أخبار الفن

المشهد الفني يرفع شعار الجزء الثاني.. لماذا يتناول المبدعون الطعام المبيت؟

أعلن مؤخرا عن وجود عدد من الأجزاء الثانية لبعض المسلسلات والأفلام، التي عرضت خلال العام الجاري والماضي، وبدا الموضوع وكأنه حالة عامة سيطرت على المشهد الفني في مصر مؤخراً، ومن الأعمال التي يجري التحضير لها حاليا: أشغال شقة 2 لـ خالد وشيرين دياب، والعتاولة 2 لـ أحمد خالد موسى، فيلم وش في وش 2 لـ وليد الحلفاوي، والحريفة 2 لـ رؤوف سيد، وغيرهم.

 وهذا السياق يطرح سؤالاً حول سبب انتشار الأجزاء الثانية، أو تكرار الأجزاء عموماً، خلال الأعوام القليلة الماضية، وهذا السؤال طرح على بعض الأشخاص المرتبطين بالصناعة لمحاولة تفكيكه..

– صعوبات دفعت المبدعين نحو التكرار

تفسح هذه الحالة المساحة للنقد وتوصيف ما يحدث أنه حالة من الفقر الإبداعي، ولكن هل هذا التوصيف مناسب أم هناك أسباب أخرى؟، وذلك ما تحدث عنه الكاتب أحمد محمود أبو زيد، لـ الشروق: “هناك أكثر من عامل يتحكم في صناعة جزء ثاني، على سبيل المثال مسلسل كوبرا، الدراما قادتنا في العمل إلى النهاية المفتوحة، أي أنه يحتمل جزء ثاني، لكن أنا لا أصنع جزء ثاني من أعمالي، عرض علي صناعة جزء ثاني من خطوط حمرا والعار وغيرهم لكن رفضت، وفي هذا السياق يجب أن نذكر أن مساحة الموضوع بمفرده ليست العامل الوحيد والأساسي هناك معطيات أخرى للتوجه إلى صناعة جزء ثاني، هل الإنتاج مستعد؟ هل فريق العمل مستعد؟ إذا توافرت جميع الرغبات ممكن يتم صناعة جزء ثاني وممكن جميع العناصر تتوفر والموضوع نفسه لا يحتمل أو لا يحقق نجاح، وفي هذه الحالة يلجأ البعض لـ لي ذراع العمل”.

وأضاف: “بالنسبة لكوبرا الدراما خلتنا نعمل نهاية مفتوحة، أي يحتمل جزء ثاني، ولكن احتمال الموضوع لوحده مش العامل الأساسي، هناك معطيات تانية، هل الإنتاج مستعد هل فريق العمل مستعد، هل توافرت الرغبات كلها لو دا حصل ممكن يتعمل جزء تاني، وممكن كل العناصر تتوفر والموضوع نفسه لا يحتمل أو لا يحقق نجاح، وهنا يحدث لي لذراع العمل”.

وأوضح أبو زيد: “ولكن لا أستطيع القول إن تكرار الأجزاء هو فقر في الإبداع، بالعكس يمكن اعتباره عبقرية، إن الصانع يقدر يصنع جزء ناجح من جزء من آخر، لأن هذا الأمر مواكب لحالة السوق الحالية، ووفقا للمثل العامي حسن السوق ولا حسن البضاعة، هناك أزمة كبيرة في السوق، عدد الأعمال المُنتجة انخفض للغاية، فكيف يضمن الصانع سواء كان مؤلف أو مخرج أو غير ذلك،لكن الجزء الثاني يضمن شغل جديد للصٌناع، لأن لكي يتم البدء في مشروع جديد الأمر صعب للغاية ويحتاج إلى مجهود، لكن الجزء الثاني يوفر كل هذه المراحل، ويحقق ضمان العمل، وبالرغم من ذلك إذا سألت أي صانع أو نجم إذا خُيرت بين حدوتة جديدة وجزء ثاني بالتأكيد سوف يختار الجديد، لأن المبدع بطبعه يحب التجديد، والتكرار أصلا تحدي وامتحان صعب لا يستطيع الجميع النجاح فيه، الصانع الذي يستطيع الاستمرار من خلال عمل واحد هو شخص يستطيع صناعة من الفسيخ شربات”.

وذكر أن “أحد أسباب تكرار الأجزاء هو صعوبة التسويق للأعمال، لذلك هناك بحث عن المضمون، نحن نصنع 20 مسلسل في السنة بينما في 75 مسلسل صنعوا في 2012، حجم السوق كان كبيراً، وحالياً تقلص، أين ذهب من يعملون في هذا المجال مع صغر حجم المُنتج، وقلة عدد شركات الإنتاج، زمان كان العمل يٌباع في الخارج وبالتالي يضمن للمنتج عملة صعبة، كان هناك تسويق في شمال أفريقيا ولخليج، أين حاليا المسلسل المصري المطلوب والذي يعرض على قنوات عربية، حجم السوق الخارجي قل، نحن نصنع العمل ونشاهده مع أنفسنا وأسرنا، وهذا خنق الصناعة، أين التسويق؟! وبالتالي المخرج الذي يجد أن هناك عمل قد حقق نجاحاً يحمد الله ويتشبث به، لكي يضمن أنه سوف يعمل في العام القادم، لأن إذا لم يُطلب منه جزء ثاني، احتمال أن يجلس في بيته 3 أو 4 سنوات بدون عمل، ماذا يأكل؟! لذلك الصناع مضطرين مينفعش نظلمهم، لأن الفنان يحتاج إلى التنوع – مش كل يوم هياكل ملوخية بايتة الناس تقبل أي شئ.. هناكل أكل بايت أحسن من مناكلش خالص”. 

– الوضع أصبح مملاً

كان حديث أبو زيد من داخل المطبخ الفني، ورؤيته الخاصة له، بينما يظل السؤال، ما هو العمل الذي يمكن أن يصنع منه جزء ثاني، وذلك ما أوضحته الناقدة منار خالد، وقالت: “وفقا للقواعد، فالأجزاء الثانية، هي استكمال للعمل الذي منذ بداية كتابته مقرر له كتابة جزء ثاني، لأن مازالت الأحداث الخاصة بالكاتب لم تنتهي بعد، أو أنها أجزاء وليدة الكتابة وأثناءها، حيث الشعور بأن الأحداث والشخصيات تحتمل تفاصيل أكثر وبالتالي يحسب في الاعتبار وجود أجزاء تالية”.

وأضافت: “هي لعبة الربح أو استثمار النجاح أيضاً، حيث العمل المكتوب ومنهي نهاية كاملة من أحداث وشخصيات، ثم بنجاح جماهيري أو إشادة كبيرة ومشاهدة عالية، يليها قرار إنتاج أجزاء جديدة، والبناء من جديد على شخصيات أنهت رحلتها داخل إطار درامتها، ليتحقق ناتجين لا ثالث لهما، إما أن يوفق الكاتب في خلق أحداث جديدة، أو يظهر ويتضح كونه مط مبالغ فيه لتفاصيل الشخصيات والأحداث فقط من أجل استثمار النجاح أم أنه هناك بالفعل قماشة درامية خصبة تسمح بوجود أجزاء تالية وأخرى لا تسمح بذلك”.

وضربت منار مثالاً بمسلسل أشغال شقة، وقالت إن الثيمة الدرامية المعتمد عليها هي شخصية دخيلة “الشغالة” داخل منزل الأسرة، لتحدث حِراك درامي يؤثر على الشخصيات ويجعلها تتفاعل معها لتخلق حدث جديد مع كل حلقة، وبالتالي الاعتماد الأساسي في العمل قائم على “خلق شخصيات جديدة من الشغالات متنوعة ومختلفة عما سبق تقديمه، للتجديد والتطوير من الحدث، مع ثبات تفاصيل الشخصيات الأساسية، لكن في المقابل هذا لا يعني أنه بالضرورة كل الأعمل تحتمل وجود أجزاء متعددة، وفقا للأساس الدرامي القائم عليه العمل، بجانب قدرات الكاتب، وكذلك الهدف منها، هل فقط هو لاستثمار النجاح -الذي لا عيب به- لكنه وحده لا يكفي وسيكون أكثر فنية إذا كان هناك أحداث وشخصيات تحتمل أم لا”.

أما بالنسبة لفيلم “وش في وش”، فيلم درامته بسيطة، عقدته الدرامية بالأساس قائمة على “حبس مجموعة شخصيات مختلفة الأفكار والاتجاهات داخل مكان واحد لمدة زمنية طويلة” ثم بالخروج من الحبس تنفك العقدة ويصل الفيلم لنهايته بالحل، وبالتالي احتمالية وجود أجزاء أخرى بالتأكيد تتطلب جهد أكبر للخروج من ربط عقدة الحدث بالمكان، وبالتالي تتطلب رسم شخصيات جديدة أو ربما إعادة من جديد، أي يحتمل العمل جزء ثاني لكن يحتاج إلى مزيد من الجهد في الكتابة”.

وعن رأيها في مسلسل “عمر أفندي” قالت: “عمل بالأساس قائم على اللامنطق من حيث سببية وجود انتقال بالزمن، حتى وإن كان العمل فانتازيا فلا بد من وجود سبب لذلك الانتقال، بجانب هبوط عنصر التمثيل، وكذلك عنصر الكوميديا، وبالتالي قبل التوجه لإنتاج جزء جديد، لابد من تدارك التفاصيل السابقة بالجزء الأول حتى يكون أكثر جاذبية

وجاء حديث الناقد جمال عبد القادر لـ الشروق مؤكدا المعاني التي أشار لها أبو زيد، وأوضحتها منار، لكنه وصف ما يحدث بالملل “وأن الأمر أصبح ماسخا”، وقال: “الجزء الثاني هو استغلال لنجاح الجزء الأول، ونحن منذ فترة نعاني من فقر في الأفكار، وبالتالي عندما يحدث نجاح لعمل حتى وإن كان نجاح متوسط، أو ربما نجاح جيد، يتم تكرار الفكرة أكثر من مرة استغلالها لها، مثل مسلسل المداح، فهو عمل لا يوجد به فكرة أو موضوع لكن ناجح، وبالتالي اتجه صناعه لعمل أجزاء ثانية وثالثة ورابعة، وبناء عليه الأمر يمكن وصفه بالفقر الفكري لأن ليس لدينا مواضيع جديدة، بعكس أعمال قديمة مثل الشهد والدموع وغيرها التي كان يظهر من البداية أنها مشروعات كُتبت لكي تُعرض على أجزاء، لكن في حالة مسلسل مثل العتاولة، فهو ضعيف على مستوى السيناريو والموضوع لا يحتمل أجزاء، لكن صناعه قرروا استغلال النجاح ويصنعوا نجاح موازي، واتمنى أن كل ذلك يتوقف أو يقل لأن لا يصح أن نصنع 4 أعمال ونعيش بداخلها ونعيد فيها مراراً وتكراراً”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *