الإنسان والتردد والفقد.. معضلات صعبة في العلاقات الإنسانية عبر عنها برامج أفلام ميدفيست
أقيمت جلسات نقاشية على هامش عروض الأفلام الخاصة بمهرجان ميدفيست للسينما، المقام في الفترة من 12 إلى 15 سبتمبر، وكانت هذه الفعاليات مفعمة بالتفاعل والحديث المتبادل بين الجمهور والضيوف، حيث عرض برنامجان للأفلام، الأول بعنوان “برواز فاضي”، والثاني “برواز مكسور”، استمراراً لثيمة عناوين برامج الأفلام الأربعة التي عرضت في ثاني أيام المهرجان وحملت عناوين “صورة العيلة” و”صورتي أنا وإنت”.
حازت العديد من الأفلام المعروضة على إعجاب الجمهور المتواجد في صالة العرض، داخل الجامعة الأمريكية، وتفاعلوا معها، وبعضهم لامست بعض المشاهد مشاعره بشكل شخصي واستدعت ذكريات يحاول المتفرج الهروب منها.
تم عرض أفلام: أبي لم يمت بعد (روائي مصري)، زي الشمس (روائي مصري)، ماما (روائي مصري)، 9 meters (روائي دنماركي)، ضمن برنامج برواز فاضي، حيث كانت الثيمة الرئيسية اختفاء شخص من حياة إنسان وتأثير ذلك.
تدور أحداث الفيلم القصير أبي لم يمت بعد حول شقيقين بعد وفاة الأب، حيث يعود الشقيق الأصغر من سفره لحضور الجنازة والعزاء، بينما يظهر بعض العداء أو الخلاف بينهما، نتيجة اختيار أحدهما السفر ونجاحه في تحقيق بعض أحلامه، في حين بقي الأكبر مع والده المريض وخسر حبيبته بسبب هذا الاختيار، ويمثل الفيلم هذه اللحظة المربكة للشقيقين.
أما زي الشمس فيروي قصة الفقد، ولكن ليس بين أفراد العائلة، بل بين طالبة ومعلمها، حيث تشعر الطالبة بغضب شديد تجاه الرجل لأنها تعلقت به بشدة، واكتشفت لاحقاً أنه أصيب بمرض ألزهايمر. أما فيلم ماما فيتناول الفقد من زاوية أخرى، حيث تخفي البطلة خبر وفاة والدتها خوفاً من عمها لمدة خمسة أشهر حتى تبلغ سن الـ21، وبالتالي تفقد وصاية عمها على نفسها وشقيقها، وفي سبيل ذلك تخفي جثة والدتها في غرفة بالمنزل. يعاني أيضاً بطل الفيلم الأخير من فقدان الأم، ولكنه يرفض رحيلها ويحاول جاهداً من خلال تحقيق إنجازات في حياته تعزيز شعوره بوجودها.
فتح نقاش بين ضيوف البرنامج والجمهور، حيث تحدث استشاري الطب النفسي أحمد أبو الوفا، وشاركت المنتجة يارا جبران، كما حضر النقاش السيناريست محمد ناير. واتفق الثلاثة على أن الأفلام كانت دسمة من حيث المشاعر لدرجة تشعر المتفرج بالثقل، وأن عرضها في برنامج واحد كان صعباً نفسياً على المشاهدين، مما يثبت أن الأعمال مصنوعة بشكل جيد. وقال ناير: “الأفلام مصنوعة بطاقة واضحة على الشاشة ووصلت للجمهور، وكان التأثر واضحاً علينا جميعاً في الصالة… المخرجون جميعهم متميزون في توصيل المشاعر التي أرادوا نقلها من خلال لقطاتهم”.
من جانبه، تحدث أبو الوفا وجبران عن معاني ودلالات الفقد في كل عمل، واتفقا على أن “أحياناً عندما نفقد شخصاً ما، نفقد جزءاً من شخصيتنا لا يمكن أن يعود، وهذا ظهر في فيلم أبي لم يمت بعد”. وأوضح أبو الوفا أن مشاعر الفقد يمكن أن تتحول إلى مشاعر أخرى، مثل الغضب الشديد في فيلم زي الشمس.
شارك مخرج فيلم أبي لم يمت بعد في النقاش مع الضيوف، وأوضح أن ما شغله أثناء العمل على هذا الفيلم، الذي يعد مشروعه الأول، هو أن الفيلم يتناول مسألة “الاختيار وتبعاته… هل هناك مسؤولية أخلاقية على الشخص الذي يختار السفر؟ هل يشعر الشخص بالذنب لأنه ترك المنزل؟ وهل يجب أن نشعر بالذنب إذا تركنا من نحبهم لتحقيق أحلامنا؟ جميعها أسئلة أبحث عن إجابة لها حتى الآن”.
ضمن برنامج برواز مكسور، عرضت أفلام: Not the 80’s (روائي ألماني)، أحمر (روائي مصري)، Muscle (روائي أمريكي)، Nothing Ever Really Ends (روائي نرويجي)، حيث يركز هذا البرنامج على العلاقات العاطفية الحميمية، بعيداً عن علاقاتنا بالعائلة. يعاني أحد طرفي العلاقة في الأفلام من انهيار العلاقة أو شرخ كبير فيها.
تتركنا بطلة الفيلم الألماني في حيرة، حيث تتساءل عما إذا كانت ستستمر في علاقة مع شاب مصاب بمرض نقص المناعة أم أن قدرتها على التحمل أقل من ذلك. في المقابل، يعرض الفيلم المصري موقف الفتاة التي تجد نفسها مجبرة على الكشف عن عذريتها بناءً على شكوك زوجها. يتناول الفيلم قصتين متوازيتين، حول طبيبة تعاني من سيطرة زوجها، وفي الوقت ذاته تقوم بالكشف عن عذرية فتاة شابها الشك.
الفيلمان الأمريكي والنرويجي يتناولان علاقات تملؤها الشروخ. البطلة في الفيلم الأمريكي تجد نفسها أمام معضلة أخلاقية، حيث يتطلب منها الاهتمام بزوجها المصاب بالشلل، رغم أنه كان مسيئاً لها. أما الفيلم النرويجي فيتناول علاقة حب تستمر لسنوات، يتخللها فترات من الانفصال والعودة، دون أن يتمكن الطرفان من إنهاء العلاقة بشكل نهائي.
علقت سمر طاهر، إحدى ضيوف مناقشة الأفلام، على الفيلم النرويجي قائلة: “الفيلم النرويجي مؤثر جداً، وكل فيلم كان يحتوي على لحظات فاصلة تم تنفيذها فنياً بشكل جيد”. كما تحدثت عن أهمية وجود كاتبات لتناول مشاعر المرأة في الأفلام، قائلة: “وجود نساء في مجال الكتابة والإخراج مهم للغاية، لأنه يمكنهن التعبير عن مشاعر النساء بشكل دقيق”. لكنها أضافت أن هذا ليس شرطاً عاماً، حيث أن هناك رجالاً لديهم الوعي والخبرة الكافية لنقل مشاعر النساء.
علق الفنان أحمد مجدي على الفيلم النرويجي قائلاً: “الفيلم الأخير هو أكثر فيلم قد يشعر به الكثيرون، لأننا جميعاً مررنا بتجارب مشابهة، حيث تملأ العلاقة لحظات من التشتت والشكوك، ولكن هناك دائماً شيء ما يربط بين الطرفين”. وأضاف أن الفيلم الأمريكي كان قوياً وإنسانياً للغاية.
اختتمت الدكتورة ألفت علام، استشاري الطب النفسي، بالقول إن “العلاقات الإنسانية مليئة بالتناقضات والاحتياجات غير المفهومة، وليس من الضروري أن نكون قادرين على شرحها، لأننا لا ننمو كبشر بشكل مستقيم، بل بطرق متذبذبة. الأساس في الإنسان هو التردد، وهذا الجانب عبرت عنه الأفلام بشكل جيد”.