في عيد ميلادها الـ90.. كيف حافظت فيروز على سحرها عبر الأجيال؟
على مدار 90 عامًا، تركت بصمة لا تُنسى في وجدان المستمعين العرب، نهاد وديع حداد، أو كما يعرفها العالم باسم فيروز، جارة القمر وسيدة الصباحات الحالمة. بصوتها الملائكي وأغانيها التي أصبحت جزءًا من ذاكرة أجيال متعاقبة، أسرت القلوب وأشعلت المشاعر.
واحتفل اليوم الخميس عدد من الشخصيات العامة، من بينهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعيد ميلاد أيقونة الفن العربي، فيروز، التي قدمت خلال مسيرتها الفنية لوحات موسيقية خالدة، رسمتها بصوتها العذب، لتضيء سماء الموسيقى وتُسعد ملايين المحبين حول العالم.
بدأت رحلة فيروز الفنية في سن مبكرة، وهي في الخامسة من عمرها، حين شاركت مع كورال الإذاعة اللبنانية سنة 1940، حيث اكتشفها الموسيقار محمد فليفل وضمها لفريقه. لكن انطلاقتها الأساسية كانت في عام 1952، عندما لحن لها حليم الرومي أولى أغانيها مثل “يا حمام يا مروح” و”بحبك مهما أشوف منك”، وأطلق عليها حينها اسم فيروز.
– مسيرة فنية ثرية
في سنة 1957، أكملت فيروز 22 عامًا، وكانت أولى مشاركاتها مع الأخوين رحباني في مهرجان بعلبك، حيث تعلق الجمهور بصوتها عند سماعه وكأنه يقول: “أين كنتِ؟”. ومنذ ذلك الحين توالت مشاركاتها في المهرجانات، من بعلبك إلى دمشق إلى مسرح البيكاديلي في بيروت.
والتقت موهبة فيروز الصوتية الفريدة بإبداع الأخوين رحباني في الكتابة والتلحين، لتشكل توليفة فنية متكاملة. بدأ هذا التعاون في خمسينيات القرن الماضي، وحقق نجاحًا باهرًا منذ الأغنية الأولى. وتميزت أغانيهم بالعمق الكلامي واللحن الجميل الذي يعبر عن هموم الإنسان العربي وآماله.
– حياة فيروز العائلية
تزوجت جارة القمر من الموسيقار عاصي الرحباني سنة 1954، وشكّل هذا الزواج ثنائيًّا فنيًّا أسطوريًّا ترك بصمة عميقة في الموسيقى العربية.
وعلى الرغم من انشغالهما بالعمل الفني، حرصا على تكوين أسرة سعيدة. في عام 1956، أنجبت فيروز ابنها زياد، الذي ورث موهبة والديه الفنية وأصبح ملحنًا بارزًا، ثم أنجبت هلي عام 1958، وليال عام 1960، وأخيرًا ريما عام 1965. إلا أن هذا الزواج انتهى بالانفصال في عام 1978.
– أغاني الحب والوطن
في مسيرة فيروز التي تجاوزت 800 أغنية، لم تقتصر أعمالها على الحب والحياة فقط، بل كانت صوتًا للوطن، وعبرت بصدق عن هموم وآمال الشعوب العربية.
قدمت أكثر من 50 أغنية تغزلت في البلدان العربية، مثل “بيروت” و”مصر عادت شمسك الذهبية” و”بحبك يا لبنان”. كما أبكتنا بحرقة على ما دار في فلسطين منذ أربعينيات القرن الماضي بأغنيات مثل “زهرة المدائن” و”البلدة العتيقة” و”سنرجع يومًا”.
– فيروز والعائلة
بعد انفصالها، فضلت فيروز التركيز على حياتها الفنية والعائلية، خاصة برفقة ابنها هلي، الذي وُلد بإعاقة ذهنية وحركية. ورغم زعم الأطباء أنه لن يعيش سوى سنوات قليلة، أولت فيروز له رعاية خاصة وابتعدت عن الأضواء قدر الإمكان لقضاء وقت ممتع مع عائلتها. وظل هلي بعيدًا عن الأنظار، حتى ظن البعض أن فيروز لم تنجب إلا زياد. إلا أنه ظهر برفقتها بعد 60 عامًا في كنيسة مار إلياس لحضور قداس الذكرى الـ36 لرحيل والده عاصي الرحباني.
– فيروز.. صوت الشتاء والقهوة
في السنوات الأخيرة، ومع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، ارتبطت فيروز بالأجواء الشتوية وشرب القهوة. ربما يعود ذلك لصوتها العذب الذي يأتي كالنسمة العليلة، يلامس القلوب ويبعث الدفء في النفوس. وربما لأنها تجاوزت بصوتها حدود الزمان والمكان، وأصبحت بعد عقود من العطاء رمزًا للفن الأصيل والموسيقى العربية الراقية.
فيروز، التي بلغت 90 عامًا، تظل أيقونة فنية خالدة، بصوتها الساحر الذي لا يزال ينبض بالحياة في قلوب الملايين.