بعد استخدامه في عرض مؤخرا.. «الشروق» يستعرض رأي المسرحيين بشأن المخاوف والتطلعات لعالم الذكاء الاصطناعي
عصام السيد: لا يمكن استخدامه فى التأليف والإخراج.. وأمريكا تنبهت لأضراره على المهنة
محمود الحسيني: لم أستخدمه في “ماكبث المصنع” إلا في حوار شخصية “ملهمة”.. وأعدنا صياغة ما قدمه لنا
إبراهيم الحسيني: نحتاج قانون جديد يُحدد استخداماته
أحمد فؤاد: أخشى أن يلغي دورنا في المستقبل في حالة التعامل معه بشكل خاطئ
حازم شبل: أحد التحديات الكبرى وستظل اللمسة الإنسانية باقية
إلى أي مدى يمكن استخدام تقنية برامج الذكاء الاصطناعي في صناعة الأعمال المسرحية وكيفية تأثيره على العناصر الفنية والتلقي؟ ومتى يكون مباح استخدمه، وهل هو أيضا خطر يهدد العملية المسرحية؟
السؤال طرح نفسه عقب استعانة المخرج محمود الحسيني، بالذكاء الاصطناعي فى عرضه “ماكبث المصنع”.
فى هذا التحقيق ترصد “الشروق” رؤية المسرحيين فى الإجابة على سؤال العصر.
يقول المخرج عصام السيد: “الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه في طرق ووسائل جديدة للوصول للجمهور، ولكن المشكلة أن الناس تستخدمه بشكل خاطئ، وأنه يحل محل الفنان، واذكر الإضراب الذي كان في أمريكا خاص بُكتّاب السيناريو، خوفًا من الذكاء الاصطناعي، وكانت شروطهم أن لا يلجأوا للذكاء الاصطناعي إلا في حدود ضيقة جدًا”.
وتابع: “وبالفعل شركات الإنتاج رضخت لمطالبهم وانضم لهم فيما بعد الممثلين خوفًا من الذكاء الاصطناعي، وفكرة شراء وجوههم بمشاعرهم وهم يمثلون، وتنبهوا في أمريكا لخطر الذكاء الاصطناعي على المهنة وأخطاره واضراره وبدأ يكون هناك محاذير لاستخدامه في الفنون والآداب دون المساس بإبداع الفنان ذاته”.
وحول فكرة اللجوء له في التأليف، قال إنه “على سبيل المثال سيكون هذا المنتج ليس تأليف الشخص ذاته وإنما تأليف أشخاص آخرين، بمعنى أن الذكاء الاصطناعي عندما أطلب منه فكرة نص يكتبها سيبحث ويحضر لي أفكار وأعمال ناس آخرين ويدمجها معًا، وهذه تعتبر سرقة”.
وأكد عصام السيد، أنه ضد استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة وأيضًا في الإخراج، وكذلك السينوغرافيا، وأن من الممكن أن يباح استخدامه لحل مشكلة بسيطة في عنصر ما يكون في الأساس من إبداع الفنان، بمعنى أن يكون عامل مساعد ولا يكون هو الأساس، فعلى سبيل المثال من الممكن استخدامه في توزيع أجهزة الإضاءة.
وشدد المخرج أحمد فؤاد، على أهمية أن نعرف أولًا لماذا سُمّي الذكاء الاصطناعي بهذا الاسم، وعرفه بأن الله ميز الإنسان بالذكاء ويجعله يجد حلول إبداعية لمشاكل يقابلها من خلال خبرات عملية أو نماذج نراها، وبالتالي الذكاء الاصطناعي يكون قادر على تقديم حلول إبداعية جديدة لم تحدث سابقًا، لأن لديه معلومات تفوق معلوماتنا، وبالتأكيد سيؤثر الذكاء الاصطناعي على المسرح ولكن يمكن استخدامه في الأمور التقنية وبنسبة وإلا سيضغى علينا، فإن تعاملنا معه خارج حدود التقنيات سنلغي بأنفسنا دورنا الإبداعي، وفي حالة استخدام الفنان لذلك يجب أن لا ينسب العمل له، لأنه بذلك منسوب للذكاء الاصطناعي وليس للفنان.
وأضاف فؤاد: “أتخوف أن يلغي دورنا في المستقبل في حالة استخدامه بشكل خاطئ وخارج الحدود المشروعه له، ويكون الذكاء الاصطناعي مجرد عامل مساعد وفي أضيق الحدود، لأن مع كثرة استخدامه سيتم تعطيل العقل البشري وهذا سيؤدي إلى اضمحلال الصناعة نفسها، والاستغناء عن العنصر البشري ويحل محله جهاز أو تطبيق يعمل بالذكاء الاصطناعي”.
فيما قالت مصممة الأزياء الدكتورة مروة عودة: “الذكاء الاصطناعي دخل في الأزياء خارج مصر وليس داخلها، بحيث أصبحنا نستطيع أن نعرض على الملابس، وأصبح هناك خامات أقمشة كأن بداخلها شاشات يمكننا استخدامها في العرض المسرحي، إلى جانب إمكانية وضع داخل الملابس حساسات استشعار خاصة بحركة الممثل، وتوصيل الملابس بجهاز متصل بالإضاءة، فمثلًا عندما يقفز الممثل ملابسه تصبح صفراء اللون وهي في الأصل لون آخر وهكذا”.
وترى أن استخدام الذكاء الاصطناعي على الملابس إيجابي، ولا يمكننا أن نهاجم التكنولوجيا والتقدم ويجب أن نواكبها، ولا نستخدمها بأساليب تقليدية، ولكن دون أن يعتمد المصمم عليها اعتمادًا كليًّا، وأصبح الآن هناك أبليكيشن يكشف ذلك حتى الآن.
كذلك قال مصمم الديكور حازم شبل: “نحن في عصر التكنولوجيا، وعلينا أن نتعامل بكل التطورات التكنلوجية بما فيها من سلبي وإيجابي، وعلى سبيل المثال عندما ظهرت الآلة الحاسبة واعترض على ظهورها الكثيرين، والواقع أن انها فرضت تواجدها، وكذلك المخاطبات البريدية ومع التطور وصلنا للبريد الإلكتروني ثم الرسائل السريعة إلى آخره، لذلك الذكاء الاصطناعي هو أحد التحديات التي لها سلبياتها وإيجابياتها”.
وأكد أنه رغم ذلك “ستظل اللمسة الإنسانية باقية وتحدد كيفية التعامل، فالإنسان المعاصر يستطيع أن يعيش ويتطور حسب قدرته على التكيف والتطور ومرونته في التعامل مع المتغيرات والمستحدثات، ومن سيرفض هذا التطور ويقف عند نقطة محدده، فهو المتضرر الوحيد والتطور مستمر”.
وتابع: “ومن سيعرف أن يتعامل مع التطورات ويستخدمها بشكل صحيح، لأن التكنولوجيا بكل أشكالها ما هي إلا خادم للإنسان، وسيظل الإنسان البشري هو المتحكم في ذلك، وهو من يعطي الأوامر والمتطلبات، فلا يمكننا إلغاء الإنسان نهائيًّا”.
وأضاف شبل، أن المسرح ليس عبارة عن صور فقط، فالجمهور يرى صور مسرحية دون أن يعرفوا أن هذا المنتج وراؤه أفكار ودراما مسرحية وكيفية تحقيقها، إلى جانب خامات تنفيذ الديكور، ومتى يتم تغيير الديكور إلى آخره، مازال الذكاء الاصطناعي بعيد عن ذلك، إلى جانب أنه مستحدث على العالم كله، فالتجربة هي التي ستحدد ذلك، وأثاره في المستقبل، متى يكون إيجابي ومتى يكون سلبي، ولكن سيظل من وجهة نظري هو خادم مساعد يستخدمه الفنان لتنفيذ إبداعه، ويظل الإنسان هو المتحكم في كل شيء.
وقال الكاتب إبراهيم الحسيني، إن المسرح دائمًا كفن يستوعب كل ما هو جديد، مضيفا: “أعتقد أن الذكاء الاصطناعي سيكون مُلحًا في المستقبل، وقيل قديمًا أن التليفزيون والسينما سيسحبون البساط من المسرح، وكذلك قيل ذلك على السوشيال ميديا، ولكن جميعهم لم يستطيعوا فعل ذلك، لأنه الفن الوحيد القادر على استيعاب كل هذه الفنون، بالإضافة إلى أنه فن حميمي جدًا له علاقة مباشرة مع الناس بخلاف الفنون الأخرى، وعلى المبدع الذي يتناول الذكاء الاصطناعي أن يقول ما هي نسبة الإبداع الذي صنعها الذكاء الاصطناعي بالقياس إلى نسبة إبداعه هو”.
واستكمل الحسيني: “الذكاء الاصطناعي لن يُلغي المبدع إطلاقًا، لأنه في النهاية سيظل آلة، تأخذ المعلومات من كل وسائل التواصل المتاحة على الشبكة العنكبوتية، فعلى سبيل المثال إن طلبت منه مقال عن محمود دياب، فكل ما يفعله البحث عن كل مقالات محمود دياب في كل المواقع الإلكترونية المختلفة، وعادة ما تكون هذه المعلومات ليست دقيقة بالقدر الكافي، فيجب أن يكون هناك آلية معتمدة للأشتغال على الذكاء الاصطناعي، أو قانون فني يحكم حدود عمل الذكاء الأصطناعي، لان الفنان الذي يعتمد اعتماد كامل على الذكاء الاصطناعي فهو لم يبدع شيء، وبالفعل تم في هوليوود صناعة مشاهد كاملة بالذكاء الاصطناعي، وتم رفضها بالكامل”.
وأضاف: “نحن في حاجة لقانون جديد يُحدد، ما هي حدود استخدامات الفنان للذكاء الاصطناعي، ومتى يكون هذا العمل الإبداعي خالصًا للفنان نفسه ومتى يكون خالصًا للذكاء الاصطناعي بالكامل، أو أنهما اشتركا معًا في صناعة هذا العمل، والقانون يجب أن يحدد متى يتم معاقبة الفنان إذا استخدم نسبة أعلى من الإبداع تخص الذكاء الاصطناعي وقلل من إبداعه الشخصي، وفي تلك الحالة يكون الذكاء الاصطناعي يلغي شخصية المبدع”.
ولم يكوّن بعد المخرج والمؤلف محمود جمال حديني، رأي كامل بخصوص تأثير الذكاء الاصطناعي على المسرح، فهو في حيرة بين رفضه له فيظهر أنه رجعي ورافض للتطور، أو يتفق معه فيكون له جانب آخر يؤثر على الجانب الإبداعي للفنان، ولكنه يرى أن مع مرور الوقت وبالتجربة ستظهر فوائد وأضرار الذكاء الاصطناعي.
وأضاف حديني: “فكرة استخدامه كمستشار فني أو وسيلة لطرح أفكار ودخول وخروج بيانات عن طريقه، يشبه موقع البحث الشهير “جوجل”، ولكن بشكل أكثر تطورًا، وهذا مقبول لدي، ولكن أرفض أن يحل محل المبدع تمامًا، وعلى المبدعين أن يطوروا من أنفسهم بشكل مضاعف لمواجهة هذا التطور السريع”.
ويرى المخرج المسرحي ومصمم الإضاءة محمود الحسيني، أن الذكاء الاصطناعي وسيلة جيدة للبحث، وأن تأثيره على المسرح سيكون إيجابي بشكل كبير، فهو شبيه بمواقع البحث الإلكترونية الشهيرة، وهذا يوفر وقتًا ومجهودًا في البحث وخاصة في ما يتعلق بالإعداد المسرحي والدراماتورج، أما فيما يتعلق بالإضاءة فما زال لا يضيف بالشكل المطلوب منه.
ولا يعتقد الحسيني، أن الذكاء الاصطناعي من الممكن أن يحل محل الإنسان، لأنه في النهاية نتيجة بحثة المتخصصة تخرج لنا منتج غريب، فعلى سبيل المثال إن أحضر لنا 40 فكرة من الممكن أن ننتقي أفضل 5 أفكار ونعمل عليهم ونطورهم، ومازال العنصر البشري متحكم في مخرجات الذكاء الاصطناعي، وعليه أن يعالجها ويضع إبداعاته عليها.
وعن استخدامه للذكاء الاصطناعي في عرض “ماكبث المصنع” قال محمود الحسيني: “قررنا أن نقدم رؤية جديدة لماكبث في إطار المصنع حتى نبعد كل البعد عن السياسة المتواجدة داخل الحكاية الأصلية، وبدأنا نوجد بدائل موازية لأحداث ماكبث بشكل عصري، فالساحرات المتواجدين في الحكاية الأصلية، جعلناهم أبليكيشن يعمل بالذكاء الاصطناعي، وحتى يكون الأمر أكثر مصدقية استخدمت الذكاء الاصطناعي لصناعة حوار شخصية “ملهمة”، والتي تمثل الذكاء الاصطناعي داخل المسرحية”.
وواصل: “عندما طلبت من الذكاء الاصطناعي هذا الحوار كان يُخرج لي مخرجات غير منظمة، بدأت في إعادة صياغتها ولكن مع الاحتفاظ بشكل اللغة التكنلوجية، حتى يصدق المشاهد أن ذلك حوار أبليكيشن وليس حوار مكتوب ومؤلف، وفكرة أن الذكاء الاصطناعي هو الذي كتب نص العرض بالكامل، هذا غير صحيح، لأن الأحداث والصياغة والحوار مختلفين تماما”.
وأكد المخرج محمود الحسيني، أن الذكاء الاصطناعي يكون مباح في حالة استخدامه كوسيلة بحث وليس وسيلة تنفيذ، وأن السينوغرافيا عناصرها من ديكور وأزياء وإضاءة ومكياج مُهدده بتأثير الذكاء الاصطناعي عليها، ومن الممكن أن يتحول مصمم الديكور والأزياء والإضاءة إلى منفذ، ولكن الإخراج والكتابة سواء تأليف أو إعداد أو دراماتورج هم أبعد ما يكونوا عن سيطرة الذكاء الصناعي عليهم.
فيما قال الملحن أحمد الناصر: “الذكاء الاصطناعي هو أمر واقع، وأي تكنولوجيا في البداية يتخوف منها الناس، ولكن في النهاية يظل العنصر البشري هو الأساس، لأن في النهاية التكنولوجيا ما هي إلا عامل مساعد، الإنسان يكون هو المتحكم الأول فيها، ومن وجهة نظري أعتقد من المستحيل أن يتحكم الذكاء الاصطناعي لدرجة إلغاء الإنسان، وخاصة في المسرح، لأن له خصوصية شديدة، وفيما يتعلق بالموسيقى فليس أي موسيقي يستطيع أن يعمل في المسرح، لأنه يحتاج إمكانيات أخرى ووعي وإحساس بالدراما، وهذه صفات بشرية صعب أن الذكاء الاصطناعي يستطيع تحقيقها”.