهد به.
فى المقابل ارتفعت حدة التصريحات المصرية وتحذيراتها، ومن الواضح أن التصرفات الإسرائيلية تجاوزت المقبول مصريا، وأن الرأى العام المصرى استشاط غيظا من ازدواجية المعايير الأمريكية وغاضب بشدة من العجرفة الإسرائيلية، ويدفع نحو اتخاذ إجراءات دبلوماسية محددة أكثر شدة، وأعتقد أن تنامى الاتصالات المصرية مع إيران قبل الحادث والمشاركة المصرية على المستوى الوزارى بمراسم الجنازة مؤشرا لرغبة مصرية اتخاذ مواقف أكثر استقلالية فى الشرق الأوسط عامة.
وإذا كان هناك شبه توافق أمريكى إسرائيلى حول نمط المرحلة القادمة من العمليات العسكرية والمعابر بالقطاع، فإن التباين لا يزال قائما بينهما حول منهجية بل جدوة التحرك نحو حل الدولتين، والذى لا توافق عليه إسرائيل الآن حتى كبديل جدلى، وهو الأمر الذى يشكل عقبة حقيقية للولايات المتحدة لذا أطلق بلينكن تصريحاته نحو إسرائيل، حيث يهم الولايات المتحدة تحقيق تقدم نحو السلام العربى الإسرائيلى، والذى ترفض السعودية أن يكون على حساب هذا الهدف.
وفى إسرائيل هناك غليان وتوتر سياسى من زواية مختلفة، انعكس فى تصريحات صدامية بين المسئولين، وتنامى الاستعداد للتصادم اللفظى العلنى حتى مع أقرب الأصدقاء مثل الولايات المتحدة، فضلا عن التصريحات الصادرة عقب إعلان بعض الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطين، وعقب صدور طلبات المدعى العام للمحكمة الجنائية الدولية بخصوص بعض مسئوليها.
وأسباب الغليان والفوران الإسرائيلى عديدة، أولها أنها دولة خارجة عن القانون عاصية ومغرورة، اعتادت على أنها محصنة ولا تحاسب دوليا لأنها تحظى بغطاء سياسى غربى، وعلى قمته الولايات المتحدة، حتى عندما تمارس العنصرية والإبادة الجماعية والتهجير القسرى، وفجأة وجدت نفسها شبه معزولة، ومحل محاسبة كدولة ومسئولين أمام محاكم دولية، وشهدت الدعوة إلى تحقيق حل الدولتين تتصاعد مرة أخرى، وعدد الدول المعترفة بفلسطين يتزايد حتى بين أصدقاء إسرائيل.
هذا وأعتقد أن تطورات الأيام الأخيرة عكست أن الرأى العام للمجتمع الدولى فاض به الكيل ولم يعد يقبل بهذا القدر من التجاوزات الإسرائيلية أو الازدواجية فى المعايير على حساب الفلسطينيين قانونيا وإنسانيا، وهو ما يجب أن يستثمر فلسطينيا وعربيا.
وختاما علينا مصارحة أنفسنا، فالعالم العربى لا يريد أن ينجرف إلى حروب وصدامات، ويتطلع إلى شرق أوسط آمن ومستقر، وهو الداعى الرئيسى والصادق للسلام العربى الإسرائيلى الشامل، بما فى ذلك إقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، كهدف استراتيجى وموقف جوهرى، إلا أن عليه مراجعة ممارساته وآلياته إذا لزم، لأن التعامل مع الأوضاع على أنها نمطية أو تقليدية، وعدم اتخاذه مواقف وإجراءات إزاء التجاوزات والإسرائيلية سوف يحد من مصداقيتنا جميعا، ويغلب قانون الغابة نمط الممارسات بالمنطقة وهو أمر جد خطير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *