الظرف الراهن يفرض السؤال: هل حان الوقت لإنتاج فيلم جديد يحكي عن القضية الفلسطينية؟
• مطالب بإنتاج فيلم ضخم ناطق بالإنجليزية وتتم الاستعانة بنجوم عالميين لكى تصل الرسالة
• بشير الديك: الصهيونية تجاوزت النازية.. وعبدالرحيم كمال ومروان حامد هما الأنسب لمثل هذا الفيلم
• طارق الشناوى: إسرائيل أدركت أهمية السينما مبكرا وقدمت القضية من وجهة نظرها.. وأرشح أحمد مراد لعمل جديد
• مدحت العدل: دورنا أن نحارب بالفن.. وكل الأوقات مناسبة لتقديم عمل عن فلسطين
• محمود عبدالسميع: النص والإنتاج أهم مقومات المشروع
• إلهام شاهين: لا أجد اسمًا يستطيع كتابة فيلم عن قضية مهمة مثل فلسطين
• عمر هلال: الأمر يتوقف على ما الذى تريد إيصاله للمشاهد والزاوية التى يناقشها
تشهد القضية الفلسطينية تطورا كبيرا منذ أكتوبر الماضى.. لترتدى الصورة أقصى درجات القسوة واللإنسانية عبر عمليات إبادة جماعية لقوات الاحتلال الإسرائيلى ضد أهالى غزة، وهى العمليات التى تجاوزت كل القوانين والأعراف الدولية وطالت مراكز الإيواء والمدارس والمستشفيات، وأدى القصف لاستشهاد الآلاف من السيدات والأطفال والشيوخ، فى مشاهد تتناولها وسائل الإعلام على الهواء مباشرة، تسجل المجازر التى يرتكبها جيش الاحتلال ضد الشعب الأعزل فى فلسطين.
وبدون شك كانت السينما المصرية حاضرة بقوة وشاهدة على القضية فى سنواتها الأولى عبر مجموعة من الأفلام المؤثرة التى ألهمت روح النضال ورسخت لقيمة الدفاع عن الأرض، وفى ظل حالة الترقب والحزن التى يعيشها الوطن العربى حاليا جراء ما يحدث على أراضى غزة، تجدد السؤال عن دور السينما كسلاح مؤثر ضد العدوان، وهل حان الوقت لإنتاج أفلام جديدة تحكى عن قضية فلسطين؟ هذا هو السؤال الذى طرحته «الشروق» على عدد من السينمائيين والنقاد، وفى السطور التالية ترصد إجابات تعكس رؤاهم وتطلعاتهم.
فى البداية قال المؤلف بشير الديك، إن الوقت قد حان لتقديم عمل يتناول القضية الفلسطينية، والوقت حان من زمان، ولكن نشهد الآن أقصى حالات الاستعمار القبيح، والقضية الفلسطينية كانت قد بدأت عام 1947، ولكن ما يحدث حاليا على أرض غزة هو أقصى درجات القسوة واللإنسانية.
وأوضح بشير الديك أن هناك أعمالا تناولت أجزاء عن القضية الفلسطينية بشكل غير مباشر، منهم مسلسله «الناس فى كفر عسكر»، الذى قام بكتابة السيناريو والحوار وتم عرضه عام 2003 على شاشة التلفزيون، مشيرا أن السبب الذى جعل أحداث العنف الأخيرة فى غزة مختلفة عن المرات السابقة، وهو أن كل الأحداث أصبحت مذاعة على الهواء أمام العالم لحظة بلحظة، وما كان يحدث فى غزة فى الفترة الأخيرة تابعه العالم كله، وشكل القضية الفلسطينية اليوم هو شكل مختلف عما سبق، بسبب وجود الإنترنت، وكل شىء أصبح موثقا بالساعة والتاريخ، ولذلك وجب على المثقفين والفنانين العرب أن يعبروا عن هذا الرفض الكامل لكل ما يحدث فى غزة ولأهل غزة العظماء، والذين استشهد منهم أعداد كبيرة معظمهم من النساء والأطفال.
وأوضح «الديك» أن قوات الاحتلال تقول إن الحرب بين إسرائيل ومنظمة حماس، فإذا كانوا يحاربون حماس، فما ذنب البيوت والمستشفيات والمدارس فى هذه الحرب، مشيرا إلى أن الهدف الرئيسى لقوات الاحتلال هو تهجير الفلسطينيين، وخططوا لدخولهم مصر، لكن الدولة المصرية أعلنت رفضها الكامل لهذا المخطط، فهم يقومون بقتل الشعب لكى يقوم الجزء الآخر بترك وطنه، لذلك يجب أن نقدم ما نقدر عليه وما نستطيع.
وعن تصوره لهذا العمل، قال بشير الديك: «أنا ممكن أحكى القصة من وجهة نظر طفل، وأحب أن يتناول العمل مشاهد القسوة التى حدثت لأهل غزة التى لا معنى لها».
وأكد أن الصهيونية فاقت النازية، وهذا القتل المتعمد للأطفال والنساء فى البيوت والأسواق لم يحدث من قبل، وهذه إبادة جماعية للشعب الفلسطينى لم تحدث على مر التاريخ.
وأضاف بشير الديك، أن قسوة الأحداث التى شهدتها غزة تجعله منفعلا بشكل كبير، والانفعال لا يمكنه من كتابة عمل فنى عن هذه القضية والأحداث العنيفة الأخيرة، لأن كتابة عمل إبداعى مهم، فهذا يلزم الإنسان أن يكون هادئا ويحلل لماذا حدث ذلك، وكيف حدث.
وأوضح أنه يرى أن هناك كتابا مبدعين لديهم القدرة على كتابة عمل يتناول القضية الفلسطينية، أبرزهم الكاتبة مريم نعوم، والكاتب عبد الرحيم كمال، كما أنه يرى أن المخرج مروان حامد من المخرجين المميزين ولديه القدرة على تولى مهمة إخراج العمل.
وأكد الكاتب مدحت العدل أنه طوال الوقت يطالب بأن تتم صناعة أفلام تتحدث عن القضية الفلسطينية، وليس الأمر مقترنا بالأحداث الأخيرة التى تشهدها غزة.
وأوضح مدحت العدل أن ما يحدث فى غزة حاليا قد حدث من قبل مرات عديدة، وحدثت مجازر متفرقة فى كل أرجاء الدولة الفلسطينية، مشيرا إلى أن كل وقت متاح لإنتاج أفلام تتحدث عن القضية الفلسطينية.
وأشار «العدل» إلى أنه تناول القضية الفلسطينة فى أحد أعماله الفنية، خلال فيلم «أصحاب ولا بيزنس»، الذى عرض عام 2001، مؤكدا أنه ما دامت القضية الفلسطينية قائمة لابد من تقديم أعمال عنها، لأن دورنا أن نحارب بالفن.
وقال الناقد طارق الشناوى، إن الآوان قد آن من زمان من قبل أحداث غزة الأخيرة، مشيرا إلى أننا تأخرنا كثيرا فى هذه الخطوة، موضحا أن إسرائيل كانت تنظر للسينما منذ أن كانت السينما صامتة، حيث أصبحت السينما ناطقة فى عام 1927، وكانوا يقدمون أفلاما صامتة تقول إن فلسطين هى أرضهم، وأنها موجودة فى التوراة، مشيرا أن إسرائيل استخدمت سلاح السينما من زمان، ونحن تأخرنا جدا فى هذه الخطوة.
وأكد طارق الشناوى أن إسرائيل تقدم الصورة من وجهة نظرهم فقط، وليس شرطا أن تكون الشركة المنتجة للعمل إسرائيلية 100%، فمن الممكن أن تكون أمريكية أو بريطانية، مشيرا أنه شاهد فيلم «جولدا مائير» فى مهرجان برلين السينمائى العام قبل الماضى، وهو يتناول السيرة الذاتية لرئيسة الوزراء الإسرائيلية، ويقولون من خلال الفيلم إن 6 أكتوبر هى نصر لإسرائيل وليس هزيمة.
وأضاف الشناوى أنه من المفترض أن يتم إنتاج فيلم ينطق بالإنجليزية، وتتم الاستعانة بنجوم عالميين، لكى تصل الرسالة، مشيرا إلى أن الرئيس الراحل محمد أنور السادات كان لديه طموح نحو هذا الأمر، وقام بالتواصل مع الفنان العالمى عمر الشريف بعد حرب 73 لكى يتم تقديم عمل سينمائى يتناول هذه الفترة، بالإضافة إلى القضية الفلسطينية، لكن النجم العالمى عمر الشريف تخوف من فشل هذه التجربة، ويتحمل مسئولية الفشل بمفرده.
وأوضح الشناوى أن هناك كتابا جادين مثل أحمد مراد، لديه خيال وجاد فى البحث من الممكن أن يتولى كتابة عمل عن القضية الفلسطينية، مؤكدا أن العمل لابد أن تتوافر له إمكانيات ضخمة، وبالتالى من الممكن أن يكون عملا عربيا أو عملا مشترك مع دول أجنية، ومن الممكن مشاركة شركات إنتاج فى دول متعاطفة يشاركون فى الإنتاج فتزيد الميزانية وتزيد الإمكانيات ويتم تقديم عمل أكثر روعة، أهم شىء أن يكون عملا عالميا، أى غير ناطق بالعربية، ويكون ناطقا بالإنجليزية، «احنا مش هنقعد نكلم نفسنا، لأ احنا هنكلم الغرب».
وقال مدير التصوير محمود عبد السميع، إن القضية الفلسطينية هى قضيتنا وقضية كل عربى، فهى قضية الجغرافيا والتاريخ وكل شىء، ومن الطبيعى أن ننفعل بسبب الأحداث ومع المواقف الجارية ونعبر عنها، ولكن ما مدى المتاح والممكن فى هذا الأمر، هذه هى المشكلة، والتدخل العالمى والضغوطات الدولية أصعب من أى حدود.
وأوضح إنه لا يملك أى ترشيحات لمن من يستطيع أن يقوم بهذا العمل، ولكن الشخص الجيد يفرض نفسه بعمله ويجذب إليه أفضل الأعمال، ولدينا أفضل صناع السينما فى الدنيا، ولكن أين الفيلم الذى نستطيع تقديمه عن القضية الفلسطينية؟
وأكد محمود عبد السميع أن أهم شىء فى مشروع ضخم مثل هذا هو الكتابة، من الذى يستطيع صياغة الكلمات على شكل صورة، وليس مجرد نصوص مكتوبة، مشيرا إلى أن الفيلم أيضا يحتاج إلى تمويل ضخم.
وقالت الفنانة إلهام شاهين، إنها لا تجد من تثق فى فكره بالوقت الحالى لكى يكتب فيلما عن القضية الفلسطينية، خاصة أن موضوع القضية الفلسطينية لم يحل بعد ومازال مفتوحا، ولا يمكنك صناعة فيلم بدون نهاية، النهاية التى كلنا نتمناها هى تحرير كل الأراضى الفلسطينية من العدو المغتصب للأرض، ولكن هذا الفيلم تحديدا سيكون بمثابة فيلم وثائقى يحكى الحقيقة وكل التفاصيل التى قد لا يعرفها الكثير من الجمهور.
ومن هنا ترى إلهام شاهين أن التوقيت الحالى ليس المناسب للفيلم الذى تتمنى أن تراه على الشاشة عن فلسطين.
وأوضحت إلهام شاهين إنها كانت تتمنى جدا أن يكون الراحل وحيد حامد مازال على قيد الحياة بيننا، فهو من وجهة نظرها الوحيد القادر على كتابة فيلم قوى وموثق عن القضية الفلسطينية بعيدا عن التناول الدرامى الوثائقى، ليصبح فيلما دراميا قويا يجذب المشاهدين لدور العرض السينمائى، وذلك لأنها تثق فى فكره وطريقة كتابته وفى بحثه الدائم عن الحقيقة.
وأشارت إلهام شاهين إلى أنه من بعد وحيد حامد وأسامة أنور عكاشة ومحسن زايد، لا تجد اسمًا يستطيع كتابة فيلم بهذا الحجم فى قضية مهمة مثل القضية الفلسطينية، ويكتبها بطريقة صحيحة وإحساس صادق وجرأة ويبحث عن الحقيقة والخبايا التى تعمد إخفاءها العدو المغتصب ومن يسانده، منذ بداية القصة والتى يظن البعض أنها بدأت عام 1948، ولكنها بدأت قبل ذلك بكثير والتخطيط لها بدأ قبل سنوات من هذا التاريخ، وليس مجرد فيلم عن الواقع الحالى والأحداث الجارية التى نعيشها، وذلك لكى يعرف الجيل الجديد والجيل القادم، كيف وصلنا إلى هذا الحال بشكل صادق وأمين بدون تزوير أو تغيير فى الأحداث.
وقال المخرج محمد على، إن اعمال السينما العربية لا تخلو من الكلام عن القضية الفلسطينية، مضيفا أنه من المفترض أن يتم تناول القضية بشكل مباشر فى عمل فنى، وهذا أضعف الإيمان، على الأقل يكون هناك عروض للأفلام التى تناولت القضية من قبل فى تاريخ السينما العربية، ويتم عرضها فى أسابيع خاصة لدعم نضال شعب فلسطين.
وأكد محمد على أن السوشيال ميديا استطاعت أن تنقل الأحداث للعالم بشكل مباشر، ولا يوجد أى إنسان عربى لا يتفاعل مع القضية الفلسطينية، وفيما يخص الأحداث الأخيرة يعتقد أن الغرب سيسبق العرب فى تقديم القصة فى أعمال سينمائية.
وأوضح «على»، أنه متحمس للمشاركة فى عمل يتناول القضية الفلسطينية، قائلا: «أكيد متحمس أنى أشارك فى عمل يتحدث عن القضية، لا يوجد فى العالم قضية نبيلة من ذلك، فأنت تتحدث عن حق شعب فى الحرية وأنه يقرر مصيره، وهى قضية إنسانية، أى إنسان يتمنى أن يشارك فيها، وأى مخرج لديه حس إنسانى سيتحمس لهذا الموضوع بغض النظر عن جنسيته أو ديانته.
وقال المخرج عمر هلال، إن الوقت دائما مناسب لصناعة فيلم يتناول القضية الفلسطينية، فهى قضية ممتدة لأكثر من 70 عاما، ولكننا لن نستطيع أن نصنع فيلما عن الأحداث الأخيرة بداية من 7 أكتوبر، وذلك لأن هذه الأحداث لم تنته بعد، مشيرا إلى أن هناك دولا تصنع لنفسها تاريخ من خلال السينما، وتزور الحقائق لتصبح صاحبة تاريخ قوى ملىء بالإنجازات والانتصارات.
وأكد عمر هلال أن إنتاج الفيلم سيكون صعبا جدا، خاصة مع وجود تساؤلات كيف سينظر له الجمهور؟ وكيف ستستقبله دور العرض السينمائية؟
أوضح المخرج الشاب أنه من الصعب على شخص عاصر الأحداث من بعيد أن يكتب عنها، وفى رأيه يجب أن يكون كاتب الفيلم فلسطينيا، فهم من عاشوا جميع الأحداث منذ عام 1948، أما نحن فنقرأ عنها فى الجرائد ونسمع عنها فى الراديو والتليفزيون.
وأشار عمر هلال إلى أنه يمكن أن تحكى قصة القضية الفلسطينية من خلال معاناة لشخص ما، مثل ما حدث فى فيلم «وداعا طبريا» الذى شارك فى سباق الأوسكار العام الماضى، حيث رصد رحلة فتاة تحاول العودة إلى منزل والدتها فى فلسطين، وتكشف للمشاهدين أثناء رحلتها عن معاناة الشعب الفلسطينى مع الاحتلال وتحكى لهم قصته دون الدخول فى تفاصيل الحرب والعنف، مؤكدا أن الأمر كله يتوقف على ما الذى تريد إيصاله للمشاهد والزاوية التى يريد مناقشتها، وكيف ستجد الحل المناسب الذى يجعلك تأخذ حريتك فى إظهار حكايتك.