آراء وتحليلات

قوانين الإسلام

دكتور / السيد مرسى

امتنعت 48 ساعة عن الكتابة حداداً لوفاة أحد جيرانى، وراجعت كلمات شوقى ” إِنما الموتُ مُنْتهى كُلِّ حي … لم يصيبْ مالكٌ من الملكِ خُلْدا “، وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : ” إن من أمارات الساعة أن يظهر موت الفجأة ” ،.فالموت لا يفرق بين الكبير والصغير وليس له زمان ولا عمر، وهو الحقيقة الكبرى في هذا الوجود التي لا تستطيع قوة على وجه الأرض ان تحول بين الإنسان وبين الموت، لأن الذي أصدر قضاء الموت هو رب العالمين .
وعندها إسترجعت ما فعَلُه النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع الميِّتِ الَّذي ماتَ وعليه دَينٌ؛ حيثُ يَروي جابرُ بنُ عبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما، أنَّه: “كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يُصَلِّي على رجُلٍ عليه دَينٌ”، أي: مات وعليه دَينٌ ولم يترُكْ له وَفاءً يُقْضى به، فإنْ حدَثَ أنَّه ترَكَ وَفاءً صَلَّى عليه، وهذا من التَّغليظِ في أمْرِ الدِّيونِ، ولمَّا كانت صَلاتُه عليه السَّلامُ رحمةً للميِّتِ، ففي عدَمِ صَلاتِه عليه أشدُّ التَّحذيرِ للأحياءِ من التَّهاونِ في هذا الأمْرِ، وليُحرِّضَ النَّاسَ على قضاءِ الدِّيونِ في حياتِهم، والتَّوصُّلِ إلى البَراءةِ منها.
وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( “مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليَوْمَ ، قَبْلَ أَنْ لاَ يَكُونَ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ ، إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مظلته ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ). أخرجه البخاري
فقد شددت الشريعة على حقوق العباد أعظم تشديد، فقد ثبت في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:” أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ: إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ .
وقال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَحْشُرُ اللهُ الْعِبَادَ ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ قِبَلَ الشَّامِ ، عُرَاةً حُفَاةً غُرْلًا بُهْمًا ، قَالَ: قُلْتُ: مَا بُهْمًا؟ ، قَالَ: لَيْسَ مَعَهُمْ شيء وَيُنَادِي مُنَادٍ بِصَوْتٍ يَسْمَعْهُ مَنْ بَعُدَ كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ ، أَنَا الْمَلِكُ الدَّيَّانُ ، لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ، وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَدْخُلُ النَّارَ وَأَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَطْلُبُهُ بِمَظْلَمَةٍ، حَتَّى اللَّطْمَةِ ، قَالَ: قُلْتُ: وَكَيْفَ وَإِنَّمَا نَأْتِي عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا؟ ، قَالَ: الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ .
الخلاصة : أثار إنتباهى حضور أقارب المتوفى إلى رحمة مولاة للسؤال هل عليه دين لأحد ؟، عندما قيل نعم سارعوا بالوفاء دون تردد ، هذه ترجمة عملية وحقيقية مفادها أن القانون الإسلامي متفرد ومختلف عن باقى القوانين الدينية والوضعية الأخرى بالمعنى الحرفى ، لا كلام كما يزعم البعض ، ويحسن بنا المسارعة بالانتفاع بما ورد فيه لحماية الحقوق قبل فوات الأوان ، ولا تعلم من يقوم بسداد دينك ، وفى ذلك قالوا ” إنه دين ، فإذا رق اليقين في الافئدة وسرى الإعوجاج في الأعمال فلا دين “.
والى اللقاء : دكتور / السيد مرسى

 

مقالات ذات صلة