
المسحراتى
دكتور / السيد مرسى
قيل إن أول مسحراتي في مصر كان عنبسة بن إسحاق، والي مصر في العصر العباسي والذى كان يجوب شوارع القاهرة ليلًا وينادي على الناس للاستيقاظ للسحور، مستخدمًا عصا يطرق بها الأبواب، ثم تطور هذا التقليد كما نعرفه اليوم، ثم أصبح المسحراتى يسير وهو يرتدى جلبابًا فضفاضًا وعمامة، حاملاً طبلته أو عصا ينقر بها على الأبواب أحيانًا، مرددًا عبارات مثل:” اصحى يا نايم، وحد الدايم!” “سحورك يا صايم، رمضان كريم!” وفى بعض البلدان كاليمن والمغرب، كانوا يدقّون الأبواب باستخدام العصي، وأهل الشّام كانوا يطوفون حول البيوت ويقرعون الطبول وينشدون أناشيد خاصّة بشهر رمضان، وقد عرفت مكة ما يعرف بالزمزمي وكان ينادي بالسحور، ويرخي طرف حبل في يده يتدلى منة قنديلان كبيران حتى يرى نور القنديلين من لا يستطيع سماع ندائه من فوق المسجد، وكان حكاما يهتمون بإيقاظ الصائمين، وكانوا يعينون أشخاصًا رسميين لهذه المهمة. ثم أصبحت المهنة تنتقل بين الأجيال، حتى صارت من الطقوس الرمضانية الراسخة، وكان بعض المسحراتية يتفننون في إضفاء الطابع الغنائي على نداءاتهم، مستخدمين أبياتًا شعرية وأدعية دينية تدخل البهجة إلى القلوب، ولا يزال هذا التقليد مستمرًا، رغم دخول التكنولوجيا، بل دخل المسحراتى عالم الأدب والفن بقوة، خاصة مع المطرب سيد مكاوي الذي قدم أشهر الأغاني الرمضانية عن المسحراتي، كما ظهرت شخصية المسحراتي في العديد من الأعمال الدرامية والسينمائية التي جسدت تفاصيل حياته اليومية ومعاناته.
ومن اللطائف والطرائف التي تدور حول شخصية المسحراتى من يُدعى “ابن نقطة”، وهو أحد أشهر المسحراتية في القاهرة. كان صوته عذبًا وأشعاره جذابة، فلفت انتباه السلطان الناصر محمد بن قلاوون، الذي أعجب بأسلوبه في التسحير، فلم يقتصر دوره على إيقاظ الناس للسحور، بل أصبح شاعر البلاط، وارتفعت مكانته حتى أصبح أحد أهم مؤرخى ذلك العصر، وهذا الذى كان يعيش في قرطبة خلال الحكم الإسلامي، لكنه لم يكن يؤدي مهمته لإيقاظ الناس، بل كان يستغل الفرصة للسرقة! فكان يطرق الأبواب ليعرف من الذي استيقظ وخرج للسحور، ثم يتسلل إلى البيوت ليسرقها، وكُشف أمره ذات ليلة، وتم القبض عليه ، فأصدر القاضي حكمًا بجعله مسحراتيًا حقيقيًا لخدمة الناس كعقوبة له ،ومسحراتى آخر يضرب طبلته بصوت عالٍ، لكن أحد الأشخاص ظل نائمًا ولم يستيقظ فقرر المسحراتي أن ينادي باسمه مباشرة قائلًا” يا عم حسن، اصحى للسحور.. وإلا هفطر مكانك في الفطور” فاستيقظ الرجل ضاحكًا وقال: “لا لا، أنا صاحي، وكنت عايز أسمعك أكتر! “وقد كان السلطان صلاح الدين الأيوبي مغرمًا بسماع نداءات المسحراتي، وكان يحرص على مكافأته، وحينما لم يسمع صوته، واكتشف أن الرجل مريض، أرسل له طبيبًا وهدايا تقديرًا لدوره في خدمة الصائمين.
إلى اللقاء: دكتور / السيد مرسى