أخبار الفن

فيلم «بذرة التين المقدس» تجربة سينمائية حاولت مواجهة القمع في إيران

عرض ضمن برنامج أفلام الجونة المتاحة في سينما زاوية بالقاهرة فيلم المخرج الإيراني المثير للجدل محمد رسولوف the seed of the sacred fig “بذرة التين المقدس”، حيث شهدت الأفلام التابعة لهذا البرنامج حضورا كبيرا من الجمهور، وامتلأت قاعة العرض تماماً بالمشاهدين المهتمين بمشاهدة فيلم روسولف الذي هرب من إيران منذ شهور قليلة بعد الحكم عليه بالسجن 8 سنوات والجلد.

وتدور أحداث الفيلم حول رجل إيراني يدعى إيمان وأسرته “زوجة وفتاتين” يعيشون في طهران، حيث الاحتجاجات المتزايدة بسبب مقتل مهسا آميني، بعد احتجازها بسبب معارضتها ارتداء الحجاب، مما تسبب في موجة مظاهرات عارمة، وبالتوازي يتولى إيمان منصب جديد داخل السلطة الإيرانية، ويصبح محقق بينه وبين الحصول على وظيفة قاضي خطوة واحدة لذلك يريد أن ينجح بأي شكل.

من خلال هذه الأسرة يعرض رسولوف صورة مصغرة لأسلوب القمع السلطوي في المجتمع الإيراني، ونتابع تحول الأب من رجل هادئ يبدو محب لفتياته إلى رجل متوحش يحاول تعذيبهن والتعامل معهن كمعتقلات -كما يحدث في السجون لديه- لكي يحصل على ما يريد.

واعتمد الفيلم على توثيق خلفية أحداثه على الاحتجاجات التي تلت مقتل الفتاة الإيرانية من خلال المشاهد الحقيقية المصورة بكاميرا الموبايل والمتداولة عبر منصات التواصل الاجتماعي، التي وثقت الاحتجاجات العارمة التي اجتاحت الأراضي الإيرانية وتصدت لها قوات الأمن والشرطة بالعنف والاعتقالات والتصعيد، وركز على عرض مشاهد تصفية الشباب وإصابتهن، وأيضاً ما يتعرضون له داخل السجون.

حصل الفيلم على تقييمات إيجابية على منصات التقييم العالمي منذ عرضه في مهرجان كان، الدورة السابقة، حيث حاز على تقييم 10/7.6 على منصة IMDB، و93% على Rotten Tomatoes، و10/3.9 على Metacritic.

وفاز الفيلم جائزة النقاد العرب للأفلام الأوروبية، ضمن فعاليات الدورة السابعة من مهرجان الجونة السينمائي، حيث عٌرض في القسم الرسمي خارج المسابقة في المهرجان، كما أنه حاز على مراجعات نقدية جيدة بعد عرضه في مهرجان كان السينمائي الدولي، والذي حصل فيه أيضاً على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

من بين أبرز المراجعات التي كتبت عن الفيلم، ما كتبه بيتر برادشو في صحيفة الجارديان، حيث فك شفرة الاهتمام بالفيلم ونجاحه رغم بعض مشاكله الفنية، حيث قال: “قد لا يكون الفيلم مثالياً، ولكن شجاعته وأهميته لا شك فيهما”، وما يقصده بالشجاعة والأهمية لأنه يناقش قضية غاية في الأهمية تتعلق بنقد النظام الإيراني ويواجه قوانينه ويكشف قمعه في كل تفاصيله.

ووصف برادشو الفيلم أنه “فيلم عن كراهية النساء والحكم الديني في إيران، ويهدف إلى استنباط وإخراج الألم الداخلي والدراما النفسية لمواطنيها المعارضين في بلد يمكن فيه تخويف النساء قضائياً وضربهن لرفضهن ارتداء الحجاب”.

ووضع الكاتب ستيف آريكسون يده على نقطة ضعف الفيلم بشكل أبرز في مقالة لـ منصة artsfuse، حيث قال: “رغم أن الأحداث مقنعة، ولكن فيلم بذرة التين المقدس كفيلم درامي مبعثر ومفكك، فإنك تشعر بكل دقيقة من دقائقه الـ166، ولحسن الحظ، فإن الساعة الأخيرة من الفيلم تزيد من وتيرة الأحداث إلى حد كبير، حيث تتخذ حبكة القصة طابعاً يشبه أفلام الإثارة، وعند هذه النقطة، يبدو الأمر وكأن رسولوف يخيط فيلمين مختلفين معاً: أحدهما تدور أحداثه في طهران، والآخر في الصحراء”.

والمقصود بمفكك هو خلق الفيلم خيوط درامية وتركها دون الوصول إلى نتائج، لأن الأحداث الدرامية تبنى بتراتبية ما من المفترض أن تؤدي إلى تقدم الأحداث وتطورها، وكل تفصيلة درامية يتم زرعها في العمل يكون المشاهد بانتظار تكملتها أو نتائجها فيما بعد، والفيلم على مستوى السيناريو يهمل هذا الجانب إلى حد كبير، على سبيل المثال يبني الفيلم خط درامي يربط بين الابنة الكبرى وصديقة تتعرض للضرب والاعتقال ثم يختفي هذا الخط تماماً وننتقل إلى حدث جديد ومختلف وهو سرقة السلاح، وبالتحديد ما قصده آريكسون بعبارة “يخيط فيلمين”، لأن الرابط الدرامي بين الحدثين مفقود.

ولكن من أهم إيجابيات الفيلم هو اختيار اسمه بذرة التين المقدس، حيث إن هذا النبات يبدأ حياته كنبتة صغيرة تتطفل على نباتات مضيفة أخرى قبل أن تنمو بشكل مستقل وكبير، هذا النوع من التين يمد جذوره إلى التربة ويتوسع، مما يجعله يمتلك قوة تُعيق أحيانًا نمو النباتات المجاورة له، وفي السياق الدرامي للفيلم يمكن أن يكون هذا الاسم يشير إلى دلالتين، الأولى تصلح لتصوير الأنظمة السلطوية التي تنمو وتسيطر على حساب محيطها، كما في حال النظام الإيراني المتسلط الذي يتغذى على قمع حريات الأفراد ويتمدد على حساب حيواتهم، ويصلح أيضاً للتعبير عن بنات إيمان اللاتي يتحولن من فتيات صغيرات في منزل رجل يعبر عن السلطة إلى متمردات يحاولن الوقوف في وجهه وذلك يبرز في الجزء الأخير من الفيلم.

ولا ينفي هذا النقد لبعض الجوانب الفنية في الفيلم وجود دقة عالية من قبل المخرج في زرع بعض التفاصيل الصغيرة داخل الكادر، مثل التركيز على الخاتم في يد الأب، والذي يرتديه أيضاً المحقق النفسي الذي يستجوب الفتيات حول اختفاء السلاح، مما يشير إلى أن رجال السلطة مهما تغيرت وجوههن فهم في النهاية يعبرن عن شيء واحد وهو وجه النظام القمعي، وهذا الخاتم أيضاً يكون المشهد الأخير الذي ينتهي عليه الفيلم عندما يصبح إيمان راكداً تحت التراب ولا يظهر منه غير كفه والخاتم بها، وكأنه يعلن عن أن هذا القمع حتى وإن توحش لابد له من نهاية.

تم تصوير الفيلم داخل إيران، حيث قضى رسولوف وطاقمه ما يقرب من سبعين يومًا بين ديسمبر 2023 ومارس 2024 في تصوير الفيلم في سرية تامة، وفي منتصف التصوير، علم المخرج بعقوبة السجن المنتظرة، مما أدى إلى تعجيل الإنتاج ودفع المخرج إلى الفرار من البلاد عند اكتمال الإنتاج، والتنقل بين القرى الريفية النائية بالسيارة قبل أن يختتم المرحلة الأخيرة سيرًا على الأقدام عبر الحدود الإيرانية، وتم تهريب الفيلم نفسه إلى هامبورغ، وأخيرًا شق طريقه إلى جنوب فرنسا للعرض الأول في مهرجان كان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *