رجائى عطية ونقاش هادئ لتجديد الفكر والخطاب الديني: مكانة المرأة لن تكون حصان طروادة لتشويه الإسلام
-
زواج الرسول بأمهات المؤمنين حكم خاص لا يجوز القياس عليه
-
عشرات القرارات والتوصيات الصادرة عن مجمع البحوث الإسلامية حرمت الزواج بالصغيرات
-
الناس تأخذ دينها من القرآن والسنة والعلماء الدارسين ولا تتلقفه من الأوراق الصفراء
-
ليس من المنطق ترك النفائس من الكتابات القيمة للتوقف عند رؤى شاردة جانحة
-
32 حالة أحصاها العلماء تكون فيها حصة الأنثى من الميراث أكبر من حصة الذكر
تطفو على سطح الحياة السياسية والثقافية من وقت لآخر دعوات لتجديد الخطاب الفكرى والدينى، وتندلع المعارك حول من يقود خطاب التجديد حينا، وقضايا التجديد ذاتها فى غالبية الأحوال.
وبين كر وفر لا تحط المعركة أوزارها، ربما تخفت حدتها بعض الوقت، لكن سرعان ما تتجدد بين فريق يحمل شعارالحداثة والتجديد للخروج من ركود الأفكار التى تثقل كاهل المجتمع وتحد من انطلاقه لتجاوز واقع صعب يتطلب النهوض، وفريق يتصدى له ويقول إن دعوته وشعاراته هى كلمات حق يراد بها باطل، فهى تريد هدما لمبادئ وقواعد سار عليها المجتمع لمئات السنين، والعقيدة الدينية فى القلب منها. فيما يبقى ضلع المثلث الأخير والأهم وهو «الجمهور العام» ينتظر انقشاع غبار المعارك الفكرية والثقافية المتماسة مع القضايا الدينية، حتى يعرف أين يضع أقدامه فى الميدان.
وفى هذا الكتاب «تجديد الفكر والخطاب الدينى» الصادر عن دار الشروق يقدم مؤلفه المفكر ونقيب المحامين الراحل رجائى عطية، رؤيته لهذه القضية الشائكة، عبر تجربته الطويلة كمحام مرموق، واضطلاعه بقضايا الشأن الإسلامى فقد كان، رحمه الله، عضوا فى المجلس الأعلى للشئون الإسلامة وخبيرا بهيئة كبار علماء الأزهر الشريف.
كثيرة هى القضايا التى يحفل بها هذا الكتاب وتمس حياة المسلم المعاصر، حيث يشتبك الأستاذ رجاء عطية مع عدد كبير من الأفكار التى تطرح من وقت لآخر واعتبرها تبخس الأدوار التى لعبها علماء المسلمين على مر التاريخ بشأن العلاقة بين الإنسان وربه، وبين الإنسان وشقيقه الإنسان، سواء شاركة العقيدة والدين أم اختلف معه.. كما تناول قضية تجديد التراث وما عرف فى وقت من الأوقات بـ«الأصالة والمعاصرة»، وتناول بالشرح والتفصيل مفهوم تجديد التراث، وهل نقول التراث والتجديد، أم تجديد التراث، قبل انغماسه فى الحديث، عما أسماه خطاب الدين والموسيقى والغناء، مقدما الأدلة والبراهين التى تضحد مقولات التحريم التى وصم بها البعض الفنون بشتى فروعها من مسرح وسينما وغناء وفنون تشكيلية، وجميعها من القضايا التى تثير الجدل من حين إلى حين.
وعلى الرغم من عناوين فصول الكتاب المحفزة لإعمال الفكر والعقل فى الكثير من الآراء المطروحة على الساحة الثقافية والفكرية، سنكتفى فى هذا الجزء من عرضنا لكتاب «تجديد الفكر والخطاب الدينى» بالوقوف على قضية مهمة أفرد لها المؤلف مساحة كبيرة من متن كتابه، وهى نظرة الإسلام للمرأة، حيث استفاض فى تناول التساؤلات التى يثيرها البعض بشأن المساواة بين الرجل والمرأة وخاصة فى قضايا الميراث والشهادة والزواج والطلاق، وتولى المناصب العامة، وهى قضايا قديمة متجددة، تطل برأسها من وقت لآخر، حيث يتخذها البعض حصان طروادة للطعن و«الغمز واللمز» بتعبير الأستاذ رجائى عطية، رحمه الله.
وتحت عنوان «مكانة المرأة فى الإسلام بين الحقيقة والتشويش» يطرح المؤلف قضية زواج الفتيات فى سن مبكرة، أو زواج القاصرات وفقا للتعبير المعاصر، و يرد على البعض ممن يرى أنهم يسعون للتشويه المقصود للإسلام بطرح تساؤلات من نوعية: «كيف يباح زواج بنت تسع سنوات ؟!!».
ويقول عطية إنه يربأ «بأن تكون مثل هذه بالعبارات قد قصدت التلويح بزواج النبى عليه الصلاة والسلام من أم المؤمنين عائشة بنت أبى بكر، فالسن المشار إليها مأخوذة بمرجوح الروايات فى سنها وقت الزواج بها، والتى بلغت قرابة السابعة عشرة فى بعض هذه الروايات؛ ثم لأنها لا تتفطن إلى أن كل ما تعلق بزواجه عليه الصلاة والسلام، وبأمهات المؤمنين، حكم خاص لا يجوز القياس عليه، بحكم الآيات من 50 53 من سورة الأحزاب، والتى منها النهى عن زواج أمهات المؤمنين من بعده؛ حفظًا لمقام وجلال النبوة، وهذا الحكم هو الذى أوجب عدم تسريحهن عند نزول الآية التى فرضت أربعًا كحدٍّ أقصى للزواج».
عن تصيد البعض للآراء الشاذة فى هذه القضية يشدد على «أن الناس تأخذ دينها من القرآن الكريم، ومن السنة النبوية الصحيحة، ومن كتابات العلماء الدارسين العارفين، ولا تتلقفه من الأوراق الصفراء والآراء الشاردة التى من الوارد أن تفلت من بعض الجهلاء والجانحين على مدار أربعة عشر قرنًا بلغت فيها الكتابات عن الإسلام ملايين الملايين من الصفحات، أغلبيتها العظمى من الدرر والنفائس والكتابات القيمة والنظرات العميقة النافذة، وليس من المنطق والصواب أن تُتْرك هذه النفائس للتوقف عند عبارات أو رؤى شاردة جانحة لا تعبر عن حقيقة الإسلام. ناهيك عن أن يكون تلقف هذه العبارات الضالة لتوظيفها للمعايرة، فيما بدا وكأنه يمس الإسلام ذاته!».
ويتابع: «لا يتسع المجال، لمجرد ذكر عناوين الكتب التى صدرت بالآلاف بيانًا لمكانة المرأة فى الإسلام، وحسبنا فى هذا المقام أن نشير إلى كتاب الأستاذ العقاد: «المرأة فى القرآن الكريم» أو ما كتبه فضيلة الإمام الأكبر المجدد الشيخ محمود شلتوت، أو عشرات القرارات والتوصيات التى صدرت عن مجمع البحوث الإسلامية، وأفصحت عن مكانة المرأة فى الإسلام، وحمت حقوقها، وحمتها من أى إعضال لها، ونهت بل حرَّمت الزواج بالصغيرات، وأخذ بتوصياتها قانون الأحوال الشخصية».
ويستند عطية إلى ما جاء فى كتاب الأستاذ محمود عباس العقاد «المرأة فى القرآن الكريم» من أن الإسلام دون الحضارات القديمة هو الذى خوَّل للمرأة «مركزًا شرعيًّا» تعترف به الدولة والأمة، وتنال المرأة حقوقًا معترفًا بها فى الأسرة والمجتمع، تشبه حقوق الرجل فيها، خلافًا لأوضاع المرأة فى الحضارات والشرائع السابقة.
ويشير إلى أن الذين يتحدثون فى ميراث الإناث «لا يعرفون أن هناك اثنتين وثلاثين حالة أحصاها العلماء، تكون حصة الأنثى فى الميراث أكبر من حصة الذكر، ولا يعرفون أن المأثور عن الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم المنسوبة إلى موسى عليه السلام، أن الأنثى تخرج تمامًا من ميراث أبيها إذا كانت له ذرية من الذكور، وما عدا ذلك يكون من قبيل الهبة التى يمنحها الأب فى حياته إذا أراد. فكانت الأنثى محرومة من الميراث ما لم ينقطع نسل الذكور، وكانت البنت التى يئول إليها الميراث يُحرم عليها الزواج من سبط آخر، ولا يحق لها أن تنقل ميراثها إلى غير سبطها».
فى المقابل ولما جاء القرآن الكريم، «وضع حقوقًا للمرأة لا سابقة لها فى دستور شريعة أو دستور دين، ورفعها من المهانة والزراية إلى مكانة الإنسان المعدودة، بريئة من رجس الشيطان ومن حطة الحيوان».
وأعظم من جميع الحقوق الشرعية التى كسبتها المرأة من القرآن الكريم، أنه رفع عنها لعنة الخطيئة الأبدية.
فقد جاء بالقرآن الكريم براءتها من تهمة إغواء آدم، وأن وسوسة الشيطان كانت مزدوجة، وخص القرآن آدم فى سورة طه بأنه الذى وسوس إليه الشيطان، فقال تعالى: ﴿فَوَسوَسَ إِلَیهِ الشَّیطَـٰنُ قَالَ یَـٰـَادَمُ هَل أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الخُلدِ وَمُلك لَّا یَبلَىٰ﴾ (طه 120) فرفع القرآن الكريم شبهة اتهام حواء بأنها التى أغوت آدم بالخطيئة التى أخرجتهما من الجنة.
ولمزيد من التدليل على المكانة التى حظيت بها المرأة فى الإسلام يقول إن القرآن الكريم لم يكتفِ من المسلم باجتناب وأد البنات خشية العار أو الإملاق، بل أبى عليه أن يستقبل ميلادها بالتجهم والعبوس والانقباض.
يقول تعالى: ﴿وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِى التُّرابِ أَلا ساء ما يَحْكُمُونَ.﴾ (النحل 58، 59).
كما وصف النبى عليه الصلاة والسلام النساء بأنهن شقائق الرجال، فجاء فى حديثه الذى رواه الترمذى بسنده فى سننه: «النساء شقائق الرجال ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف».
الأم ثم الأب
ومع أنه تتساوى رعاية الإنسان لأبيه وأمه، كما تتساوى رعايته لأبنائه وبناته، فإن الإسلام قد خَصَّ الأم بالتنويه، وقدمها على الأب، فالأم أولى بالرعاية والإحسان إليها لما تعانيه من آلام الحمل والولادة ومتاعب الرضاعة، والكفالة والرعاية، مما لا يعانيه الآباء.
ويتحاكى العالمون بموقفٍ لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، حين ترك من حوله ووقف ينصت لسيدة هرمة فى صبر طويل دون أن يتعجلها، وسمعوها تقول له وهو منصت باهتمام بالغ: «يا عمر، لقد كنت تُدْعى عُمَيْرًا، ثم قيل لك عمر، ثم قيل لك أمير المؤمنين. فاتقِ الله يا عمر، فإنه من أيقن بالموت خاف الفوت، ومن أيقن الحساب خاف العذاب!» ومضت السيدة تبث إليه كل ما تريد، وهو يستمع إليها منصتًا فى صبر وترحيب.
يومها قال أمير المؤمنين عمر، لمن تعجبوا من طول وقوفه لها وصبره على عظتها، إنها «خولة بنت ثعلبة»، ولو حبسته إلى آخر النهار لصدع، وقال لهم: «لقد سمع الله قولها من فوق سبع سماوات! أيسمع الله قولها ولا يسمعه عمر؟!».
بشأن وفاء هذه السيدة العظيمة بأمومتها، نزلت سورة «المجادلة»، بفتح الدال أو بكسرها، وسميت بذلك نسبةً إليها وإلى موقفها، حين ذهبت إلى الرسول (عليه الصلاة والسلام) تستفتيه فى أمر «الظهار» الذى ألقاه عليها زوجها الشيخ، ابن عمها وأبو أولادها.
وكان الظهار (أن يشبِّه الرجل زوجته بامرأة محرمة عليه) لا يزال معدودًا من الطلاق منذ أيام الجاهلية، فلما أجابها عليه السلام بأنها قد صارت محرمةً عليه، ولا حل لمشكلتها، ظلت تحاوره وتناقشه، ثم تعود إليه لتحاوره، وتقول: اللهم إنى أشكو إليك! وتبلغ فى محاورتها حد أن تقول لنبى المرحمة: «يا رسول الله، أيوحى إليك فى كل شىء ويُطوى عنك هذا؟!» ويستمع إليها عليه السلام فى صبر وتقدير، ثم تقول دفاعًا عن حق أولادها الصغار: «وأولادنا يا رسول الله؟! إنهم إن ضمهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلىّ جاعوا!!».
ما برحت على جدالها، حتى نزلت الآيات الأولى لسورة «المجادلة»، تقول فى مستهلها: ﴿ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِى تُجَادِلُكَ فِى زَوْجِهَا وَتَشْتَكِى إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾.. (المجادلة 1)، وتتابعت آيات السورة التى نزل بها الوحى تسن أحكام الظهار، وتفرض له كفارة، ساهمت الأم الرءوم فى توفير أسبابها لتحمى أولادها من الجوع أو الضياع، ولتصون عمارة حياة الأسرة.
ويخلص إلى القول إن جنوحُ ممارساتِ البعض ليس هو الإسلام، «فالجنوح مردود إلى الجانح لا إلى الدين».
رفع المظالم
وبعد حديث مطول عن الدور الذى لعبته زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم فى مؤازرته فى نشر الدعوة المحمدية وتثبيت أركان الدين الحنيف، خصوصا ما قامت به السيدة خديجة رضى الله عنها وأرضاها، يشير إلى أن القرآن والسنة النبوية رفعا المظالم عن المرأة، وردا الكرامة إليها، وعملا على تهيئتها وتهيئة المجتمع لقيامها برسالتها، وحفظ ما يجب أن يُحفظ لها من كرامة ومكانة.
فقد كان المجتمع فى الجاهلية يكره إنجاب الإناث، ويئد البنات خشية العار، أو خشية الإملاق والفاقة، وإلى هؤلاء نزل القرآن الكريم يقول للوائدين منذرًا ومحذرًا ومرهبًا: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ (التكوير 8، 9)، كما نوه القرآن الكريم إلى أن الإناث والذكور، هبة الله تعالى، وبدأ بذكر الإناث قبل الذكور، ليحول ما درجت عليه الأفهام فى الجاهلية من تفضيل الذكور، وكراهة إنجاب الإناث، فيقول تعالت حكمته: ﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاء يَهَبُ لِمَنْ يَشاء إِناثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاء الذُّكُورَ﴾ (الشورى 49).
فالله تعالى هو واهب الذكور والإناث، ورسوله المصطفى عليه الصلاة والسلام هو صاحب الأحاديث الصحيحة، المشهورة والمتتالية، التى حثت على رعاية البنات، ووعدت بالجنة من يصبر على هذه الرعاية فى السراء والضراء، وظلت هذه الرعاية للمرأة موصولة حاضرة فى الإسلام فى كل أطوار حياتها.
فالتربية والتأديب والتهذيب، واجب فى الذرية من الإناث كما هو واجب فى الذرية من الذكور وطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وإعداد الأنثى أظهر فيما يتعلق بعملية الخلق فى الأرحام، وفى مسئولية الحضانة ورعاية وتربية الأجيال، وهى لذلك لم تعد تُساق إلى الزواج بمن لا ترغب رغم أنفها، فلم يكتفِ الإسلام بحقها فى الصداق خلافًا لشرائع أخرى، وإنما جعل الأمر لها بكرًا أو ثيبًا فى زواجها. وجاء فى الحديث النبوى: «لا تنكح (أى لا تُزوج) الأيم حتى تُسْتأمر، ولا تنكح البكر حتى تُسْتأذن»، وقد ردَّ عليه الصلاة والسلام زواج ابنة أحد الأنصار لأنه زوجها كما اشتكت من ابن عم له دون موافقتها، فلما رَدَّ الزواج، عادت الفتاة مريدة مختارة تبدى الموافقة مضيفة أنها قصدت أن يعلم الآباء أنه ليس لهم من الأمر شىء، وأن رغبتهم لا تلغى إرادة البنت أو تجيز لهم إكراهها على زواج لا ترضاه.
أما الزواج نفسه، للبكر والثيب، فهو عقد رضائى فى الإسلام، قوامه الإيجاب والقبول، وكلاهما منسوب إلى طرفيه، ما لم يفوضا أو يوكلا أحدهما أو كلاهما أحدًا فى إبرام العقد، وكالةً جرى العرف الإسلامى على الإشهاد عليها كفالة لثبوتها وتجنبًا للادعاء كذبًا بها!، وحتى الانفصال لا يكون إلَّا بالمعروف.
الذمة المستقلة
سلم الإسلام للمرأة بشخصيتها المستقلة، وأقر لها ذمة مالية مستقلة، لا تنطوى فى ذمة أبيها ولا فى ذمة زوجها أو ابنها أو أخيها، وعَبَّر لها القرآن الحكيم عن هذا أبلغ تعبير، وأمر بإعطاء النساء حقوقهن من الصداق عن رضا وسماحة نفس، وأقر حق المرأة فى صداقها خالصا لها.
ثم ضرب أمثلة على دور النساء قديما وحديثا فى الدفاع عن الامة ويقول رأينا «شجرة الدر» التى لعبت دورًا كبيرًا فى حياة زوجها الملك الصالح نجم الدين أيوب، وبعد وفاته، وكيف أخفت بحكمتها وقوة تأثيرها خبر وفاته حتى لا تفت فى عضد الجيش أثناء معركة المنصورة دفاعًا عن البلاد ضد الحملة الصليبية السابعة التى أسر فيها ملك فرنسا «لويس التاسع»، وبقى أسيرًا فى دار ابن لقمان بالمنصورة حتى افتدى نفسه وأبرم صلحًا انسحب تطبيقا له من البلاد.
قوة الدفع
فى ذات الباحة وقوة الدفع التى أتاحها الإسلام للمرأة، رأينا المرأة فى العصر الحديث تفرض نفسها فى كل مجال، فاقتحمت التعليم الأولى والابتدائى، ثم الثانوى، ثم طرقت الجامعة وتوسعت فى كل المجالات، ورأينا من درر هذا الرعيل الأول، دون ترتيب، الأديبة الشاعرة عائشة التيمورية (1840/1902)، وباحثة البادية ملك حفنى ناصف (1886/1918)، والدكتورة بنت الشاطئ عائشة عبد الرحمن (1913/1998)، والدكتورة سهير القلماوى (1911/1997)، والأستاذة مفيدة عبد الرحمن المحامية الشهيرة (1914/2002)، والأستاذة نعيمة الأيوبى أول محامية مصرية، وهى ابنة المؤرخ المعروف إلياس الأيوبى، والكاتبة الصحفية أمينة السعيد (1910/1995)، ونبوية موسى (1890/1951)، أُولى الحاصلات على البكالوريا (1907) رغم معارضة دنلوب مستشار وزارة المعارف، وأول ناظرة مَدْرسة، وأول مفتشة تعليم فى مصر، والدكتورة لطيفة الزيات (1923/1996)، والدكتورة سميرة موسى عالمة الذرة التى قتلت بالولايات المتحدة (1917/1952)، وفاطمة أو روز اليوسف (1897/1958) رائدة الصحافة والمسرح والتمثيل، ووالدة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس، والروائية القصصية صوفى عبد الله (1925/2003). وفى الفنون تحية حليم، وإنجى أفلاطون (1924/1989)، وجاذبية سرى، والإذاعية تماضر توفيق، وصفية المهندس، ورأينا فى رحاب الفن أم كلثوم، ومنيرة المهدية، ودولت أبيض، وأمينة رزق، وفاطمة رشدى، وزينب صدقى، وآسيا داغر، ومارى كوينى، ومارى منيب، وغيرهن.
ورأينا من الرعيل الأول الأستاذة فى الأدب، وفى المحاماة، وفى الطب، وفى الهندسة، وفى الصيدلة، وفى العلوم، وفى الفقه، وفى الرياضيات، وفى الذرة، وطفقت المرأة منذ أكثر من قرن تطرق جميع المجالات، وتثبت جدارتها فيها، حتى انتزعت بعد الحق فى الانتخاب، الحق فى الترشح، ودخلت البرلمان، وأبلت فيه، ورأينا بين الوزراء أول وزيرة الدكتورة حكمت أبو زيد وزيرة الشئون الاجتماعية أستاذة علم النفس بكلية البنات جامعة عين شمس، والدكتورة عائشة راتب وزيرة التأمينات والشئون الاجتماعية أستاذة القانون الدولى بجامعة القاهرة، وتتابع حمل حواء للحقائب الوزارية، حتى صارت تحمل الآن أكثر من حقيبة وزارية.
لا تتجاهل هذه الكلمات من بزغن من بنات حواء فى جميع المجالات بعد ذلك الرعيل، وإنما أردت أن أشير إلى الدور الريادى والكفاح الشاق الذى بذله الرعيل الأول لتحصل المرأة على حقوقها وما تستحقه فى مجتمع كان ينكر عليها أشياء كثيرة، بل أنكر فيما أنكر ما أعطاه لها الإسلام من أربعة عشر قرنًا.
وفى ختام حديثه عن مكانة المرأة فى إسلام يقول عطية يتساءل: لست أدرى مع هذه المكانة العريضة للمرأة قديمًا وحديثًا فى باحة الإسلام، ما القضية التى دفعت بعبارات شاردة لامزة تمس الإسلام وخطابه؟ ويسارع إلى القول إن المرأة تحتل الآن مكانتها اللائقة، وتتقدم بثقة وثبات وعزم لحمل أمانتها وأداء رسالتها التى رعاها وحفظها وثبتها الإسلام.
هذا فى الواقع قليل من كثير يمكن أن يجرى به القلم إيرادًا للمكانة التى صارت للمرأة فى الإسلام، وهى مكانة سامقة ظاهرة، لا تتوارى عن أى راصد خالص النية منصف، ناهيك بالتشويش أو الافتراء!