رسائل الشيخ دراز.. رحلة سينمائية للمخرجة ماجي مرجان عن أحد علماء الأزهر
عرض فيلم رسائل “الشيخ دراز” ضمن برنامج أيام القاهرة السينمائي في سينما زاوية، بحضور عدد من صناعه المخرجة ماجي مرجان، والمنتجة والمشاركة في الفيلم نهى الخولي، والمخرجة تغريد العصفوري، والممثل صدقي صخر، وحضور كبير من الجمهور، وأيضاً المنتجة مريان خوري.
وعقب انتهاء عرض الفيلم أقيمت ندوة شملت بعض صناعه أدارها المخرج بسام مرتضى، ووجه بعض من الحضور كلمات الشكر للصُناع، معبرين عن سعادتهم بالتعرف على شخصية الشيخ الدكتور محمد عبدالله دراز ومسيرته العلمية في الأزهر ثم الدراسة والحياة في فرنسا، وحياته الشخصية وعائلته، التي احتفظت بجميع مراسلاته الخاصة ودفاتر ومسودات مقالاته وكتاباته، كنموذج فريد للأرشيف المتكامل والذي يروي الكثير عن صاحبه.
وتدور أحداث الفيلم الوثائقي حول الدكتور محمد عبدالله دراز، الذي نال الدكتوراه في جامعة السوربون الفرنسية، وكتب عن علاقة الإسلام بالأديان الأخرى، واهتم في كتاباته بمبادئ علم الأخلاق في القرآن الكريم، وهو من أبناء ريف محلة دياي مركز دسوق إحدى قرى دلتا مصر، وكان والده من كبار علماء الأزهر.
وسافر الدكتور دراز في البعثة الأزهرية إلى فرنسا عام 1936، حيث درس علم الاجتماع والفلسفة والتاريخ ومقارنة الأديان بجامعة السوربون، وحصل على الدكتوراه في الجامعة نفسها عام 1947 عن رسالته “الأخلاق في القرآن” باللغة الفرنسيّة، والتي طبعت فيما بعد في كتاب بعنوان: “دستور الأخلاق في القرآن”.
• كنوز الأرشيف
واهتمت عائلة الشيخ الأزهري بأرشيف والدهم الشخصي وحافظوا عليه في وضع مُنظمِ للغاية، وكانت الصدفة السبب في صناعة هذا الفيلم، حيث جمعت صداقة بين نهى (إحدى حفيدات الشيخ دراز) والمخرجة ماجي مرجان، وفي إحدى الأيام كانت ماجي في منزل نهى، وعرضت عليها الأخيرة بعض صور من الأرشيف الخاص بالعائلة.
ثم قالت: “لماذا لا نصنع كتابا؟”، وكان رد ماجي: “ولماذا لا يكون فيلما؟!”، ومن هنا كانت شرارة الفكرة، التي دعمها أبناء الشيخ دراز الأحياء وأحفاده.
وقالت المخرجة ماجي مرجان، في النقاش المفتوح عقب الفيلم: “هذه العائلة لديها أرشيف ضخم جدا وعظيم للغاية، يستطيع أي باحث أو مبدع أن ينتج منها مادة بصرية ثرية أو مواد بحثية أكثر بكثير مما قدم في الفيلم، لكن كان اختياري لرواية حكاية هذه العائلة وربها الشيخ دراز هو المراسلات التي كتبها بخط يده إلى زوجته وأولاده أثناء فترة سفره الأولى إلى فرنسا، ثم ما كتبه عامة في مذكراته اليومية”.
وأضافت: “واختياري لهذا الشكل والأسلوب للحكي جاء من انبهاري الشديد بعائلة دراز، كان لدي رغبة وحب قوي يجذبني لسماعهم والذهاب للأماكن التي عاشوا فيها مع والدهم مثل منزلهم في فرنسا؛ لأن هذه الحكاية لا تعبر عنهم بمفردهم ولكن قصص كثيرة تتشابك معهم، وهناك فضل كبير يعود للمخرجة تغريد العصفوري فيما يخص أسلوب الحكي والبناء الدرامي للفيلم”.
وأوضحت العصفوري: “التحقت برحلة الفيلم في مرحلة متأخرة بعض الشيء، بعد تصوير عدد كبير من المادة البصرية والمشاهد، لذلك فالفيلم له أكثر من نسخة، لكي نستطيع الخروج بالشكل النهائي الذي شهده الجمهور اليوم، وكان لدينا حرص شديد على عمل مزج بين العائلة والعِلم في حياة الدكتور دراز، لأن محاولة التوازن بالنسبة لنا كانت مهمة، لكي يرى المٌشاهد الفيلم من الزاوية الخاصة به، سواء كانت اهتماماته علمية تتمحور حول التعرف على أفكار هذا الرجل، أو مُشاهد مهتم بالمشاعر الإنسانية داخل هذه الأسرة”.
• المادة البصرية للفيلم 70 ساعة
وكشف فريق العمل، أن المادة البصرية الخاصة بالفيلم التي تم تصويرها تبلغ 70 ساعة تقريبا، بينما النسخة النهائية التي عرضت فهي ساعة وثلث فقط تقريباً.
واستمر النقاش المفتوح بين الصٌناع والجمهور، وقالت ماجي خلاله: “إنها لم تكن تعلم شيئا عن هذا الرجل إلا بعد معرفتها بنهى، وفي حالة الدكتور دراز شعرت أن أولاده وعائلته هما أيضاً ميراث مهم للغاية، مثل الكتب التي تركها؛ لأنهم بشخصياتهم وأسلوب حياتهم نموذج، وعدم وجود كثير من الأجزاء في الفيلم حول علمه، يرجع إلى اهتمام كبير بالعائلة، ففي النسخة الأولى على سبيل المثال تواجد جزء كبير من العمل خاص بمدرسة محمد عبده والفكر التنويري وعلاقة الدكتور دراز بذلك، لكن تم اختصار الكثير منه لأن من يحتاج إلى هذه المعرفة فاليبحث في كتبه”.
كما شاركت هدى الخولي في النقاش، وقالت: “طول عمري نفسي أحكي عن جدي لأن كبرت بسمع حكايات كثيرة عنه، لذلك كان لدي رغبة مُلحة أن أروي هذه الحكايات، وبعد الصدفة التي تسببت في ميلاد فكرة فيلم وثائقي، تأكدت مع الوقت أن ليس هناك من يصلح لإخراج الفيلم سوى ماجي”.
وأضافت: “بدأنا تفكير فعلي في هذا المشروع عام 2015، وانتهينا من النسخة الأولى منه عام 2016، وكان فيه جزء كبير من الاهتمام بالأسرة، ولكن لم يكن هناك حالة رضا كاملة عنها، واستمر العمل في المشروع وانطلقنا في صناعة نسخة أخرى منه عام 2018 أو 2019 تقريبا؛ لأنه كان فيه تخوفات كبيرة وشعور بالمسؤولية ونحن نتحدث عنه لأنه شخصية مهمة”.
واختار صناع العمل أن يكون هناك صوت خارجي لا نراه يعبر عن الدكتور دراز يقرأ مراسلاته، ورغم توفر نسخ صوتية مسجلة للرجل في الإذاعة المصرية، إلا أنهم لم يستعينوا بها، واختاروا أن يكون صوت الراوي المصاحب الأول للجمهور.
وقد علل الممثل صدقي صخر، الذي قام بالأداء الصوتي، ذلك قائلاً: “كنا في حيرة من أمرنا كيف سنختار طبيعة الصوت الذي يقرأ أجزاء من المراسلات، هل أقوم بتقليد صوت الرجل، أم نستخدم اللغة العربية الفصحى في القراءة أم ماذا؟، ولكن في النهاية حدث استقرار على أن نتبع الاختيار الفني والإنساني، أن يكون الحكي بصوت قريب من القلب بلغة مبسطة تقترب من العامية تعبر عن مشاعر الكلام، الابتسامة أو القلق وكأن الرجل يتحدث في المنزل إلى أسرته”.
وصدقت ماجي على كلام صخر مُعلقة: “صدقي صخر أضاف إلى المراسلات حياة بصوته وأسلوبه”.
وتناول الفيلم أكثر من مرحلة في حياة الدكتور دراز، وعن طبيعة حياته الشخصية وتربية أبناءه وبناته، وكان عددهم 10 أبناء، وكيف مرت عليه أيام الحرب العالمية الثانية وتأثيرها عليه، وكيف أنجز رسالة الدكتوراة الخاصة به في قبو مختبأً من القنابل في أحيانِ كثيرة.
وتعرض أيضاً الفيلم لتأثيره الممتد حتى الآن من خلال آراء المتخصصين الأكاديميين في مصر وخارجها، والمُحبين له الذي أدى تعرفهم على كتبه إلى تغير حياتهم.
ويمر الفيلم أيضاً بعلاقته مع نظام الحكم بعد ثورة 1952، وأسباب رفضه لتولي منصب شيخ الأزهر ثم المنع من الإذاعة فيما بعد.
كما يحتوي الفيلم على مادة أرشيفية كبيرة من المراسلات والصور العائلية، التي تعبر عن نمط حياة الرجل وأسرته التي لم تكن أي من نسائها محجبات.