الشروق ترصد بالأرقام صناعة السينما المصرية خلال عامين.. النساء يَرسمن خريطة مختلفة في 2024
شهد عام 2024 اختلافاً في الخريطة السينمائية في مصر، حيث ظهرت موجة من الأفلام التي كانت النساء جزءًا أساسيا من فريق عملها، يمكن القول إنها أفلام صنعتها نساء، سواء على مستوى التأليف أو الإخراج أو البطولة، كما ظهرت بعض المواضيع ذات الطابع النسوي على الشاشة، وهو ما دفع البعض إلى وصف عام 2024 أنه مختلفاً سينمائياً، وللاقتراب أكثر من تحليل المشهد السينمائي خلال العام المُنصرم نوظف الإحصاء الرقمي للكشف عن الاختلاف من خلال المقارنة مع عام 2023.
رصد التقرير التالي جميع إصدارات الأفلام ذات الإنتاج المصري التي عُرضت على الجمهور العام في السينمات المصرية، وكان ذلك هو معيار وحدة العد المتبعة لإدخال بيانات الفيلم في التسلسل الرقمي، وبناء على ذلك تم رصد عرض 43 فيلماً في عام 2024، و41 فيلماً في 2023، تنوعت في موضوعاتها وتصنيفاتها ونوعها، ولجأ الراصد إلى مجموعة من المصطلحات التي تعكس الهدف من التقرير، فقد صُنف كل فيلم وفق لـ: الشكل السينمائي “روائي/تسجيلي”، وتصنيفه من حيث النوع “دراما/ كوميدي”، واُستخدم مصطلح “دراما” ليس بمفهومها الشامل الأكاديمي “كفعل تمثيلي” وإنما كنوع يعبر عن الموضوعات الجادة التي بها جانباً تراجيدياً يبتعد عن الكوميديا، وتصنيفه من حيث الموضوع “اجتماعي، أكشن، تاريخي، حربي، رومانسي، سيكودراما، رعب”.
كما تم إضافة 3 تصنيفات لكل فيلم في التسلسل الرقمي خلال عملية الرصد، وهي:
-نوع البطولة، والذي أوضح فيه الاعتماد الفني في كل عمل على الأبطال بناء على تصنيفهم الجندري، وانقسم إلى: بطولة جماعية، وبطولة ذكورية، والتي يقصد بها أن متصدر الأفيش والمؤثر في الحدث هم ممثلين رجال، وبطولة نسائية، والتي يقصد بها أن متصدر الأفيش والمؤثر في الحدث هن ممثلات نساء.
-نوع الموضوع، والذي أوضح فيه اتجاه كل موضوع تم معالجته في الفيلم، بناء على تصنيفهم النسوي، معالجة نسوية، ومعالجة غير نسوية.
المشاركة كصانعات نساء، حيث يصف كل فيلم من حيث “مندرج أم غير مندرج” تحت الصناعة النسائية، سواء كانت على مستوى الإخراج أو التأليف أو البطولة.
وبناء عليه نتجت الأرقام المُلحقة بالتصنيفات التالية:
-خلال عام 2023 تم عرض 41 فيلماً روائياً طويلاً في دور العرض المصرية.
-خلال عام 2024 تم عرض 42 فيلماً روائياً طويلاً في دور العرض المصرية، وفيلم تسجيلي واحد فقط.
-خلال عام 2023 تم عرض 11 فيلماُ درامياً، و30 فيلماً كوميدياً.
-خلال عام 2024 تم عرض 15 فيلماً درامياً و28 فيلماً كوميدياً.
-خلال عام 2023 تم عرض 40 فيلماً غير نسوي، وفيلماً واحداً نسوياً هو “جروب الماميز” من خلال مناقشته لأعباء الأمومة المتعلقة بالتعليم والدراسة ورعاية الأبناء في المدرسة، بأسلوب كوميدي ساخر.
-خلال عام 2024 تم عرض 35 فيلماً غير نسوي، و8 أفلام نسوية، وهي وفق ترتيب العرض: “مقسوم، رحلة 404، ليلة العيد، عنها، آل شنب، وداعاً حمدي، رفعت عيني للسماء، الفستان الأبيض”.
وإن كان بعض الأعمال قد اتسمت بسطحية شديدة في معالجة القضية المطروحة، مثل فيلم “وداعاً حمدي”، الذي وضع عشرات المواقف غير المنطقية ولم يتم بنائها على أساس “تطور الحدث الدرامي”، أو زرع تفاصيل درامية كافية تبرر حدوثها وحاول الفيلم زرع نصيحة من وراء هذه المواقف وهي منح تماضر “آية سماحة” فرصة للتمرد على والدتها المسيطرة على حياتها، حتى لا تصبح مثل شخصية عارفة “شيرين رضا” التي دمر والدها حياتها نتيجة للتحكم وأحادية الرأي لأنها فتاة، ولكن هذه الفكرة الجيدة لا يمكن أن تلقى صدى لدى الجمهور في فيلم يبتعد عن مقومات السيناريو الكوميدي الجيد، ومثال آخر فيلم “آل شنب” الذي يمكن اعتباره دراما سينمائية مُفككة افتقدت إلى الكوميديا والقصة التي تهدف لها، وكل موقف في الفيلم هو حدث منفصل مبتور لم يُكتمل، كما أن زراعة التفاصيل الدرامية في العمل لا تؤدي إلى شيء مفهوم، كل معلومة أو موقف يحدث، يكون أيضاً مبتور غير مكتمل، ولا يترتب عليه نتيجة درامية جديدة، وكأن الأحداث متناثرة في إطار سينمائي مفكك، ومن بين هذه التفاصيل “اللزمات” و”الإيفيهات” الكلامية والتي يتم زرعها وسط المَشاهد دون فهم لدواعيها الدرامية وتأثيرها، وتحولات الشخصيات دائماً تكون مفاجأة دون منطق درامي أو مبرر.
-خلال عام 2023 تم عرض 34 فيلماً لا يندرج تحت بند “صناعة نسائية”، و7 أفلام تندرج تحت بند “صناعة نسائية”.
-خلال عام 2024 تم عرض 36 فيلماً لا يندرج تحت بند “صناعة نسائية”، و7 أفلام تندرج تحت بند “صناعة نسائية”.
ويبدو ظاهرياً تعادل الأرقام للأفلام المعروضة في كلا العامين فيما يخص الصناعة النسائية، ولكن هناك اختلافاً جوهرياً أن عام 2024 شهد مشاركة صانعات أفلام كان الفيلم تجربتهم الأولى في الإخراج والتأليف، لفيلم روائي طويل، بالإضافة إلى الطابع النسوي المحيط بالأفلام على مستوى القصص والمعالجات والبطولة، على النقيض كانت الكتابات أو الإخراج في أفلام 2023 لا تتعلق بقضايا للمرأة أو بطلات نساء بشكل أساسي، على سبيل المثال فيلم “تاج” المعروض عام 2023 من إخراج سارة وفيق، ولكن الفيلم لا يرتبط على مستوى البطولة أو القصة والمعالجة أي ارتباط نسائي أو نسوي، وفيلم “أولاد حريم كريم” من تأليف زينب عزيز، والمعروض 2023، لكن أيضاً لا يرتبط على مستوى البطولة أو القصة والمعالجة أي ارتباط نسائي أو نسوي.
والمنهجية التي تم الاعتماد عليها كانت Methodology of Triangulation and Data Verification، أي منهجية تعدد أدوات جمع البيانات والتحقق منها، المعروفة في مجال العلوم الاجتماعية، وكانت مصادر المعلومات الأساسية: موقع السينما دوت كوم ومواقع الأخبار الفنية وصفحات الصُناع على منصات التواصل الاجتماعي والمعلومات المذكورة على أفيشات الأفلام، للتأكد من المعلومات وسد الفجوات المعرفية.
وإذا تحدثنا باستفاضة عن الأفلام التي عُرضت خلال عام 2024 وتندرج تحت بند “صناعة نسائية” سوف نجد أن فيلم “رفعت عيني للسماء” الأكثر اختلافاً بين المجموعة، فهو فيلم تسجيلي، عرض للجمهور العام خارج عروض المهرجانات، ومن بطولة نسائية، وشاركت في صناعته ندى رياض بالتعاون مع أيمن الأمير، وبطلاته فتيات من إحدى محافظات الصعيد، ويطرح موضوع نسوي عن فتيات من محافظة المنيا يحاولن تغيير وانتقاد واقعهن -مثل الزواج المبكر والإجبار على ترك التعليم والختان- من خلال فن المسرح.
ترى الناقدة أروى تاج الدين أن الفيلم له تأثير على مستوى الطرح النسوي، وقالت لـ”الشروق”: “لأنه فيلم بطلاته فتيات وموضوعه يلقي الضوء على أحلام البنات في منطقة صعبة جدا ونائية، ووجودهن في منطقة مثل الصعيد لم يمنعهن من المحاولة والسعي وراء أحلامهن ويحققوها على مستوى استخدام الفن من أجل التوعية، ويبان في الفيلم إن الحياة فرقتهن ولكن ما فعلوه ظهر له تأثير وصدى في وسط فتيات أخريات”.
وتتفق معها الناقدة أمل مجدي في نفس الطرح، حيث قالت لـ”الشروق”: “تجربة الفيلم التسجيلي رفعت عيني للسما لـ ندى رياض وأيمن الأمير، تستحق الوقوف عندها، ليس فقط بسبب تتويج العمل بجائزة العين الذهبية من مهرجان كان السينمائي، ولكن لأنه يقدم حكاية سينمائية مؤثرة من قلب صعيد مصر الذي قلّما توجهت نحوه الكاميرا باهتمام وإخلاص حقيقيين، كما إنه على مستوى الموضوع يتتبع قصة مجموعة من الفتيات أسسن فرقة مسرحية وانطلقن في الشوارع بآلات بدائية وإكسسوارات بسيطة لتقديم عروض تتحدى في شكلها عادات وتقاليد المجتمع، وتطرح في مضمونها قضايا نسائية مهمة”.
وأضافت: “يحمل الفيلم لغة شاعرية وتأملية تتناغم مع موضوعه المتعلق بالأحلام وإمكانية تحقيقها على أرض الواقع، ويقدم خطابًا سينمائيًا ناضجًا، يسلط الضوء على أثر السلطة الأبوية في حياة الفتيات، دون الاكتفاء بعرض نماذج سلبية للرجال، بل يحرص العمل على تقديم نماذج إيجابية تدعم النساء وتساعدهن على التحليق عاليًا”.
على صعيد آخر ترى أروى تاج الدين أن “أكثر فيلم أضاء أو قدم شيء للصناعة السينمائية من صناعة نسائية فهو فيلم الهوى سلطان”، والفيلم من تأليف وإخراج هبة يسري، وأوضحت: “الفيلم من خلال الإيرادات المرتفعة التي حققها والمعالجة شديدة الحساسية للشخصيات استطاع الإشارة إلى قدرتنا على صناعة فيلم رومانسي يبتعد عن النمطية الشديدة المقدم بها الأفلام الرومانسية مؤخراً، ولكن قدم قصة من الواقع، واستطاع أن يعيد الثقة إننا ممكن نصنع أفلام رومانسية تجذب الناس والذي يجعلها تجذب الناس أنها مستمدة من حياتنا الشخصية، وبالتالي نحن كمجهور سوف نحبها ونتأثر بها وتتقاطع معنا ومشاعرنا”.
لكن أروى كان لها توضيح في هذا السياق حيث ترى أن “ما حدث هذا العام هو صدفة بحتة ولم يكن به أي قصدية من ناحية الإنتاج أو الصانعات أنفسهم، ولا نستطيع القول أن عروض الأفلام في 2024 تعبر عن ثقة من جهات الإنتاج في الصانعات النساء أو الممثلات، هناك ثقة ما، في الممثلات بعض الشيء مثل حالة منى زكي، حيث تتحد الثقة بالقدرة على جذب الجمهور لشباك التذاكر، بالتالي لا نستطيع أن نرى مؤشراً على ما حدث في 2024 ينعكس على الخريطة السينمائية في المستقبل، قد يحدث أو لا، غير مؤكد، ربما 2025 لا تحتوي على فيلم واحد من صناعة نسائية والغالب العنصر الذكوري”.
وأضافت: “نحن لا ننتظر اليوم أو الوقت الحالي لكي نقول أو نثبت مهارة وقدرات الصانعات النساء، لأن تاريخ السينما على مدار الزمن كان هناك مخرجات حققوا طفرات، على سبيل المثال لم يكن لدينا مخرجة أفلام أكشن لكن في بداية الألفية حققت ساندرا نشأت طفرة بتقديم أفلام سسبنس وأكشن ونجحت وجذبت الجمهور لها وكونت رصيد سينمائي من هذه الأفلام”.
ووصفت الناقدة أمل مجدي 2024 أنها سنة متميزة، موضحة: “بالتأكيد عامًا مميزًا للأعمال النسائية في السينما، إذ يعيدنا إلى البدايات المُلهمة للسينما المصرية التي شاركت في تأسيسها رائدات مثل عزيزة أمير وبهيجة حافظ، هذا العام شهد نقلة نوعية، مع عرض عدداً من الأفلام من إخراج سينمائيات مصريات، وما يميز هذه الأفلام ليس فقط العدد، بل التنوع في الموضوعات والأساليب السينمائية، وقد شارك بعضها في مهرجانات محلية ودولية مرموقة، وطرح غالبيتها في شباك التذاكر واستطاع تحقيق إيرادات جيدة مثل فيلم الهوى سلطان للمخرجة هبة يسري”.
وأشارت أمل إلى “عودة الممثلات لتصدر الملصقات الدعائية ولعب أدوار البطولة في أفلام تنتمي لأنواع سينمائية متنوعة في 2024، مثل “مقسوم” لكوثر يونس و”رحلة 404″ لهاني خليفة”، وكذلك “برزت منتِجات يتجهن نحو خطواتهن الأولى في السوق السينمائي مثل رشا حسني في “البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو” -المعروض في مطلع 2025- كل هذه المؤشرات تعكس عامًا سينمائيًا يحتفي بالنساء بشكل استثنائي، حتى لو كان تزامن ظهور هذه الأعمال في العام نفسه مجرد صدفة، ولا يقوم على خطة إنتاجية متماسكة”.
وأبدت أمل رأياً متقاطعاً مع الناقدة أروى تاج الدين، حيث ترى أن “نجاح الهوى سلطان في شباك التذاكر قد يكون له أثر على تحمس المنتجين لصانعات أفلام يحلمن بتقديم حكاياتهن الخاصة دون إغفال حسابات السوق”.
يذكر أن عام 2024 شهد أيضاً -بعيداً عن العروض الجماهيرية في السينما محل الرصد- حدثاً آخر في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وهو تمثيل فيلم “دخل الربيع يضحك” لمصر في المسابقة الدولية، وهو التجربة الإخراجية الأولى -لفيلم روائي طويل- للمخرجة نهى عادل، وهو بطولة نسائية، وموضوعاته تتشابك مع قضايا نسوية ونسائية متنوعة، وعلى هامش الحديث عن المشاركات النسائية في العام محل الرصد، قالت أمل مجدي: “اعتقد أن فيلم دخل الربيع يضحك للمخرجة نهى عادل يمكن اعتباره الفيلم الذي حقق معادلة الجمع بين فيلم نسائي ونسوي معاً، فالفيلم يحمل بصمة مخرجة واعدة قررت تقديم شكل سينمائي مختلف عن السائد في السينما المصرية من خلال سرد 4 حكايات قصيرة تدور أحداثها في مكان واحد غالبًا، خلال فصل الربيع، وعلى مستوى الموضوع، تتمحور كل حكاية حول نساء ينتمين إلى طبقات اجتماعية ومراحل عمرية متنوعة، تبدأ كل حكاية من نقطة وردية لطيفة، ثم تتصاعد الأحداث لتتحول إلى شجارات عاصفة ومواجهات عنيفة، تتكشف معها الأسرار، وتبرز طبيعة العلاقات والأزمات اليومية التي تواجه النساء كل ذلك يُقدم دون أي خطابية مبتذلة”.