أخبار مصر

مصطفى الفقي يكتب: السلام الهش والنزاعات المسلحة

مأساة الشعب الفلسطينى هى فاتورة مؤجلة على شعوب أوروبا كان يجب أن تدفعها لليهود
كمية الصواريخ والقنابل التى أسقطت على شعب غزة بل الأراضى الفلسطينية عمومًا تكاد تقترب من تلك التى أسقطت على المدن الأوروبية فى الحرب العالمية الثانية..
الصراعات الدولية نوعان إقليمى وعالمى، أما الإقليمى فذلك المحصور فى منطقة معينة أو إقليم بذاته، وغالبًا ما يكون الأمر مرتبطًا بالحدود المشتركة أو بالأراضى المغتصبة وتلك هى الحال الأكثر شيوعًا فى العلاقات الدولية المعاصرة، بل إن الحربين العالميتين الأولى والثانية قامتا نتيجة المواجهة المباشرة بين دول متجاورة مع وجود نزعة محمومة لدى أحد الطرفين فى السطو على حقوق الآخر، أما الصراعات الدولية الكبرى فهى تلك المتصلة بأيديولوجيات سياسية وثقافات مختلفة وأفكار جديدة.
الحروب العالمية على رغم أنها قد تبدو محدودة فى البداية، فإنها حين ترتبط بتوجهات واسعة فإن الأمر يختلف ويصبح ضروريًا أن يكون مرتبطًا بالخيار بين الحياة المنتصرة والهزيمة المميتة، وعلى ذلك فإننا يمكن أن نقول باطمئنان شديد إن الخلافات الإقليمية هى قضايا حدود، بينما الصراعات الدولية هى قضايا وجود! وليس ذلك أمرًا جديدًا، فإذا تأملنا النزاع المسلح القائم حاليًا بين روسيا وأوكرانيا، فسنكتشف أنه نزاع على أقاليم أرضية أو ممرات بحرية أو مدن تاريخية يسعى كل طرف إلى إبراز حقه فيها.
وهنا لا بد من أن نعترف أن مائدة المفاوضات تتحكم بصورة كبيرة فيما يدور، ولسنا نعرف صدامًا بين دول الجوار فى منطقة معينة إلا والتاريخ والجغرافيا يقومان بدور حاكم فى مصير تلك المواجهات، فالصراع العربى – الإسرائيلى يبدو لى شخصيًا صراعًا من نوع فريد فيه مظاهر النوعين معًا، فالسطو الصهيونى على الأراضى العربية هو جزء من أطماع تاريخية من الغرب تجاه الشرق، بل هو امتداد لمغامرات العصور الوسطى حين اجتمعت الممالك الأوروبية فى حملات عسكرية متتالية لغزو الأماكن المقدسة فى فلسطين والشام الكبير، وظلت مستمرة عشرات السنين حتى استرد العرب والمسلمون أرضهم السليبة وتغلبوا على أطماع الفرنجة الذين رفعوا الصليب شعارًا ظاهريًا، بينما الأهداف الباطنية هى أطماع استعمارية بالدرجة الأولى.
وما زالت الذاكرة العربية والإسلامية أيضًا تتذكر الجذور القديمة للنزاع العربى – الإسرائيلى الذى لم يكُن يومًا مسألة حدود، لكنه كان دائمًا قضية وجود كما ذكرنا من قبل، ويهمنى هنا أن أسجل على هوامش هذه المقال بعض الملاحظات، ومن أبرزها:
أولًا: إن الشرق، والشرق الأوسط تحديدًا، هو مهبط الديانات السماوية الثلاث، وهو ملتقى العقائد الإبراهيمية التى تجذر وجودها فى هذه المنطقة من العالم، وبذلك فإنه هو ذاته الشرق بسحره وثقافاته وأساطيره، ما شكل جزءًا كبيرًا من الخيال الغربى عند التفكير فى منطقة غرب آسيا وشمال إفريقيا، ونحن نتذكر دائمًا أن الغرب مدين للشرق فى البدايات بينما دفع الشرق كل الأثمان فى النهايات!
ثانيًا: إن ظاهرة العداء للسامية هى إقحام جديد لقضية مفتعلة يراد بها تكريس المشاعر ضد كل من يرفع صوته برفض الدعاوى الصهيونية أو التطلعات الإسرائيلية، وبدأ الأمر بالحديث عن الاضطهاد الأوروبى لليهود وظهرت المسألة اليهودية على السطح، خصوصًا عندما اتهم الألمان مواطنيهم من اليهود الأوروبيين بأنهم وراء هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى، واستند الرايخ الثالث بشعاراته النازية إلى مفهوم جديد يوجه اتهامًا مباشرًا لليهود فى عدائهم للجنس الآرى، واستخدمت ألمانيا ذلك الشعور المتصاعد كلما اقتربت الحرب العالمية الثانية لكى تقوم بعملية إدانة لليهود وصلت إلى حد الهولوكوست، ونحن لا ننكره عليهم، لكننا لم نشارك فيه ولم نكُن طرفًا لا من بعيد ولا من قريب، فلماذا يدفع الفلسطينيون الأبرياء ضريبة فى هذا الشأن الذى لا يقبله أحد ولا يرضاه عاقل؟
مأساة الشعب الفلسطينى هى فاتورة مؤجلة على شعوب أوروبا كان يجب أن تدفعها لليهود إن شاؤوا، لكنها لم تكن أبدًا فاتورة عربية، لكن بريطانيا وحلفاءها فى مطلع القرن الماضى نجحوا فى تحويل دفة الأمور إلى عداء شديد للعرب واتهامات متصاعدة انتقلت من العداء لليهود إلى ما سموه «العداء للسامية»، متناسين أن العرب هم من نسل سام بن نوح أى أنهم ساميون أيضًا، لكن تلك هى قدرة الصناعة الإعلامية اليهودية التى نجحت منذ مطلع القرن الماضى فى غرس أفكار جديدة جرى حقنها فى إطار شعور عام يسعى إلى تشويه الإسلام وخلط الأوراق وابتداع أفكار خبيثة، يمكن تلخيص أطرافها فى تعبير «إسلاموفوبيا».

نقلًا عن «إندبندنت عربية»

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *