أخبار الفن

دموع نور الشريف فى الإسكندرية.. «الشروق» تستدعي مشهد الوفاء العظيم في ذكرى رحيله

يبقى الفنان نور الشريف، أحد أيقونات التمثيل فى مصر، قدم عبر كثير من أفلامه التى تعد علامات فى تاريخ السينما أفكارًا ورؤى ارتبطت بالمجتمع بوجوهه السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن كونها حالة إبداعية خاصة.

فى ذكرى رحيله التاسعة والتى توافق ١١ أغسطس، تقفز بخاطرى تلك اللحظة التى لا تنسى، حينما كنت أدير ندوة تكريمه بمهرجان الإسكندرية السينمائى فى آخر أيامه؛ رأيت حزنا حقيقيا فى قلوب وعيون كل نجوم السينما المصرية وهم يلتفون من حوله، تحول مشهد التكريم إلى لحظة حب كبرى وكأنه رثاء، استقبل نور الشريف تلك المشاعر بالدموع أيضا.. تحدث نور عن المشوار وهو يبكى، وظل يرسل قبلاته لتلاميذه الذين ملأوا القاعة، قبل أن يلتفوا حوله ويصفقون له وهم يرددون «بنحبك يا نور» فى مشهد الوفاء العظيم.

لم أستطع أن أوقف تلك المشاعر لتبقى الندوة فى مسارها الطبيعى، تركت الجميع يدلون بشهاداتهم، كل نجم يحكى عما لديه لنور الشريف، وكنت أنا والنجم الكبير بالحوار نتبادل المناديل لتجفيف الدموع التى لا تتوقف.

قال نور الشريف إن جيله من الفنانين استمتع بتكريمه وهم على قيد الحياة، وأنهم من أكثر الأجيال حظا وكانوا يحبون السينما ويجدون دعما من الجميع.

وأضاف أنه يدين بالفضل للعديد من النجوم الكبار ومنهم المخرج محمد فاضل الذى عمل معه فى مسلسل «القاهرة والناس»، ورغم نجاح المسلسل لكن البعض حاول تغيير المخرج محمد فاضل لكننا اعترضنا، وأنا أدين بالفضل لهذا المخرج، ونحن جيل محظوظ فنيا لأننا تعلمنا على يد أساتذة كبار وذكر منهم حسن الإمام.

وأشار نور إلى أن عادل إمام هو من رشحه لأول فيلم من بطولته، كما أكد أنه يدين بالفضل للفنان على فهمى وجلال الشرقاوى وسعد أردش، فهم الذين جعلوه يحب السينما.

وقال، الحظ خدمنى لأن الأجيال التى عاصرتها من خريجى أكاديمية الفنون كانت واعية وتعرف وتدرك جيدا الواقع الذى تعيشه وكانت لها اهتمامات سياسية، ونصح نور الشريف الأجيال الجديدة بأن يحبوا بعضهم مع الاحتفاظ بالمنافسة، وهو ما كان موجودا فى الأجيال السابقة، ضاربا مثالا بعلاقته بالنجم الكبير محمود ياسين وحرصهما على تهنئة بعضهما بالأعمال الجيدة التى يقدمانها.

والحقيقة أن أفلام الراحل نور الشريف، عبرت عن واقعها وأيضًا عن المشاكل التى يعانى منها المواطن البسيط. سواء فى عصر الانفتاح، أو عصور أخرى وطوال هذه الأعمال كنا نرى الممثل الذى ينمو نحو قمة الأداء بوعى وعبر تجسيد شخصيات تعزف على وتر جمعى وكأنها تحاكى كل البشر.

يبنى لنفسه مخزونا ثقافيا ومعرفيا وإنسانيا، ولم يكتف بأن يختزن فى عقله ملامح الشخصيات التى يُقابلها لكنه رسمها بقلمه فى كراسات كثيرة أصبح يعود إليها بين الحين والآخر.

الممثل فى رأيه كائن متكامل غير قابل للتجزئة، حريص على الاهتمام بكل تفاصيل العمل الفنى، من سيناريو وإخراج، من موسيقى وديكور وإكسسوار وملابس.

وهنا وفى مسيرة نور الشريف أتوقف عند «كتيبة الإعدام» بتجسيده إحساس الشخصية بالانكسار، وبالهزيمة قبل أن ينتفض للثأر، و«ناجى العلى» الذى أوحى باختناق البطل وبحصاره المتواصل على كل المستويات ثم تمسكه بأفكاره فهو فى هذا الفيلم طرح بأداء واعٍ ورؤية واقعية قضية مواطن وحرية وطن.

أدرك نور الشريف أن كتابة السيناريو فى السينما المصرية مسئول عن جزء كبير من رسالة العمل ونجاحه فى مراعاة وحدة الزمان والمكان، مثلما جاءت مجموعة أفلام الانفتاح «البحث عن سيد مرزوق»، وكم كانت نظرة بطلنا الواعية والملهمة فى «سواق الأتوبيس» حيث نرى فى مشهده الاستهلالى ظهور «حسن» سائق الأتوبيس ــ الذى جسده نور الشريف ــ وهو يتنبه لحادثة سرقة فى الأتوبيس فيهم بمطاردة اللص ولكنه يتوقف ثم يتابع السير بلا مبالاة مثل الآخرين، ونهاية الفيلم أيضا تكون بمشهد مشابه لحادثة مشابهة لكن موقف «حسن» يتغير هنا ويصبح أكثر جرأة، إذ يقفز من مقعده ليطارد اللص حتى يقبض عليه، وبكل الألم والمرارة فى داخله ينهال على اللص ضربا باللكمات وهو يقول «يا ولاد الكلب» فى صيحة غضب مدوية فى مشهد عظيم أبدع فى أدائه لنور الشريف وانتفض معه المشاهد.

نجاح سواق الأتوبيس لأنه تحدث بمرارة عن أشياء عادية بوعى وصدق دون وقوع فى مباشرة، لنظل مشدودين لمتابعة رحلة «حسن» حتى النهاية والتى انتقدت ذلك الخراب الذى حل بالمواطن المصرى العادى فى عصر الانفتاح، ورصده لتداعيات التفكك الأسرى والانهيار الأخلاقى نتيجة التغير المفاجئ فى العلاقات الاجتماعية فى عصر الانفتاح.

هناك ثمة علاقة تلمسها بين هذا الفيلم وفيلمه الآخر مع عاطف الطيب أيضا «ليلة ساخنة» أما أبرز أفلام مرحلة الانفتاح فقدمها نور الشريف مع على بدرخان وهو فيلم «أهل القمة»، حيث يشكل إدانة مباشرة لهذا الانفتاح المشوه، بحسب تعبير الشريف نفسه.

ايضا فيلم «زمن حاتم زهران» عام 1986، وهو من انتاج وبطولة الفنان نور الشريف، فى سادس تجربة انتاجية له، بعد افلام دائرة الانتقام ـ 1976، وقطة على نار ــ 1977، وضربة شمس ـ 1978، وحبيبى دائما ــ 1979، وآخر الرجال المحترمين ــ 1984.
كما يقدم مخرجا جديدا هو محمد النجار، إيمانا منه بضرورة إعطاء الفرصة للجيل الجديد، بعد أن قدم المخرجين سمير سيف ومحمد خان.

وفى اتجاهات أخرى قدم نور الشريف أعمالا مثل «زوجتى والكلب»، والذى قدم فيه مشاهد تمتاز بالبساطة فى الشكل لكنها تضمنت شحنات فكرية عميقة، وجسد الشريف باقتدار فكر مرزوق الجديد فى السينما والذى اعتمد على الصورة كسبيل لمخاطبة المتفرج، والمشاهد التى تناولت حالة الحرمان الجنسى لدى نور الشريف استطاع أن يجسد أحاسيس القلق والفراغ، بل وكان موفقا فى التعبير عن الوحدة والحرمان وأزمة الإنسان فى بعده عن أقاربه والمدينة ووجوده فى عزلة قاتلة.

وكذلك تجربة «آخر الرجال المحترمين» والتى يؤكد من خلالها بأن على السينما المصرية الاستفادة من الواقع المعاش والاقتراب منه بشكل صادق، وأيضا «قلب الليل»، و«حدوتة مصرية« و«الأخوة الأعداء«، و«حبيبى دائما» الذى يعد أحد أيقونات الرومانسية فى السينما المصرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *