فتاوى الحج (1).. ما الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر؟
تستعد المملكة العربية السعودية لاستقبال حجاج بيت الله الحرام لأداء مناسك الحج في مكة المكرمة، حيث بدأت الرئاسة العامة لشؤون الحرمين الشريفين رفع الجزء السفلي من كسوة الكعبة المشرفة استعداداً لموسم الحج هذا العام، والذي ينطلق قبل منتصف يونيو الجاري.
ومن المتوقع أن يوافق يوم 7 من يونيو الجاري، غرة شهر ذو الحجة لعام 1445 هجرياً، في حال ثبتت رؤية الهلال بحسب كل بلد عربي، وعليه تبدأ العشرة أيام الأوائل من شهر ذو الحجة، حيث تبدأ مناسك الحج في اليوم الثامن وتنتهي في اليوم العاشر.
ومع اقتراب موسم الحج، تكثر تساؤلات المسلمون خلال شهر ذو الحجة ويزداد طلبهم للفتاوى حول الكثير من الأحكام المتعلقة بالحج. لذلك، في سلسلة “فتاوى الحج” تقدم “الشروق” إجابات وفتاوى عن الأسئلة التي تهم حجاج بيت الله الحرام.
ما الفرق بين التحلل الأصغر والأكبر؟
ردت دار الإفتاء المصرية على هذا السؤال بأن التحلل يراد به خروج المُحرِم من الإحرام، وحِلُّ ما كان محظورًا عليه بسبب إحرامه.
وقد اتفق الفقهاء على أنَّ للإحرام عدَّة محظوراتٍ يجب على المسلم اجتناب فعلها إذا كان مُحرِمًا، مثل تغطية الرأس، وحَلْق الشَّعر أو شدِّه مِن أيِّ جزءٍ من الجسد، وقَصِّ الأظافر، وعدم استخدام الطِّيب، وعدم مخالطة زوجته أو فعل أي شيء يؤدي للمخالطة، مثل اللمس والتقبيل بشهوة، وعدم لبس المَخِيط المُحِيط -وهو المُفَصَّل على أيِّ عضوٍ من أعضاء الجسم-، وعدم التعرض لصيد البَرِّ الوَحْشِي أو شَجَرِ الحَرَم.
الفرق بين التحلل الأصغر والتحلل الأكبر:
الحج عبادةٌ لها تحلُّلان: أول وثان، أو أصغر وأكبر، على اختلاف عبارات الفقهاء. وكلاهما متعلِّقٌ بأداء الحاجِّ أعمالَ يوم النحر الثلاثة، وهي: رمي جمرة العقبة الكبرى، والحَلْق أو التقصير، وطواف الإفاضة متبوعًا بسعي الحج إن لَم يكن قد أدَّاه -على تفصيل بين الفقهاء في حكمه-.
أما التحلل الأول أو الأصغر:
فإنه يحصل برمي جمرة العقبة الكبرى كما هو مذهب المالكية، أو الحَلْق -ومثله التقصير- كما هو مذهب الحنفية، أو بفعل اثنَيْن من أعمال يوم النحر الثلاثة السابق ذِكرُها كما هو مذهب الشافعية في المشهور والحنابلة في الصحيح، أو بفعل واحدٍ منها وهو وجهٌ عند الشافعية والرواية الثانية عن الإمام أحمد.
وأما التحلل الثاني أو الأكبر:
فإنه يحصل بأداء أعمال يوم النحر الثلاثة كلِّها.
وبحصول التحلل الأول، يَحِلُّ للمُحرِم كلُّ ما كان قد حَرُمَ عليه بسبب الإحرام إلا النساء وما يتعلق بهنَّ من عقد نكاحٍ أو جماعٍ أو مقدماتٍ لذلك من المباشرة ونحوها، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. وزاد المالكية إلى ذلك: تحريمَ الصيد، وكراهةَ استعمال الطيب حتى يتحلل المُحرِم التحلل الأكبر.
قال الإمام علاء الدين السَّمَرْقَنْدِي الحنفي في “تحفة الفقهاء” (1/ 408): “إذا حَلَقَ حلَّ له كلُّ شيءٍ إلا النساء”.
وقال الإمام علاء الدين الكاساني الحنفي في “بدائع الصنائع” (2/ 142): “وأما حُكم الحَلْق: فحُكمُه حصول التحلل، وهو صيرورتُهُ حلالًا يُباح له جميعُ ما حَظر عليه الإحرامُ إلا النساء”.
وقال العلامة أبو البَرَكَات الدَّرْدِير المالكي في “الشرح الصغير” (2/ 58-59): “(وحَلَّ بها) أي: بالعقبة، أي: برمي جمرتها، كلُّ شيءٍ يَحرُم على المُحرِم (غير نساء وصَيْد، وكُرِهَ) له (الطِّيب) حتى يطوف طواف الإفاضة، وهذا هو التحلل الأصغر”.
وقال الإمام النووي الشافعي في “المجموع شرح المهذب” (8/ 225): “يَحِلُّ بالأول جميعُ المحظورات إلا الوطء، وبالثاني يَحِلُّ الوطء”.
وقال العلامة أبو السعادات البُهُوتِي الحنبلي في “شرح منتهى الإرادات” (1/ 586): “ثُمَّ بعدَ رَمْيٍ وحَلْقٍ أو تَقْصِيرٍ (قد حَلَّ لَهُ كلُّ شيءٍ) حُرِّمَ بِالْإِحْرَامِ (إلَّا النِّسَاءُ) نَصًّا، وَطْئًا وَمُبَاشَرَةً وَقُبْلَةً وَلَمْسًا لِشَهْوَةٍ وَعَقْدَ نِكَاحٍ”.
فإذا أكمل المُحْرِمُ أفعال الحج بعد التحلل الأول ثم أتى بما بقي من الأعمال الثلاثة، فإنه يحصل له التحلل الثاني، ويَحِلُّ له بذلك التحلل ما بقي من المحظورات وهو النساء إجماعًا. ونقل هذا الإجماعَ غيرُ واحدٍ من العلماء.
قال الإمام ابن حزم في “مراتب الإجماع” (ص: 45): “اتَّفَقُوا على أنَّ من طَاف طواف الإفاضة يَوْم النَّحْر أَو بعده، وكَانَ قد أكمل مَنَاسِك حجه وَرمى، فقد حَلَّ لَهُ الصَّيْد، وَالنِّسَاء، وَالطِّيب، والمخيط، وَالنِّكَاح، والإنكاح، وكلُّ مَا كَانَ امْتنع بالإحرام”.
وقال شيخ الإسلام ابن حَجَر الهَيْتَمِي في “تحفة المحتاج في شرح المنهاج” (4/ 124): “(وإذا فعل الثالث) الباقي من أسباب التحلل: (حصل التحلل الثاني، وحلَّ به باقي المحرمات) إجماعًا”.
وبناءً على ذلك، يحلُّ للمحرم بالتحلل الأول كلُّ ما كان قد حَرُمَ عليه بسبب الإحرام إلا
النساء وما يتعلق بهن من نكاح أو جماع أو مقدمات لذلك، كما ذهب إليه جمهور الفقهاء. وزاد المالكية إلى ذلك: تحريم الصيد، وكراهة استعمال الطِّيب، ويحصل بالتحلل الثاني حِلُّ كلِّ ما كان محظورًا عليه أثناء إحرامه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.