آراء وتحليلات

تحية وسلام لفضيلة الإمام

دكتور / السيد مرسى

تعد القيم والسير مصد للإلهام و منجم للشعوب يمدهم بكيفية التعامل مع نوازل الحياة، ولاسيما عندما يختلط الحابل بالنابل ويصمت العقلاء ويتطاول الجهلاء، وتكثر البلبلة على الشاشات وكذلك وسائل التواصل الاجتماعى، وهنا يحدث تراجع للقيم الشرعية، وفي إطار الاجتهاد الأزهري في فقه النساء ومحاولات التجديد في الأمور الجدلية التي تمس حقوقهن ، فى هذه الاثناء يخرج علينا فضيلة الإمام أحمد الطيب بفكرة مستنيرة تدور حول إحياء فتوى حق – الكد والسعاية للمرأة والتي تقضي بحقها ونصيبها المعلوم في مال زوجها والذى قد يصل إلى نصف ثروته ، سواء في حالة الطلاق أو الوفاة ، نظير عملها ومشاركتها له تكوين ثروته، فى ظل المستجدات العصرية التي أوجبت على المرأة النزول إلى سوق العمل ومشاركة زوجها أعباء الحياة .
وترجع الجذور التاريخية لهذه الفتوى إلى ثورة امرأة في عهد الخليفة العادل عمر ابن الخطاب ثاني الخلفاء الراشدين ، اسمها حبيبة بنت زريق زوجة عامر بن الحارث، ،وهي نساجة طرازه ترقم الثياب والعمائم، بينما كان زوجها تاجرًا ، وكان النزاع يدور حول حقها بعد أن مات زوجها والذى ترك أراضي ودورا وأموالا فأخذ ورثته مفاتيح المخازن ليقتسموا الإرث، فنازعتهم حبيبة لأن هذا الأموال بفضل كدها وسعايتها مع زوجها، فذهبت رفقتهم إلى عمر بن الخطاب ليحكم بينهم ، ، فقضى بينهما بالشركة نصفين فحكم لحبيبة بالنصف من جميع المال جزاء كدها وسعيها ثم بالربع من نصيب الزوج باعتبارها وارثة لأنه لم يترك ولدا ، ووفقا لذلك الحكم من الخليفة الراشد ، وأجمعت المذاهب الفقهية الإسلامية على ذلك ، ولا سيما المذهب المالكي والحنفي ، و عمل فقهاء المالكية على تأصيل حق الكد والسعاية أو حق الشقا، الذى نظمه مالك بن أنس وأصحابه واتفقوا على أنه لكل امرأة ذات صنعة وسعاية مثل نسج وغزل وغيره، وهذا الحق من خلال آلية عرفية قوامها العدل والإنصاف والاعتراف بالجميل، الذى يتضمن حقا لجميع أفراد الأسرة المساهمين في تكوين الثروة الأسرية وإمكانية مطالبتهم بحقوقهم المالية من جراء مساهمتهم في تكوين هذه الثروة.
ويذكر المؤرخ الفرنسى جوستاف لوبون فى كتابه – حضارة العرب – بأن نابليون بونابرت عند ما كان راجعا إلى بلاده فرنسا من مصر سنة 1801 أخذ معه كتابًا فقهيًا من مذهب الإمام مالك بن أنس والمعنون بشرح الدردير على متن خليل ، ومن خلال هذا الكتاب العظيم صدر قانون نابليون والذى أحدث هزة عنيفة فى الأوساط القانونية فى أوربا كلها خلال التاريخ الحديث، بل لم يسبقه فى تاريخ هذه الدنيا سوى محاولات قليلة مثل، قانون حمورابى الذى يعد أول تقنين عرفه البشر، والفتاوى الهندية التى تعد أول تقنين رسمى للفقه الإسلامي على المذهب الحنفي، والذى قام بإصداره الامبراطور العظيم محمد أوزبك الملقب بفاتح العالم.
وفى الأخير جاء هذا النداء من خلال فضيلة الامام أحمد الطيب يتضمن إقرار حق قديم فرضه الشرع الاسلامى الحنيف ، والجميع يتضامن معه، أسوة بما هو مقرر حاليا في تشريعات مدنية عربية مثل تونس والمغرب و البلاد الغربية على سبيل المثال لا الحصر فرنسا ، حتى لا يمارس على الزوجات والامهات المصريات الظلم وهدر الحقوق تحت شعار الإسلام من جانب بعض المفاهيم المعوجة أو المغشوشة ، وقد يحاول بعضهم أن يلبسوها ثوب الدين لفرض سلطانهم، و يكون الدين منها براء، وعلى صاحب المعالى الهمام المشرع المصرى المقدام أن يخرج مثل هذا القانون الى النور ، وفق نص الفتوى هو أن يُستوفى حق المرأة في الكد والسعاية من تركة زوجها المتوفي مع قضاء ديونه، وقبل تقسيم تركته قسمة الميراث الذي تستحقه منه نصيب الزوجة، أي فرض الربع إن لم يكن لزوجها أولاد، أو الثمن إن كان له ولد ، وهذا حق.
وإلى لقاء: دكتور / السيد مرسى

مقالات ذات صلة