أخبار مصر

فتاوى الحج (6).. هل تتعدد الكفارات إذا ارتكب المحرم عددًا من محظورات الإحرام؟

مع اقتراب موسم الحج، تكثر تساؤلات المسلمين خلال شهر ذو الحجة ويزداد طلبهم للفتاوى حول الأحكام المتعلقة بالحج.

وتقدم “الشروق” في سلسلة “فتاوى الحج” إجابات وفتاوى عن الأسئلة التي تهم حجاج بيت الله الحرام.

هل تتعدد الكفارات في الحج إذا ارتكب المحرم عددًا من محظورات الإحرام؟

ردت دار الإفتاء المصرية على هذا السؤال بأن الفقهاء اتفقوا على أنَّ للإحرام محظورات يجب على المُحرِم اجتنابها ما دام مُحرِمًا. ومن هذه المحظورات: تغطية الرجل رأسه، وحلق الشعر أو شَده من أي جزء من الجسد، وقص الأظافر، واستخدام الطيب والروائح العطرية، ومخالطة الزوجة أو فعل دواعي المخالطة كاللمس والتقبيل بشهوة، ولبس المخيط المحيط (وهو المفصل على أي عضو من أعضاء الجسم)، والتعرض لصيد البر الوحشي أو شجر الحرم. كما يحرم على المرأة تغطية وجهها أو لبس القفازين.

مدى تعدد الكفارات في الحج

إذا ارتكب المحرم محظورًا من محظورات الإحرام -غير الصيد- وكرره قبل أن يُكَفِّر عنه، كما لو جامع زوجته بين التحللين الأول والثاني أكثر من مرة، أو لبس ثم لبس كأن يلبس عمامة ثم يلبس قميصًا ثم سراويل، أو قص أظافره ثم قصها، أو تطيب ثم تطيب، أو حلق ثم حلق، فإنه يجب عليه فدية واحدة، ما لم يُكَفِّر عن الأول قبل فعل الثاني؛ لأن جنس الفعل متحد، فأشبه ما لو طيب رأسه وبدنه. بخلاف ما إذا ارتكب عدة محظورات مختلفة، كما لو قص شعره وغطى رأسه وجامع زوجته بين التحللين، أو لبس وتطيب وحلق وقلم أظافره، فتجب عليه فدية لكل واحد منها كفارة؛ لأنها أجناس مختلفة، فلم تتداخل.

أما إذا فعل أحد المحظورات ثم كَفَّر عنه، وتكرر منه فعل نفس المحظور بعد الكفارة الأولى، ففي هذه الحالة يجب عليه التكفير مرة ثانية بلا خلاف؛ لأن فعل المحظور الأول استقر حكمه بالتكفير، فإن فعله مرة ثانية استوجب التكفير مرة ثانية، كما لو زنى فحد ثم زنى فإنه يُحد ثانيًا. ولا فرق في ذلك بين فعل القليل والكثير، فقليل الطيب واللبس وغيرهما من المحظورات وكثيره سواء. وأيضًا فإن الكفارة لا تتعلق بالسبب المؤدي إلى فعل المحظور، بل يتعلق الحكم بفعل المحظور نفسه لا بسببه. وهذا كله بخلاف الصيد، فإن الكفارة فيه تتعدد بتعدده، فيكون لكل مرة منها كفارة وإن لم يُكَفِّر عما قبلها، وهذا ما نص عليه جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة.

التخيير في الكفارة

الكفارة تكون على التخيير بين ثلاثة أمور: إما ذبح شاة؛ لأنه أقل ما يتحقق به النسك، أو صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين؛ لقول الله تعالى: ﴿فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ﴾ [البقرة: 196].

وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له في زمن الحديبية: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ؟»، قال: قلت: نعم، قال: «فَاحْلِقْ، وَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ، أَوْ انْسُكْ نَسِيكَةً» متفق عليه.

قال الإمام أبو القاسم الزمخشري في “تفسيره” (1/ 241، ط. دار الكتاب العربي): [فديةٌ مِنْ صِيامِ ثلاثة أيامٍ، أَوْ صَدَقَةٍ على ستة مساكين، لكلِّ مسكينٍ نصفُ صاعٍ مِن بُرٍّ، أَوْ نُسُكٍ وهو شاة… وكان كعب يقول: فِيَّ نَزَلَت هذه الآية] اهـ.

خلاصة

إذا ارتكب المحرم بالحج محظورًا من محظورات الإحرام وكرره، فتجب عليه فدية واحدة ما لم يُكَفِّر عن الأول قبل فعل الثاني. أما إذا فعل أحد المحظورات ثم كفر عنه، وتكرر منه فعل نفس المحظور بعد الكفارة الأولى، ففي هذه الحالة يجب عليه الكفارة مرة ثانية. وإذا ارتكب عدة محظورات مختلفة، فتجب عليه فدية لكل واحد منها؛ لأنها أجناس مختلفة، فلم تتداخل. وهذا كله بخلاف الصيد، فإن الكفارة فيه تتعدد بتعدده، فيكون لكل مرة منه كفارة وإن لم يُكَفِّر عما قبلها، كما سبق بيانه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *