أشباح القدس وصراع الذاكرة.. مؤيد عليان يروي لـ الشروق تفاصيل فيلمه A House in Jerusalem
في قاعات السينما البريطانية، بالتزامن مع الحرب قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، وما خلفته من توترات وصعود لموجات من التطرف في أنحاء العالم، كان يعرض الفيلم الفلسطيني ” A House in Jerusalem”، على مدار 6 أسابيع منذ 31 مايو الماضي، ومازال يعرض في عدد قليل من دور العرض حتى الآن.
الفيلم يروي قصة فتاة يهودية تقع في صداقة مع شبح فتاة فلسطينية تسكن في المنزل الذي طردت منه عائلتها منذ عقود طويلة عقب حرب 1948.
وللحديث أكثر عن الفيلم أجرت “الشروق”، حوارًا خاصًا مع المخرج الفلسطيني مؤيد عليان.
الأشباح والبيوت في القدس
يحاول صناع السينما في فلسطين طرح أفكارهم حول الاحتلال الإسرائيلي في أفلام متنوعة، بين الوثائقي والروائي، والروائي بأنواعه المختلفة، وفي فيلم “A House in Jerusalem”، اختار صُناعه، مؤيد عليان وشقيقه رامي، أن يكون الفيلم في إطار الرعب، وعبر هذا الاختيار حاول مخرج العمل مؤيد عليان أن يطرح حكاية منزل أُجبر سُكانه الفلسطينيين على تركه عام 1948، ولكن ظلت إحدى الأرواح متعلقة به.
وأوضح مؤيد عليان، في حواره لـ”الشروق”، سبب اختيار الرعب كنوع درامي يطرح من خلاله أفكاره في الفيلم، حيث قال: “عائلتي، من جهة والدي وأمي، هم فلسطينيون من القدس نزحوا وأصبحوا لاجئين في عام 1948، لكنهم كانوا من بين القلائل المحظوظين الذين أصبحوا لاجئين، وأجبروا على الانتقال ولكنهم ظلوا داخل فلسطين التاريخية، ولم ينتهِ بهم الأمر كلاجئين في البلدان المجاورة مثل غالبية اللاجئين الفلسطينيين”.
وأضاف “عليان”: “عندما كبرت، كنت أنا وأخي رامي متأثرين دائمًا بالقصص التي كانوا يروونها لنا عن الحياة التي كانوا يعيشونها قبل الاحتلال، قصص عن حقولهم ومنازلهم وأحيائهم ومحلاتهم التجارية، فكان لجدي محل جزارة في القدس الغربية، حيث كان والدي يعمل عندما كان مراهقًا في توصيل البضائع على دراجته في المنطقة إلى المنازل والأديرة والمدارس، كان يعرف أحياء القدس الغربية جيدًا، ولقد كان واضحًا لنا عندما كنا أطفالًا أن والدينا وجدتنا كان لديهم قطعة من أرواحهم لا تزال موجودة في هذه الأماكن، لقد عاشوا حياتهم تاركين ورائهم قطعة مكسورة من أرواحهم، وهذا ما ألهم فكرة القصة مع الأشباح والبيوت في القدس الغربية”.
وتابع: “إنها قصة عن الأشباح التي نتركها وراءنا، في الصدمات التي تؤثر علينا كثيرًا، تنكسر روحنا ويبقى جزء منها مع الأشخاص والأماكن التي نحبها”.
وواصل: “تدور أحداث الفيلم حول فتاة يهودية بريطانية، ذات 10 سنوات، تدعى ريبيكا، تنتقل مع والدها من المملكة المتحدة إلى القدس بحثًا عن بداية جديدة، بعد تعرضهما لصدمة كبرى بعد حادث أدى لوفاة والدتها، وتقيم الفتاة ووالدها مايكل في منزل في أحد أحياء القدس الغربية المعروف باسم وادي الأشباح، والمنزل كان قد اشتراه جد مايكل من الحكومة الإسرائيلية في الستينيات”.
واستطرد: “تلتقي الطفلة بشبح فتاة تدعى رشا وتنشأ صداقة بينهما، لكن لا أحد يستطيع رؤية رشا سوى ريبيكا مما يجعل والدها يظن أنها أصيبت بمرض نفسي نتيجة لصدمة موت الأم، ويستعين بأطباء نفسيين للتعامل معها، لكن ذلك لا يفلح وتقوى العلاقة بين رشا وريبيكا، وتحكي الأولى لها عن تاريخ المنزل والعائلات الفلسطينية والمخيمات، وإجبارها على ترك منزلها أثناء النكبة عام 1948”.
عيون الأطفال أصدق لسرد الحكايات
وأردف: “يعود إنتاج هذا الفيلم إلى اتفاق أبرم بين المملكة المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية، وفي أول إنتاج مشترك بين المملكة المتحدة وفلسطين يتم إنتاجه بموجب الاتفاق، الذي تم توقيعه في عام 2010، وتقوم بدور ريبيكا شابيرو، الممثلة مايلي لوك، التي اشتهرت ببطولة المسلسل الحائز على جائزة البافتا ” There She Goes” على قناة بي بي سي”.
وقال إن همه الأول الذي شغله كصانع أفلام فلسطيني، أن يكون الفيلم وقصته وطريقة تنفيذه، من تمويل وتنفيذ وإلى آخر التفاصيل، يدفعه بما فيه الكفاية أن يشعر أنه يترك هذه التجربة ورائه بعد أن يأتي الأجل.
واختار عليان، أن تكون بطلة القصة طفلة يهودية وافدة من خارج دولة الاحتلال، ولا تعيش فيها منذ زمن، كما أنه منحها خط درامي مكتمل لسرد مشاعر الفقد لديها ومعاناتها بعيدا عن بيئتها الأولى ووالدتها.
هذا ما دفع لطرح سؤال على عليان عن مدى قلقه من هذه النقطة، وأجاب أنه لم يخف من أي نقد، وقال: “هذا مستوحى من الحقيقة، 99% من المجتمع اليهودي الإسرائيلي مجتمع مستعمر ووافد إلى فلسطين، حتى هذه الأيام لا يزال وصول عائلات مهاجرة من أوروبا وأمريكا وغيرها مستمر”.
وأضاف: “وإذا مشيت في القدس الغربية تستطيع سماع لغات مختلفة من مهاجرين يهود من أصول مختلفة، ولقد اخترنا أن نتبع السرد من خلال عيون طفلة لم تفسدها سياسات الكبار وتحيزاتهم، هم في عمر يسمح لهم بوضع مرآة في وجه عالم الكبار”.
وتابع: “نحن نتابع الرحلة الشخصية لكلتا الفتاتين أثناء شعورهما بالحزن والتعامل مع الفقد الشخصي، ولكن الرحلتين تقودان إلى كشف حقيقة الخسارة الجمعية للاجئين الفلسطينيين بشكل خاص الذين أجبروا على ترك منازلهم وفقدوا أحباءهم”.
واستطرد: “لقد تزامن عرض الفيلم مع أحداث وتقلبات عالمية، نتيجة الأوضاع في غزة، ولكن ذلك لم يمنع عرضه في صالات السينما البريطانية، وهذا لا ينفي وجود تضييق وصعوبات كبيرة واجهت الفيلم”.
عليان في حواره لـ”الشروق”، لم يوضح المضايقات والصعوبات التي تعرض لها الفيلم بشكل كافٍ، واكتفى بالقول: “لقد واجه الفيلم خلال رحلته في المهرجانات والعروض تضيقات وحواجز مختلفة، يصعب الحديث عنها حاليا ولكن بالتأكيد سيأتي وقت مناسب للسرد ما حدث”.
كل فيلم فلسطيني هو انتصار للذاكرة
ويعتبر مؤيد عليان، الأفلام بمثابة انتصار للذاكرة، وضد كل محاولات الإزالة التي يقوم بها الاحتلال لفرض قصته الخاصة عن فلسطين على حساب الملايين من أبناء هذا الشعب.
وقال: “الذاكرة هي أهم ما نتمسك به، لا أحد يستطيع أن يسلبنا ذاكرتنا، قضيتنا باقية ما تمسكنا بالذاكرة وتوارثناها، كذلك السينما والرواية، كلما أنجز فيلم فلسطيني نكون قد انتصرنا على كل القوى التي تحاول مسحنا”.
وعن مراحل صناعة الفيلم، أوضح المخرج الفلسطيني، أنه كان هناك اهتمام خاص بالجانب النفسي، وأراد عرضه باتقان، متابعًا: “خلال عملية التطوير والكتابة تحدثنا كثيرا مع خبراء في كل ما يتعلق بالصدمة، وخصوصا في حالات الأطفال، كان ذلك مهما لي أيضا للعمل مع الممثلات الصغيرات المبدعات، لأن الموضوع حساس ويحتاج إلى تعامل خاص”.
أما عما يحدث في غزة، فلم ينهِ عليان حديثه دون الإشارة إليه، وقال: “ما يجري في غزه أبشع مذبحة شهدها التاريخ الحديث، والأبشع هو تحيز ومساهمة العالم الغربي، مدعي الدفاع عن الديمقراطية والحرية، في هذه المذبحة، لم أفكر بعد في صناعة فيلم عنه، ولكن ألهمني لأساهم بدعم كل السينمائيين الأصدقاء، وكذلك جيل السينمائيين الشباب من غزة ليروا القصص وينتجوا أفلامهم”.
يذكر أن الفيلم حصد حتى الآن تقييمات جيدة على منصات تقييم الأفلام العالمية، فقد حاز على 10/6.7 نقطة على منصة IMDB، وتقييم 75% على منصة rotten tomatoes، فضلًا عن أنه طاف العديد من المهرجانات.
ويشار إلى أن الفيلم حصد كثير من الجوائز، منها: “جائزتي أفضل فيلم وأفضل مخرج من مهرجان البسفور السينمائي، وجائزة الجمهور من مهرجان بوسطن فلسطين السينمائي في الولايات المتحدة، ورشح لميدالية غاندي لليونسكو في مهرجان غوا السينمائي في الهند، وعرض في مهرجان روتردام السينمائي الدولي في هولندا وغيرها من المهرجانات”.