آراء وتحليلات

دقيق العيد والسلطان

دكتور / السيد مرسى

أحد علماء القرن السابع الهجرى ، قال عنه ابن كثير أكثرهم علما ودينا، وورعا وتقشفا، ومداومة على العلم في ليله ونهاره مع كبر السن والشغل بالقضاء ، برع في علوم كثيرة لا سيما في علم الحديث ، وبرز على اهل زمانه، وحيث أن العلاقة بين الفقيه والسلطان تكون جدلية ، لأن الأول صاحب مبادئ دينيه والثاني صاحب سلطة وسلطان ، وبالفعل اصطدم ابن دقيق مع السلطة المملوكية وهى في اشد لحظاتها قوة وبطشها، ففي عام 695 هـ أصبح قاضى القضاة والمشرف على الأوقاف والمدارس والخانقاوات التي أقيمت للصوفية
وقد أرسل له الأمير منكوتمر نائب السلطان لاجين يعلمه ان تاجرا مات وترك أخا من غير وارث ، وأخبره أن يثبت استحقاق هذا الأخ لجميع الميراث بناء على هذا الاخبار ، وقد رفض طلبه وطلب البينة ، ولم يتملق هذا الأمير والذى يعتبرونه السلطان الحقيقى للبلاد ، وتداولت الرسائل بينهما ، وابن دقيق يرفض في كل مرة غير مهتم بمكانة الأمير وسلطانه ، وعندما جاء رسل الأمير لاصطحابه اليه ، قال لهم وهو يلتفت الى من معه من القضاة ، أشهدكم أنى عزلت نفسى باسم الله وقولوا له يولى غيرى ، وعاد الى داره وارسل نقباءه الى نوابه في القضاء في كامل القطر المصرى بمنعهم من الحكم وعقد الانكحة ، فلما بلغ السلطان لاجين الخبر وعرف خطورة الازمة على سلطانه ودولته ، ونظر للقوة الروحية والشعبية لابن دقيق العيد ، وأنكر على نائبه فعله وطيشه ، وأرسل الى ابن دقيق كبار الفقهاء ليصعدوا به الى القلعة لمقابلة السلطان ، ووافق بعد إلحاح – يقول المقريزى حول هذا المشهد النادر في تاريخ العلاقة بين السلطة والقضاء “فصعد بابن دقيق العيد للقلعة، فقام إليه السلطان وتلقّاه وعزم عليه أن يجلس في مرتبته (كرسي السلطنة)، فبسط (القاضي) منديله، وكان خرقة كتان خَلقة فوق حرير الكرسي قبل أن يجلس؛ كراهة أن ينظر إليه ولم يجلس عليه ، وما برح السلطان يتلطّف به حتى قَبِل الولاية (والعودة إلى القضاء)، ثم قال له السلطان: يا سيدي، هذا ولدك منكوتمر خاطرك معه، ادعوا له. وكان منكوتمر ممن حضر، فنظر إليه قاضي القضاة ساعة وصار يفتح يده ويقبضها وهو يقول: منكوتمر لا يجيء منه شيء، وكرّرها ثلاث مرات ظل نائب السلطنة سيف الدين منكوتمر يتحين الفرص، لتمريغ أنف هذا الفقيه الذي أهانه وحطّ من شأنه، والذي أعاد كرامة العلماء والقضاة أمام رجال الحكم والسلطة مرة أخرى، فأرسل إلى القاضي ابن دقيق العيد يتهمه بأنه استولى على أموال بدون وجه حق من موارد إحدى المدراس التي كان يُشرف عليها، فأرسل إليه ابن دقيق العيد خطابا يرد فيه هذه التهم، وكان الخطاب مباهلة وملاعنة على الظالم من الطرفين، ولم يمر سوى أيام قليلة إلا وقُتل السلطان لاجين، وحُبس نائبه منكوتمر ثم أخرج من سجنه وقُتل- كما أورد ابن الوردي في تاريخه.
الى اللقاء : دكتور / السيد مرسى

مقالات ذات صلة