آراء وتحليلات

يوم المرأة المصرية

كتبت سوسن حجاب
استكمالا لحديثنا عن يوم المرأة( 8 مارس يوم المرأة العالمى و16 مارس يوم المرأة المصرية)وهو اليوم الذى رفعت فيه حوالى ثلاثمائة شخصية نسائية خرجن فى حشمة ووقار من كرام العائلات (كما ذكر الكاتب عبد الرحمن الرافعى فى كتابه المهم (ثورة 1919تاريخ مصر القومى من سنة1914 إلى سنة 1921):وأعددن احتجاجا مكتوبا ليقدمنه إلى معتمدى الدول يوم 16 مارس ذكرى ثورة المرأة المصرية ضد الاستعمار ونضالها من أجل الاستقلال جنبا إلى جنب الرجال،وسقوط شهيدات طوال أيام الثورة فى معظم ربوع مصر المحروسة
وأرغب فى هذه المناسبة أن أذكر نموذج للمرأة المصرية يكاد لا يفارق خيالى ولا تفكيرى ،
إنها سميرة موسى عالمة الذرة التى قالت : سأعود إلى مصر لأجعل العلاج بالذرّة متاح لكل الفقراء فى بلادى بدون مقابل ، وكان هذا ردها عندما طلبوا منها أن تبقى فى أمريكا للتدريس فى جامعة هارفارد وأن لا تعود إلى مصر،فرفضت قائلة عبارتها تلك التى – ربما – كانت سبب موتها
فهى للأسف لم تعد بالفعل فقد ماتت فى حادث سيارة فى أمريكا وكل المؤشرات تقول أنه مدبر وبفعل فاعل يؤكده مصير علماء الذرة المصريين والعرب بعد ذلك،يحى المشد وسعيد بدير وعالم الجغرافيا الفذ جمال حمدان وغيرهم كثيرين .
سميرة موسى صاحبة القصة الملهمة لفت نظرى فى حكاية هذه الفتاة النابغة عدة أمور أذكر منها على سبيل المثال:
ما قلته وذكرته فى المقال السابق عن يوم المرأة أنه لولا وجود رجال متنورون فى كل زمان ومكان فى بلادنا لما استطاعت المرأة الحصول على حق من حقوقها على اعتبار أن متخذ القرار دائما رجل، وأعنى هنا بمتخذ القرار أنه قد يكون الأب المتنور الذى لم يتوانى فى نقل تجارته وحياته كلها من القرية الصغيرة فى محافظة الغربية إلى القاهرة عندما وجد أن ابنته تفوقت وتستحق أن تنال الفرصة فى الالتحاق بالمرحلة الثانوية ولم يكن فى قريته ولا فى مدينته مدرسة ثانوية للبنات فى ذلك الوقت ف الثلث الأول من القرن العشرين (ولدت سميرة موسى فى عام 1917 فى قرية سنبو فى طنطا عاصمة محافظة الغربية) فعمل والدها المتنور الذى قد يكون أميا غير متعلم ،على إلحاق ابنته بمدرسة فى القاهرة كانت تديرها فى ذلك الوقت شخصية متنورة هى نبوية موسى(أول ناظرة مدرسة فى مصر) والتى وجدت فى طالبتها الجديدة نبوغا يستحق التشجيع خاصة وأن الفتاة وفى الصف الأول الثانوى أظهرت هذا النبوغ فى شكل كتاب الجبر الذى حولته إلى مادة سهلة ولخصته وأضافت عليه من نبوغها وطريقتها فى الشرح المبسط وظهرت عليه صورتها واسمها(تأليف سميرة موسى) ثم وفى الصف الثانى أرادت أن تلتحق بالقسم العلمى لأنها تحب الكيمياء ولم يكن فى المدرسة معملا للكيمياء وعندها قرر والدها المتنور نقلها لمدرسة أخرى يكون فيها معمل للكيمياء فرفضت الناظرة المتنورة أن تترك تلميذتها النجيبة ترحل وقررت أن تشترى معمل للكيمياء لأجل طالبتها المتفوقة وغيرها من الطالبات بعد ذلك،ولم تخذل سميرة موسى والدها ولا ناظرتها وكان أن تفوقت وقررت دخول كلية العلوم حيث قابلت الدكتور مصطفى مشرفة العالم الفذ الذى شهد له أينشتين بالنبوغ والتفوق،والذى شجع طالبته على التفوق وأكمل سلسلة المتنورين الذين صادفتهم سميرة موسى ولم تخذلهم حيث كانت الأولى على دفعتها وأصبحت أول معيدة فى كلية العلوم ثم سافرت وبتشجيع من أستاذها العلاّمة لكى تحصل على الماجستير فى لندن ثم الدكتوراه وعندما أكملت مهمتها وأصبحت الدكتورة سميرة موسى أول عالمة ذرة مصرية وعربية أو مس كورى الشرق والتى خاضت كل هذه المسيرة العلمية لكى تجعل العلاج بالذرة متاح لكل الفقراء فى بلادها فكان هذا التصريح – ربما- سبب نهايتها فى أغسطس 1952
الخلاصة : أن هذا الأب المتنور كان يمكن أن يدفع ابنته نحو الزواج لأول طارق يأتيها فى الوقت الذى كانت الفتاة تتزوج فيه قبل أن تكمل الخامسة عشرة من عمرها ،وكم لدينا من نموذج للست أمينة فى ثلاثية نجيب محفوظ – والتى ربما لو أُتيحت لها الفرصة وصادفت متخذى قرار متنورين واعيين لكانت سميرة موسى أخرى،وكم من سى السيد قد جار على ابنته أو أخته أو من يعول من البنات وحرمها حقها فى الاختيار ليس فقط فى التعليم لكن فى كل شئون حياتها بدون وصاية إلا فيما لا يمنع من الحصول على والتمتع بالحقوق التى كفلها الله والقوانين والأعراف السليمة بعيدا عن التقاليد الوافدة أو الراكدة وهو عنوان كتاب للشيخ محمد الغزالى(المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة)
وكل عام وأنتم بخير
سوسن حجاب