أخبار الفن

رفعت عيني للسما.. احتفاء بالفن الشجاع في شوارع الصعيد

-الفيلم يتعرض لمشكلات الزواج المبكر والتحرش بشجاعة وقوة فنية ويخاطب بذكاء المهرجانات الدولية

10 سنوات كاملة تفصل بين أول عرض مسرح شارع لفريق “بانوراما برشا” وبين فوز فيلم “رفعت عيني للسما” بجائزة أفضل فيلم عربي وثائقي مناصفة في مهرجان الجونة السينمائي بدورته السابعة، بعد أول عرض عالمي له في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقبلها فوزه بجائزة “العين الذهبية” لأفضل فيلم تسجيلي بمهرجان كان السينمائي الدولي بدورته الـ77 ليصبح بذلك أول فيلم مصري يفوز بالجائزة منذ تأسيسها.

الفيلم الذي أخرجه ندى رياض وأيمن الأمير من بطولة فريق مسرح بانوراما برشا: ماجدة مسعود، وهايدي سامح، ومونيكا يوسف، ومارينا سمير، ومريم نصار، وليديا هارون، تدور أحداثه في قرية البرشا التابعة لمحافظة المنيا في صعيد مصر، حيث تشكل مجموعة من الفتيات فريقًا مسرحيًا، ويقدمن مسرحياتهن في الشارع.

ويتابع الفيلم الوثائقي هؤلاء الفتيات لمدة 4 سنوات، ويستعرض مشروعهن المسرحي وأهم العروض التي قدموها، كاشفًا عن تحول شخصياتهن ويقترب من أحلامهن المختلفة.

ويكشف الفيلم سنوات فارقة في تاريخ الفريق، لكن رحلة الفتيات تعود إلى أبعد من ذلك بكثير.. الحلم الذي بدأته شقيقتان تريزا سمير ويوستينا سميرفي عام 2004 مع أب وأم داعمين ومقدرين لموهبتهما وأحلامهما، لم يكن سهلاً أبدًا.. أن تقوم مجموعة من الفتيات بتقديم عرض مسرحي في الشارع يتعرض لمشاكل اجتماعية مهمة مثل الزواج المبكر أو التحرش، هو أمر صعب جدًا أن يتم تقبله في شوارع القاهرة فما بالك أن يكون ذلك في قلب الصعيد.
كما أن الفتيات يعشن في قرية صغيرة بالمنيا، فقيرة اقتصاديا ولكنها غنية بالمواهب والأحلام، تجتمع الفتيات وتكتب المشاكل على الورق ويحولنها إلى عرض مسرحي ثم يخرجن إلى الشارع للتفاعل مع الجمهور والتعبير عن أنفسهن، وتواجه الفرقة باللوم أحيانًا وبالانتقاد أحيانًا وبالسخرية في معظم الأوقات.

وتسافر تريزا سمير وتحمل يوستينا على عاتقها استكمال المهمة، فتقوم بتأسيس فرقة “بانوراما برشا” في عام 2014 ليخرج أول عرض مسرحي “محاكمة القرية”، تنتقد فيها الفتيات مشاكل كثيرة مثل الختان أو الزواج المبكر أو تعرض النساء للعنف من الأب أو الأخ أو الزوج، وتتوالى بعدها العروض.

وعلى ألحان أغنية “سيبوا الهوا لصحابه” نتابع عبر الفيلم ما تقدمه الفتيات ضمن مسرح الشارع، في تجارب لا تعبر فقط عن مواهبهن، وإنما عن تحد لثقافة سائدة وجرأة في طرح المشكلات والاشتباك معها: لماذا يحق للرجل اختيار زوجته بينما لا تُمنح الفتاة نفس الحق في اختيار شريك حياتها؟ هل تستطيع الفتاة اختيار ملابسها بحرية؟ تعلو أصوات الفتيات وهن يغنين إنه “أنا جسمي مش خطية” و”المتحرش جبان”.

وتتلاقى هذه الرحلة الإبداعية المبهرة مع مخرجين اشتركا مع الفتيات في حب الفن والحرية، وعندما عرضت عليهما الفتيات صناعة فيلم عن التجربة، تحمسا لها وبدءا في تصوير 400 ساعة كاملة لمدة 4 سنوات بحب وحماس وإبداع وصدق.

وأهم ما يميز المخرجين ندى رياض وأيمن الأمير، اللذين نالا جائزة “ڤارايتي” لأفضل موهبة في الشرق الأوسط لعام 2024 ضمن فعاليات مهرجان الجونة السينمائي، إنهما انحازا للتجربة وقاما بدعمها إلا أن هذا الانحياز لم يجعلهما يتناسيا الحرفية والمهنية في تنفيذ الفيلم.

واستطاع ندى وأيمن معرفة كيف يخاطبان الغرب وتنفيذ فيلم يحصد جوائز في المهرجانات المختلفة، نجحا في عمل إنتاج مشترك والحصول على التقدير العالمي لكنهما في الوقت نفسه لم يتخليا لحظة عن تلقائية الفتيات التي ظهرت واضحة خلال الفيلم، وربما يرى البعض أن هناك قليل من الإطالة أو أن طريقة تصوير المشاهد للبيوت والشوارع الضيقة بالصعيد تغازل الغرب، إلا أن هذا يُحسب للمخرجين اللذين نجحا في عمل حالة من التوازن في إخراج فيلم مصري جدا بمعايير المهرجانات والسينما العالمية.

وبدا هذا واضحًا في اختيار عنوانين للفيلم “رفعت عيني للسما” الذي يتماس مع المصريين، والعنوان الآخر الذي تم اختياره للفيلم في نسخته الإنجليزية “The Brink of Dreams” أو “حافة الأحلام”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *