حلمي التوني.. أيقونة الفن المصري في تصميم أغلفة المجلات والكتب
قدم العديد من الأغلفة الرائدة عبر إدارته الفنية لمجلة الكتب وجهات نظر.. وعمله المبكر مع مؤسسة الدراسات العربية
نجح الفنان التشكيلى الكبير الراحل حلمى التونى خلال مسيرته الفنية فى تصميم ما يزيد عن أربعة آلاف غلاف للكتب؛ حيث بدأت رحلته الإبداعية مع نهاية الخمسينيات من القرن العشرين، بالتعاون مع أبرز دور النشر والمطبوعات الصحفية فى العالم العربى، استطاع أن يحفر اسمه كواحد من الرواد الذين ساهموا فى تأسيس هذا الفن.
لم يقتصر إبداعه على مجرد تصميم أغلفة الكتب، بل امتد ليصبح رمزًا للفن البصرى العربى الذى تميز بالجرأة والألوان المميزة، مما جعله مرجعًا هامًا فى مجال تصميم أغلفة الكتب.
فى بداياته، كان التونى يعمل على تصميم أغلفة لمجلة «الكواكب» المصرية، ثم تولى مهمة الإدارة الفنية فى «دار الهلال»، وهو الذى أبدع فى تصميم أغلفة كتب نجيب محفوظ التى لا تُنسى. لم تكن مجرد أغلفة، بل كانت لوحات فنية تحمل بصمته الخاصة، خاصة فى تصويره للنساء اللاتى عبّرن عن حساسية أدبية وفنية فريدة. كما كان من صمم أغلفة روايات إحسان عبد القدوس التى ارتبطت بالوجدان العربى، ما أتاح له الفرصة ليكون على تماسّ مباشر مع أعمال أدبية لكبار الكُتّاب العرب مثل أنيس منصور، وعبد الوهاب البياتى، وإبراهيم عبد المجيد، ورضوى عاشور وغيرهم.
وترك أثرًا لا يُمحى فى ذاكرة القارئ، وبفضل عمله المتواصل مع «دار الشرق» للنشر، خاصة إدارته الفنية لمجلة الكتب وجهات نظر التى أكد فى أكثر من مناسبة الكاتب الصحفى الكبير محمد حسنين هيكل أن هذه المجلة تقارب بل تتجاوز الصحف العالمية الكبرى، والتى ننشر منها هنا مختارات من أبرز أغلفة المجلة التى يتضح منها مدى إبداع وجدية حلمى التونى فى تصميم الغلاف والتصميم الداخلى باعتباره رئيسا فنيا للمجلة.
كان للتونى دور بارز فى تصميم الأغلفة التى زيّنت كتب محمود درويش التى أصدرتها «مؤسسة الدراسات العربية». تمكن من إضافة لمسة فنية غاية فى الجمال، إذ طغى الخط العربى بأسلوبه الأنيق على أغلفة تلك الكتب، ما جعلها تبرز بروح مختلفة عن غيرها من الإصدارات؛ حيث كان له أثر ملحوظ فى إبراز الطابع الفنى لهذه الدور والنهوض بمستوى تصميم الأغلفة ليصبح فنًا قائمًا بحد ذاته.
ولم تكن إبداعاته فى مجال التصميم مجرد عمل تقنى أو روتينى، بل كان لكل غلاف يصممه قصة خاصة ورؤية فنية تعكس فهمه العميق للنصوص التى كان يعمل على تقديمها.
عبر سنوات طويلة من العمل الدءوب، أصبح حلمى التونى ليس مجرد مصمم أغلفة بل فنانًا تشكيليًا يجسد الثقافة والفكر العربيين من خلال تصاميمه، التى حملت فى طياتها روح النصوص الأدبية وروح الفن التشكيلى معًا، مما جعله أحد أعمدة هذا الفن التى يصعب تجاوزها.
ما يجعل حلمى التونى مختلفًا عن غيره من الفنانين هو تعدد مواهبه وإبداعاته فى مجالات مختلفة. فهو ليس فقط مصمم أغلفة بارعا، بل أيضًا فنانا تشكيليا ومؤلفا وكاتبا لقصص الأطفال، وهو أيضًا يقوم برسم لوحات ترافق هذه القصص. تتميز لوحاته بأنها تحمل طيفًا واسعًا من المشاعر، حيث تمزج بين البهجة، الحنين، الأسى، والتفاؤل. كل لوحة تعبر عن تفاصيل دقيقة وتلمس وجدان المشاهد، فهى مليئة بالهمسات التى تنطق من خلال تعابير الوجوه وتفاصيل الخلفيات، مما يعطيها هوية ثقافية وفنية عميقة متجذرة فى التراث العربى.
فى الوقت نفسه، استطاع التونى أن يترك بصمة خاصة فى مجال تصميم أغلفة الكتب، حيث تحول كل غلاف صممه إلى عمل فنى بحد ذاته يعكس ملامح الكتاب ومضمونه، لكنه أيضًا يحمل لمسة من أفكار التونى الشخصية وفلسفته الفنية. هذه الأغلفة لم تكن مجرد واجهة للكتاب بل لوحات تقدم رؤى جديدة تنبض بالحياة، وتفتح آفاقًا مختلفة للقارئ من خلال الفن الذى يتقاطع مع الأدب. الغلاف عند التونى هو نافذة لعالم خيالى وفنى يتجاوز حدود الكلمات المطبوعة، ليصبح وسيطًا ثقافيًا بديعًا.
أحد أبرز ما يميز أسلوب التونى الفنى هو استخدامه للرموز الشعبية ذات الدلالات العميقة فى أغلفة الكتب، فقد اعتمد فى كثير من أعماله على رموز التراث المصرى مثل السمك الذى يرمز إلى الخصوبة، والورد الذى يرمز إلى الحب، والسيف الذى يمثل العدالة، كما كان مهتمًا بإبراز التنوع الثقافى فى التراث المصرى، سواء الإسلامى أو القبطى أو الفرعونى، ما أضفى على أعماله عموما وأغلفته خصوصا، بعدًا ثقافيًا وتاريخيًا قويًا، وجعلها جزءًا لا يتجزأ من الهوية البصرية المصرية.