بعد إعادة تشغيل مصانع نصر.. ما قصة تجربة أول سيارة من صناعة مصرية؟
شهد رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، صباح أمس، احتفالية شركة النصر للسيارات ببدء الإنتاج من جديد بعد توقف دام أكثر من 15 عاماً، حيث صدر قرارا بتصفيتها في عام 2009 بسب الخسائر وتراكم المديونيات.
وأوضح مدبولي، أنه رغم توقف الشركة لمدة 15 عامًا، إلا أن الحكومة ركزت على ضمان استدامة تشغيلها في المستقبل من خلال تطوير منظومة تشغيل متكاملة.
وأشار رئيس شركة النصر للسيارات، إلى أن البنية التحتية للمصانع تم تحديثها بالكامل لإنتاج أتوبيسات حديثة بالشراكة مع شركة “يوتونج” الصينية، موضحًا أن أول أتوبيس كهربائي سيتم إنتاجه العام المقبل بهدف دعم النقل العام وتصدير المنتجات إلى الأسواق الإقليمية بحلول النصف الثاني من العام المقبل.
وتعد شركة النصر للسيارات نموذجًا أيقونيًا للصناعة الوطنية المصرية، تأسست في عام 1960 كأول شركة مصرية متخصصة في تصنيع وتجميع السيارات.
-برقية من الملك فاروق
وكانت البداية مع الدكتور جزارين الصنايعي الذي سهل على المصريين فكرة امتلاك سيارة مناسبة لسنوات طويلة، وأسس لصناعة ضخمة بملحقاتها.
رحلة بدأت ببرقية من الملك فاروق، جاء فيها:
“بأمر حضرة صاحب الجلالة الملك.. يتشرف كبير الأمناء بأن يدعو حضرة المحترم عادل إسماعيل جزارين لتناول الشاي بقصر رأس التين يوم الأحد 19 شوال 1365 (15) سبتمبر 1946، الساعة الرابعة والنصف بعد الظهر، وذلك بمناسبة نجاحه بتفوق في امتحان بكالوريوس الهندسة بجامعة فاروق الأول”، وذلك وفقا لكتاب صنايعية مصر للكاتب عمر طاهر.
ويتابع الكتاب، “بينما يتأمل عادل جزارين صورته بالملابس العادية وهو يصافح الملك فاروق، وصله خبر اختياره لبعثة تعليمية حكومية، سافر إلى سويسرا وعاد من جامعة زيورخ بدكتوراه في الهندسة الميكانيكية، واستقر لفترة مدرسًا في جامعة الإسكندرية، حتى قامت ثورة يوليو تلقى بعد فترة اتصالاً من رئيس الحكومة الدكتور عزيز صدقي يطلب منه التفرغ للعمل معه مراقبا للصناعات الهندسية.”
وواصل الكتاب “كان البلد بصدد ثورة صناعية، وكانت الصناعات القائمة بحاجة إلى فحص وتقرير ما تحتاج إليه وملامح مستقبلها، وبرع جزارين في المهمة التي تفرغ لها حتى موعد الخطة الخمسية الأولى في عام 1959 التي تضمنت البدء في تجميع وتصنيع الجرارات والمقطورات واللواري وسيارات الركوب، افتتح ناصر شركة النصر للسيارات وخرج اللوري الأول من خطوط التجميع في 2 يوليو 1962، ثم بدأ الاهتمام بتجميع أول سيارة مصرية بتوكيل أجنبي، فتم الاتفاق مع شركة “فيات” الإيطالية، وبدأ تجميع السيارة “1100” ثم “1300”، وفتح باب الحجز وكان الإقبال كبيرا.
وأكمل “كان مفترضًا أن يبدأ تصاعد منحنى نجاح الشركة، لكن العكس تماما هو ما حدث،
وكانت الأسباب كثيرة، نقص النقد الأجنبي اللازم لاستيراد مكونات التجميع، خلافات بين الإدارة وممثلي العاملين، ارتباك إداري نتيجة تشابك وعدم وضوح الاختصاصات، انخفاض حجم الإنتاج بمرور الوقت، ساعدت سمعة الشركة التي تخلفت عن الوفاء بالتزامات تسليم الحاجزين سياراتهم في مواعيدها لفترات كانت تصل إلى سنوات أحيانًا.
– نصر.. هدية لحن النشيد الوطني
ويشير الكتاب إلى قصة شائعة توضح المأساة عن مسابقة أقيمت لعمل نشيد وطني جديد لمصر، اشترك فيها معظم فناني مصر، وتم اختيار “والله زمان یا سلاحي”، كلمات صلاح جاهين، وألحان كمال الطويل، وكانت قيمة الجائزة 5 آلاف جنيه.
بعد اختيار اللحن وفي أول احتفال رسمي كان ناصر يكرم كمال الطويل ويسأله إن كان قد استلم مبلغ الجائزة، قال الطويل إنه لم يحدث نظر ناصر إلى أحد القيادات الموجودة في الحفل، وطلب من الطويل أن يذهب إليه في اليوم التالي ليستلم مستحقاته.
وفي اليوم التالي أخبره المسئول أن المبلغ سيكون جاهزا بعد أسبوع، خلاله تغير المسئول وجاء واحد جديد قال له: “نظرا للظروف سيتم تخفيض قيمة الجائزة إلى ألف جنيه لن تحصل عليها نقدا لكن ستحصل في المقابل على سيارة نصر 1100″، وعليك أن تتوجه الآن إلى المصنع لإنهاء أوراق الاستلام، كان سعرها في السوق وقتها يقترب من 800 جنيه.
استلم الطويل أوراق السيارة ثم سأل عن المفتاح، سأله المسئول في المصنع: “فين الفلوس؟”، فرد الطويل: “إنها مكافأة”، فقال المسئول: “المكافأة أنه تم استثناؤك من الدور في الحجز”.
– تحقيق في أمن الدولة
كان عادل جزارين العضو المنتدب مسئول العمل الفني، ولم يسلم من الأذى بسبب ظروف الشركة، وفي 1965 قام العراق بطرح مناقصة لتوريد 120 أتوبيسا، تقدمت شركة النصر بعرض تم قبوله بعد وعد بتخفيض مدة التوريد إلى 3 أشهر من تاريخ فتح الاعتماد لتفوز بالمناقصة، وهو الأمر الذي كان من المستحيل تنفيذه عمليا، وكان استيراد مستلزمات الإنتاج وحده يحتاج إلى 3 أشهر بخلاف التجميع.
خلال فترة التأخير قام ناصر بزيارة لعبدالسلام عارف رئيس العراق، وشكا عارف من أزمة نقل الركاب التي تعيشها بغداد بسبب تأخر تسليم الأتوبيسات.
وذات يوم تلقى جزارين استدعاء من محكمة أمن الدولة، كان متهما بالإساءة إلى شمعة مصر، وأصر وكيل النيابة على أن يستجوب جزارين واقفا ولم يسمح له بالجلوس الساعات طويلة، أخلى بعدها سبيله بضمان وظيفته خرج جزارين من هناك متوجها إلى مكتب رئيس الوزراء، وشرح له القصة كاملة ثم نقلها صدقي إلى ناصر الذي أمر بحفظ التحقيق بعد أن فهم تفاصيل الأزمة.
– بأمر رئاسي: انطلاق صناعة السيارات بمصر
وأصدر ناصر في عام 1968 قرارًا بتولي عادل جزارين رئاسة مجلس إدارة شركة النصر للسيارات، وكان هذا القرار بداية حقيقية الصناعة السيارات في مصر، بعد تجربة محدودة الأثر والنجاح في صناعة السيارة “رمسيس”.