أخبار الفن

فيلم الأستاذ لـ فرح نابلسي.. قصة عن المقايضة من أجل الحياة والحرية

تعرض سينما زاوية ضمن برنامج “أيام القاهرة السينمائية” فيلم “الأستاذ” (The Teacher) للمخرجة فرح نابلسي، في أول تجربة إخراجية لفيلم روائي طويل تخوضها بعد فيلمها القصير الأول “الهدية” الذي حاز على جائزة البافتا.

تدور أحداث الفيلم حول قصتين: الأولى عن الأستاذ باسم، الذي يجسد دوره صالح بكري، والثانية عن الطالب آدم، الذي يجسد دوره محمد عبد الرحمن. من خلال هاتين القصتين، تحاول نابلسي رواية حكاية المقايضات في حياة الإنسان الفلسطيني: المقايضة على الحياة، والمقايضة على الحرية، وغيرها، من أجل استمرار الحياة في وطن مُحتل.

تركز فرح نابلسي في فيلمها على عدة جوانب من حياة الإنسان الفلسطيني، أولها أن كل أمر يمكن اعتباره بسيطًا، مثل التجول في الشارع أو رعاية شجر الزيتون أو الذهاب للمدرسة، يُعد مُعضلة ضخمة، تقف أمامها حواجز أسمنتية، ونقاط تفتيش شديدة العنف، وجنود يتجولون في كل الأرجاء. ويظهر ذلك من خلال حركة الكاميرا واختيار اللقطات البعيدة (Extreme Long Shot) في كثير من المشاهد لتكشف شكل المدن ومدى تعقيد الحياة داخلها.

وثانيًا، من خلال الدراما المبنية على حياة باسم وآدم، يستكشف المُشاهد مدى تأثير هذه المعضلات على الحياة وتحويلها إلى جحيم متنقل من جيل إلى آخر. وفي سبيل التعامل معها، تنشأ عملية المُقايضة التي تتمثل في عدة خطوط درامية رسمتها نابلسي:

المقايضة على الحرية:

يعيش باسم معاناة قاسية ترتبط بفقدان ابنه المراهق داخل سجن الاحتلال بعد الحكم عليه بـ 8 سنوات عقابًا له على مشاركته في تظاهرة. ونتيجة لهذه المعاناة، يندفع للعمل مع مجموعات سرية تركز أهدافها حول تبادل الأسرى، حيث يختطف جنديًا إسرائيليًا ويقايض على حياته لإخراج عدد من السجناء في المعتقلات الإسرائيلية. وهذا الفعل الذي يقوم به باسم بدافع نجدة من هم بالداخل لكي لا يكون مصيرهم مثل ابنه.

من خلال هذا الخط الدرامي، تعبر نابلسي عن مدى التفرقة بين البشر التي يمارسها الاحتلال، وتتجسد بارزةً على لسان باسم في حواره مع والد الجندي المخطوف: “سيحافظون على حياة ابنك قدر استطاعتهم، لأنهم يعلمون أن قومك يعتقدون أن ابنك يساوي ألفًا من ابني”.

المقايضة على الحياة:

تعني حياة آدم لوالدته ولباسم الكثير، لذلك يحاول المعلم أن يحافظ عليه قدر الإمكان ويحميه بكل الطرق الممكنة. آدم، الذي فقد شقيقه يعقوب على يد مستوطن إسرائيلي متطرف حاول حرق شجر الزيتون، يحاول أن ينتقم، لكن يمنعه باسم لأنه يرى فيه ابناً جديداً، ويحذره من فعل الانتقام، ويحاول إقناعه باتباع سير العدالة. لكن تبرز نابلسي مدى صعوبة تحقيق العدالة في دولة محتلة، من خلال عدة لقطات: بروز وجه المستوطن أثناء قتل يعقوب، عدم خوف المستوطن من العقاب، نظرات التحدي من المستوطن التي تركز عليها نابلسي بلقطات قريبة (Close Shot) داخل المحكمة، ورغم كل هذه الأدلة، يحكم ببراءة المستوطن، مما يدفع آدم للتفكير في قتله.

وبناءً على رسم شخصية باسم، الذي أسسته نابلسي، فهو يرفض تفكير آدم وتهوره، ويحاول مساعدته، لذلك يمنحه غرفة ابنه الراحل ويرعاه، لكن الانتقام يسيطر على آدم ويتخذ قراره. وهنا تأتي لحظة المقايضة على الحياة، عندما يضحي باسم بحياته لإنقاذ آدم من الموت والسجن.

محاولات النجاة:

تعتبر عمليات المقايضة في الفيلم طوق النجاة الذي يعتمد عليه الإنسان الفلسطيني للاستمرار في السعي والعيش رغم المُحتل. وهذه أهم ما يركز عليه الفيلم ككل، وتعمل جميع عناصر اللغة السينمائية للتعبير عنه، عبر لقطات شجر الزيتون المزدهر رغم محاولات حرقه والاعتداء عليه من المستوطنين، مشاهد تخرج آدم من المدرسة الثانوية بتفوق رغم كل ما مر به من أجل تحقيق حلم باسم الذي ضحى من أجله.

كما تسعى نابلسي من خلال الخطوط الدرامية الفرعية نحو عكس وجهة نظر الآخر فيما يجري على أرض فلسطين، من خلال شخصيات ليزا ووالد الجندي المختطف ووالدته.

ليزا تتورط كليًا مع حياة الفلسطينيين من خلال عملها في مدرسة كمتطوعة بريطانية لتأهيل الطلاب المُفرج عنهم نفسيًا بعد عودتهم إلى الدراسة، وتحاول من خلال مساعدتها للآخرين تجاوز أزمتها النفسية التي هربت منها في إنجلترا بعد وفاة شقيقها. على النقيض، الجندي المختطف هو أيضًا هارب من مجتمعه، ولكن بسبب تهميش والده له، مما جعله يكتسب أهميته من الحياة في إسرائيل وتطوعه كمجند. بينما يتورط والد الجندي جزئيًا مع حياة الفلسطينيين، من خلال نظرات التعاطف الشديدة تجاه كل ما يراه في المكان، بينما الأم لا تكترث إلا لغياب ابنها ولا تتعاطف مطلقًا. ومن خلال علاقة الأم والأب نرى مدى مأساة الغياب وآثارها على الأهل بالنسبة لفرد واحد، بينما هناك على الجانب الآخر (الفلسطيني) آلاف وذويهم يعانون بنفس الشكل، لكن لا أحد يكترث لهم.

يتمتع الفيلم بعدة طبقات من الدراما التي تعكس في كل طية منها تساؤلًا أو فكرة. وإن كان هذا ملائمًا لفيلم طويل، لكنه في بعض الأحيان تسبب في بعض التشتت وعدم المنطقية أحيانًا أخرى، وأكبر مثال على ذلك معرفة آدم لمكان الجندي المختطف دون أن يمتلك مفتاح منزل باسم أو أن يكتشف مكان الجندي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *