ما علاقة فيلم Here لـ توم هانكس بمسلسل حديث الصباح والمساء؟
عُرض ضمن فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي، فيلم النجم توم هانكس “HERE”، وقد شهد العرض حضوراً جماهيرياً كبيراً داخل المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، ويشاركه البطولة شريكته في فيلم هانكس الشهير “Forrest Gump” روبن رايت، والمخرج روبرت زيميكس.
على الرغم من أن الفيلم قد هُوجم وحصل على تقييمات سلبية في المنصات والمجلات الأجنبية، وكان سبب التقييمات السلبية الرئيسي هو الإفراط في استخدام الذكاء الاصطناعي، إلا أنه من الواضح أنه حاز على إعجاب جمهور مهرجان القاهرة السينمائي، حيث امتلأت القاعة بالتصفيق الحار مرتين بعد انتهاء العرض، وتعالت أصوات الجمهور بالضحك في كثير من المواقف الدرامية في الفيلم.
تدور أحداث فيلم “هنا” داخل مكان واحد، لا يتغير عبر العصور، حيث يبدأ الفيلم بحالة الأرض المتقلبة، بداية من وجود الديناصورات ثم مروراً بالعصور (الجليدي، والحجري، والمطير…وغيرها)، ثم تحولت نفس رقعة الأرض إلى سكن للإنسان البدائي، وعبر الأزمان المتتابعة تغيّر شكل الأرض وتبدّل، حتى أصبح عليها منزلاً عتيقاً، تعاقبت عليه الأسر والأحداث.
تستقر كاميرا الفيلم على كادر واحد منذ بداية الأحداث، وهو كادر واسع تظهر فيه صالة المنزل، ولا تتحرك أبداً حتى نهاية الفيلم، بل عندما يريد المخرج التركيز على وجه ممثل أو لحظة شعورية ما تتطلب الاقتراب من ملامح وجهه، يقترب الممثل نفسه من مركز الكادر ولا تتحرك الكاميرا نحوه. وأغلب القطعات في الفيلم تحدث اعتماداً على خلق حالة من “الفريمات/الأُطر” والصور المجتزأة من حياة كل أسرة عاشت في المنزل وعلى نفس الأرض، حيث يظهر كل إطار وكأنه لوحة مستقلة انتقلت عبر الزمن لكي نشاهدها.
ولكن لماذا ذُكر اسم مسلسل “حديث الصباح والمساء” في العنوان؟ ببساطة لأن الثيمة “theme” الدرامية لهذا الفيلم هي نفسها القائمة على المسلسل، مع اختلاف طريقة السرد في كل من العملين.
وقد يبدو هذا التشبيه بعيداً لأول وهلة، ولكن إذا اقتربنا بعمق من الفيلم سنجد أنه قائم على فكرة تعاقب الأجيال وتغير الأزمنة، مع استمرار الحياة في كل الحالات: الفرح والحزن والشجار والسعادة والمرح والرقص، جميعها مشاعر إنسانية تمر وتنتهي كما ينتهي الإنسان نفسه، بينما يبقى المنزل أو المكان مستمراً.
بل هناك مشهد في الفيلم يتطابق في فكرته وأجوائه مع أحد مشاهد مسلسل “حديث الصباح والمساء”، وهو مشهد موت شخصية عزيز المصري (توفيق عبد الحميد)، حيث كان يجلس في جلسة أسرية يتبادلون النكات والضحك، وفجأة وقف يضحك ثم سقط ميتاً. وهو ما حدث تقريباً في فيلم “هنا”، ففي إحدى جلسات أسرة ريتشارد (توم هانكس)، يقف أحد أفراد العائلة ضاحكاً بقوة بسبب نكتة أُلقيت، ثم يسقط ميتاً أثناء الضحك.
يتقاطع المسلسل والفيلم أيضاً في اهتمامهما بالجانب السياسي أو السياق العام للزمن، حيث نستكشف فترات التحرر والحرب العالمية الأولى والثانية، والحرب الباردة، والحديث عن الشيوعية وخطرها على أمريكا.
ودائماً كان التلفاز وسيلة بصرية وسمعية جيدة للتعبير عن الزمن – من خلال تطور شكله التكنولوجي – والأحداث السياسية في فيلم “Here”، وأيضاً انخراط بعض شخصيات الفيلم في بعض الحروب، مثل والد ريتشارد.
ونلاحظ ذلك في المسلسل أيضاً مثل الثورة العرابية، وثورة 1919، وتورط بعض شخصيات المسلسل في الأحداث بشكل مباشر، مثلما حدث مع شخصية ابن داود المصري الذي كان قاضياً أثناء محاكمة الزعيم السياسي محمد فريد، أو شخصية ابن عمرو المصري الذي انخرط في مظاهرات 1919.
ولكن يظل الاختلاف الرئيسي في طبيعة النوع (مسلسل وفيلم) وأيضاً طبيعة التفكير الإخراجي لكل من العملين، حيث يبتعدان تماماً في هذه النقاط.
ولكن يمكن رؤية كلمات تتر مسلسل “حديث الصباح والمساء” تصف تماماً تعاقب الحياة على منزل ريتشارد: “وأدي البشر أوراق فيها عبير العبر”. بالفعل، البشر هم أوراق زائلة تتساقط ورقة تلو الأخرى مع مرور الزمن، بينما يمكن أن يكون المنزل أكثر قوة واستمراراً من الإنسان، مثل منزل ريتشارد الذي بُني في بداية القرن العشرين واستمر حتى عام 2020. وشهد حالات من الانفصال والحب والوفاق والاختلاف والمرض والحجر الصحي والقلق من الحروب المختلفة ومن الأمراض مثل كورونا. جميعها تفاصيل تتكرر مع كل أسرة، كأنها مفاصل رئيسية في حياة البشر العابرين، يجب أن تحدث في محطات حياتهم.
يتمتع العمل بجماليات بصرية خاصة اتبعها المخرج في سرده لحكاية المنزل وذكرياته، من خلال وحدة المكان كلياً والتحرك داخل هذه المساحة، والتلاعب بالأدوات المختلفة لإدخال أي مشهد خارج هذا الكادر، مثل الاستعانة بالمرآة لعكس ما يجري من أحداث على طاولة المطبخ المقابلة (للصالة وهي الكادر الرئيس الثابت) دون الحاجة لتغيير الكادر. وجعل الحائط المقابل للكاميرا به نافذة كبيرة الحجم يضيف عمقاً للصورة، حيث نرى الحياة خارج المنزل بأشكالها عبر الزمن، نتابع حركة السيارات وتغير موديلاتها وحركة البشر في خلفية الأحداث الرئيسية، ورؤية تعاقب الليل والنهار ومراحل القمر عبر هذه النافذة.
وفي أحد المشاهد المتأخرة في الفيلم، في الربع الأخير تقريباً، يظهر في اللوحات التي رسمها ريتشارد تصوير ثابت لمشاهد مرت بالفعل داخل المنزل، وكأن المنزل اختزن الذكريات ومنحها لريتشارد في هيئة لوحات تعبر عن جميع أحداث الفيلم وتظهر في كادر واحد، ومنحها مرة أخرى لمارجريت، زوجة ريتشارد، عندما مرضت بـ ألزهايمر، وعندما دخلت إلى المنزل تذكرت بعض الأمور التي عاشتها بالفعل مع عائلتها.